الفلسطينيون في القاهرة للوحدة والعالم في شرم الشيخ لتعمير غزة

لا يريد أحد أن يستبق الأحداث في عالم السياسة بالشرق الأوسط ويطلق أحكاما نهائية فيما يحدث حولنا, ففي هذه المنطقة تتسارع الأحداث والتطورات ليس تجاه الصدام وحده, بل إن هناك كثيرين ـ ومنهم من صعد إلي سدة الحكم ـ يهيئون المناخ لحرب إقليمية جديدة, قد تجد القوة الكبري نفسها مشاركة فيها برغم أنفها وبرغم استحكام أزماتها السياسية والاقتصادية القاتلة.
وتقف مصر بشموخها وحكمتها الفذة التي نعتز بها تمارس دورها وتفرض مكانتها, ولعلها هذا الأسبوع تضيف إلي رصيدها التاريخي المتعاظم عملين جليلين جديرين, ليس بالتسجيل والإشادة فقط, بل وأيضا أن يقف معها الكل في عالمنا, خاصة في منطقتنا العربية, صغارهم قبل كبارهم, أصحاب الأدوار الحقيقيون والباحثون عنها, بل وشركاؤهم في المنطقة, الأتراك والإيرانيون, وعلي العقلاء فيهما أن يلجموا المتطرفين.
وما أقصده بالعملين الجليلين أن الأول هو تجميع الفصائل الفلسطينية ولم شملها وفي مقدمتها الفصيلان الكبيران( فتح وحماس) ولعل المدخل الذي تم أمس يكون فاتحة خير, حتي يكتمل عقد الحوار الوطني الفلسطيني الشامل وتلتئم في النهاية وحدة الفصائل في الهدف مع احترامنا لاختلافهم في الوسائل فـ الغايات يجب أن تتجرد من المصالح والأهواء والتدخلات الخارجية, التي لا تراعي حرمة القضية الفلسطينية الغالية, وصولا إلي عمل خطة متكاملة لوحدة القضية ووحدة الأرض الجغرافية( الضفة وغزة) معا مع تكامل الصورة لدي كل الشركاء والفاعلين فلسطينيا حول كيفية بناء الدولة ومؤسساتها, واحترام كل فصيل أو جناح للآخر ولتوجهاته مهما يبلغ شططها, ما دامت في دائرة الحوار والاتفاق, وعدم اللجوء مرة أخري للاحتكام للسلاح لخلافات في الرأي أو التوجهات. فهذه جريمة كبري يجب أن تكون مؤسسات الدولة الفلسطينية الناشئة قادرة علي محاكمة وتجريم مرتكبيها مهما عظم شأنهم أو دورهم.
أما العمل الثاني والكبير فهو الحدث المنتظر يوم الاثنين المقبل2 مارس في شرم الشيخ, حيث يجتمع العالم حول القضية الفلسطينية في مؤتمر إعمار غزة, ونتطلع إلي أن يغسل العالم بقواه الكبري سواء أمريكا أو زعماء الاتحاد الأوروبي عار تركهم إسرائيل علي مدي22 يوما تمارس حربا غير مشروعة قام بها جيش مدجج بكل الأسلحة الحديثة وقتل الأطفال والنساء وهدم وحطم مدينة غزة بلا تمييز.
إن الشعب الفلسطيني في حاجة حقيقية إلي الإعمار, وأن يعيش حياة كريمة بلا حرب وتدمير, وفي حاجة أكثر إلي أن يتحرر من الاحتلال وأن ينعم بالاستقلال مثل غيره من شعوب الأراضي التي تحررت واستقلت, بينما ظل هو الوحيد, لأكثر من60 عاما, يتعرض للاضطهاد الآبارتايد الجديد.. الديني والعنصري من إسرائيل, ومن ورائها كل الغرب وأمريكا, وتركوا الفلسطينيين منذ الحرب العالمية الثانية, وهم الشعب الوحيد الذي يعيش في المخيمات بلا حقوق.
وسوف يكون مؤتمر إعمار غزة فرصة للجميع لإعادة التأكيد والعمل الجدي ليس للتعمير, وإزالة آثار عدوان همجي بربري لا مثيل ولا مبرر له, ولكن أيضا ليعمل الجميع علي إعادة الحقوق للفلسطينيين, وأن يكون ذلك رسالة لليمين المتطرف في إسرائيل, الذي وصل إلي الحكم, بأنه لن يستطيع أن يسير ويستمر في غيه, وهو يضرب بمصالح المنطقة والعالم وبحقوق الشعب الفلسطيني عرض الحائط.
إن مؤتمر إعمار غزة ـ بتمثيله السياسي المتميز, وبعدد الدول الكبير المشاركة فيه يعد رسالة قوية تؤكد أن السياسة المصرية قادرة علي تجميع العالم حول القضية الفلسطينية.
وهذا المؤتمر يذكرنا بالقدرة المصرية التي استطاعت هز الضمير الإنساني عالميا عقب العدوان علي غزة, وأدت إلي حضور الزعماء الأوروبيين الكبار إلي شرم الشيخ, ومعهم كبار المنظمات الدولية والأمم المتحدة في وقت الحرب واشتدادها, ثم انتقلوا إلي إسرائيل لممارسة دور المجتمع الدولي وقواه الحية لوقف العدوان وإعادة احترام الشعب والوطن الفلسطيني. ونجحت مصر في وقف إطلاق النيران الإسرائيلية وبدأت عملية التوصل إلي اتفاق للتهدئة بين الطرفين, وقد وصلت مصر فيها إلي المراحل النهائية, ثم كانت لعبة اليمين أو التطرف مرة أخري في إسرائيل وراء تأخير اتفاق التهدئة لاختيار اسم رئيس الوزراء القادم, مثلما كانت لعبة القوي المتصارعة الجديدة في إسرائيل هي التي أدت إلي الحرب علي غزة.. إنها لعبة الانتخابات الرخيصة لزعماء إسرائيل, ولكنها لم تكلل جبينهم بالنصر وإنما ارتدت عليهم بالعار وسلطت الأضواء علي جرائم بشعة ضد الإنسانية وحقوق الإنسان ارتكبتها دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين.
……………………………………………………..
ولابد أن تكون رسالة مصر واضحة للجميع.. لإسرائيل قبل أمريكا.. ثم لإخواننا العرب فهم مثلنا أصحاب للقضية الفلسطينية, ولكنهم بالقطع لا يعرفونها مثلنا, فنحن الذين عشناها حربا ودماء وإهدارا للموارد, وتدميرا للمدن وتهجيرا لها واقتصادا وميزانيات تحت الصفر, وشدا للأحزمة علي البطون قبل أن ندير صراعا سياسيا لا مثيل له قد يكون أكثر صعوبة وحنكة من الحرب نفسها, ورسالة مصر أيضا لشركائنا في المنطقة, ومنهم الإيرانيون الذين يحكمهم الآن ملالي متطرفون, فإيران شريك في الشرق الأوسط.. ونحن قد نحرص عليها أكثر مما يحرص حاكمهم عليها, فنحن نعرف أكثر من غيرنا ما يخطط له أو ما تجرنا إليه سياساته المتطرفة. ولا يخالجنا أدني شك في أن إيران كانت وراء تصدعات وصراعات إقليمية تؤدي إلي خلخلة منطقة الشرق الأوسط كله.
لقد زادت إيران من معاناة وآلام الشعب العراقي تحت الاحتلال ولم تخفف عنه, بل شاركت المحتل الأمريكي عمليا وعلي الأرض في إحكام السيطرة علي العراق, وضرب العراقيين, واستغلت الفتنة المذهبية للتفرقة بين أبنائه. وتلعب الآن علي الفتنة المذهبية في لبنان حيث خلقت أكبر ميليشيا طائفية هي حزب الله, وتستخدمها بحجة المقاومة لضرب شركاء الوطن. ورأيناها وهي تستخدم الأسلحة التي تملكها في احتلال بيروت, وليس في ضرب إسرائيل. ورأيناها أيضا وهي تضرب السنة بعنف حتي تحجم دورهم السياسي. ورأيناها في لبنان, وهي تتلاعب بالمسيحيين وتقسمهم إلي نصفين, فإيران لا تتلاعب داخل البلدان العربية المضارة بالطائفية أو الحروب فقط., بل أنها أيضا تشكل محاور وتتلاعب وتتآمر علي الدول العربية, وتجند دولا عربية ضد العرب الآخرين, وتستخدم علاقاتها القوية بسوريا وقطر لتعميق الشروخ العربية والانقسام العربي لتعميق الصراعات العربية ـ العربية.
إنها لعبة قديمة نعرفها جيدا, ولكنها لن تنطلي علي العرب كثيرا, وسرعان ما سوف يكتشفونها, كما أن إيران لا تستطيع أن تخفي أطماعها في دول الخليج العربي كله, وقد انتقلت من التلميح إلي التصريح, وهي لعبة متكررة مفضوحة تكررت مع دولة الإمارات العربية, ثم انتقلت إلي الكويت, ثم البحرين بلغة اتسمت بالفجاجة, وحتي في مصالحتها معهم فإنها تتسم بالاستعلاء والتهديد بالعودة من جديد إذا لم يلتزموا ويذعنوا للهيمنة الإيرانية.
واذا لم يجتمع العرب, ويرفضوا التدخلات الإيرانية الكارثية في القضية الفلسطينية سيكون لتأثيراتها أضرار جسيمة علي مستقبلها, وعلي إيران أن تدرك خطورة هذه اللعبة علي مستقبل قضية الشعب الفلسطيني ووحدة فصائله.
إن ثمن تقويض القضية الفلسطينية كارثي علي كل شعوب المنطقة والشعوب العربية, وإيران يجب أن تسلم بأن مصر والعرب هم الأكثر قدرة ودراية علي إدارة الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وعليها أن تنسحب منه, أو أن يكون دورها شبيها بالدور التركي الذي يسلم بأن المصريين هم الأدري بالقضية الفلسطينية, حيث تتعامل تركيا مع هذه القضية بروح تتسم بالكفاءة والاعتدال والاحترام, ومن ثم فإنها تحظي بالتقدير من دولنا العربية.
وعلي إيران أن تعرف أنها لن تستطيع حل مشكلة ملفها النووي دون مساعدة العرب. وما لا يفهمه أحمدي نجاد, الذي يقود بلاده إلي التخريب من الداخل والتطرف من الخارج, هو أنه في حاجة إلي العرب جميعا, ويجب ألا يستأسد عليهم ليحصل علي مساعدتهم, ونحن لا نريد أن نساعد التطرف أو الإرهاب أو الحروب, ولكننا نريد أن نساعد إيران حتي تنجو وشعبها من كل هذه المخاطر.
أما في تعاملنا مع إسرائيل, فنحن ندرك أنها تتجه إلي تشكيل حكومة يمينية متطرفة, والمشكلة لا تكمن في رئيس الوزراء القادم بنيامين نيتانياهو, فقد اختبرنا حكومته السابقة أعوام1996 ـ1999 ونعرف أنه سياسي براجماتي, برغم أنه مراوغ. والأكثر خطورة أو يمينية ليست الأحزاب المشاركة معه, ولكن شركاؤه في الليكود أنفسهم, حيث إن علي قائمته عتاة اليمينيين الإسرائيليين, الذين يمثلهم أكثر من12 من نواب الكنيست المتمردين, الذين أجبروا شارون, بالرغم من جبروته وقوته, علي أن يترك الليكود ويؤسس كاديما, وأبرز هؤلاء بني بيجين ويعلون, كما تحالف معه حزب الاتحاد الوطني ميخائيل بن أريه, وهو يقول عن نفسه إنه ابن كاهانا وسيواصل خطاه.. هؤلاء هم عتاة اليمين الإسرائيلي الذين انتخبوا لكي يهيئوا المنطقة لحروب قادمة لا تتوقف. ويجب علي العرب, خاصة الفلسطينيين, أن يعطوا الأولوية لكشف مخططاتهم أمام الشعب الإسرائيلي, بل أمام العالم خاصة أمام الولايات المتحدة.
……………………………………………………..
ونحن نعتقد أن الخلافات بين اليمين واليمين سوف تشتد فبرغم أن نيتانياهو يحاول تفجير كاديما من الداخل, فإنه سوف يجد صعوبات جمة, وهو لم يستطع أن يجذب إلا شاؤول موفاز الذي كان يطمح إلي اشتراك كاديما مع الليكود في حكومة يمينية مشتركة حتي يفوز بمنصب وزير الدفاع. ولكن يبدو أن السيدة ليفني زعيم كاديما مازالت تقبض علي زمام الأمور داخل حزبها, وقد رفضت عرض نيتانياهو والليكود السخي للانضمام لحكومة الصقور كما سماها نيتانياهو لأنها تريد أن تكون مستقيمة مع ناخبيها, حيث طالبت نيتانياهو بتشكيل حكومة تواصل السعي للمسار السياسي مع الفلسطينيين وفقا لحل الدولتين, مع تغيير النظام السياسي في إسرائيل, ورفض وإلغاء الاتفاقيات السرية مع حزب شاس. وكان نيتانياهو من الممكن أن يقبل الشرطين الثاني والثالث, ولكنه لا يقبل الشرط الأول وهو حل الدولتين مع الفلسطينيين.
وبذلك تلتقي مصالح العرب والفلسطينيين بضرورة كشف ألاعيب اليمين, ولندرك أن الصراع فيه يكشف الجريمة أمام الإسرائيليين وأمريكا والمجتمع الدولي.
إن الصراعات بين السياسيين في إسرائيل ليست سهلة أو هينة, ويجب عدم التقليل من شأنها, خاصة في فترة صعبة يشهدها العالم, وهي فترة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي طالت الجميع, وإسرائيل ليست بمنأي عن الأزمة العالمية, إذ يشير آخر التقارير إلي أن إسرائيل دخلت حزام البطالة, وأن واحدا من كل عشرة من العاملين فيها فقد عمله, كما أن الموازنات الداخلية والأمن والدفاع تأكل النظام الاقتصادي الإسرائيلي وتدفع الإسرائيليين إلي المعاناة. هذا بالإضافة إلي ما تتحمله إسرائيل من اتهام بتغذية الإرهاب والتطرف في عالمنا المعاصر لأنها لم تضع حلا مناسبا لقضية الشعب الفلسطيني.
إن تولي اليمين الإسرائيلي الحكم ليس حلا لمشكلة إسرائيل, وسرعان ما يكتشف الناخب الإسرائيلي خطأه بالرهان عليه, فما يسعي إليه كاديما الآن هو تغذية وكشف أخطاء كتلة الليكود عندما طرحت النظام الانتخابي الجديد, والزواج المدني في إسرائيل.. وقد وافق علي المشروع الجديد حزب إسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان, بينما لم يستطع نيتانياهو وحزبه الموافقة حتي لا يخسر اليمين الديني المتضامن مع ائتلافه المرتقب( شاس والأحزاب الدينية الصغيرة) ومن هنا فإن الوضع السياسي في إسرائيل ليس مريحا, ولا سهلا, ويجب علي الفلسطينيين ألا يساعدوا التيارات المتطرفة, وذلك بوضع نهاية لانقساماتهم الداخلية, وكشف وتعرية إسرائيل من الداخل.
فالانقسام والصراعات الفلسطينية تعطي اليمين كل الفرص ليتخلص من انقساماته وصراعاته الداخلية ويحمل الفلسطينيين كل المسئوليات, بل إن الانقسام والتشرذم الفلسطيني أو اللعب مع إيران والمتطرفين والقاعدة وتحويل حماس إلي حزب ديني متطرف( مثل حزب الله أو القاعدة) سيكون لمصلحة المتطرفين في إسرائيل.
الفلسطينيون قضية تحرر وطن وليست قضية دينية تتبع القاعدة أو إيران
وهنا سوف تتحمل حماس مسئولية إضافية أمام التاريخ الفلسطيني ومستقبل قضية شعبها, وعليها أن تثبت أنها فصيل فلسطيني, أو حركة تحرر وطني وليست فصيلا دينيا تابعا للقاعدة, أو لحزب الله أو لإيران, بل هي حركة تحرر وطني فلسطيني شريكة, بالإضافة إلي منظمة التحرير الفلسطينية التي تسعي لقيام الوطن والدولة الفلسطينية.
ويجب أن يصوت الفلسطينيون بكل فصائلهم, علي المشروع الوطني للدولة الفلسطينية المرتقبة حتي يكشفوا التطرف والإرهاب في إسرائيل والمنطقة.. وهذا في مصلحة مشروعهم ودولتهم التي لا تتحمل الدخول في صراعات ومشاكل الآخرين.. نعم أن قضية فلسطين ودولتها المرتقبة يجب أن تكون أكبر وأهم من كل المحاور والتيارات حتي ولو كانت دينية, فالمستقبل للفلسطينيين, وسوف يكشفون التطرف والإرهاب في كل العالم, مثلما استطاعوا عقب أحداث11 سبتمبر عام2001 في أمريكا أن يحموا قضيتهم من أن تدخل علي خط القاعدة والإرهاب في أفغانستان, ولكي يثبتوا أنهم قضية تحرر وطني خالصة عليهم أن يخلصوا قضيتهم من التدخلات الإيرانية الكارثية, فهي شبيهة بعلاقة إيران والقاعدة في الماضي القريب.
osaraya@ahram.org.eg