بوريس تاديتش رئيس صربيا يتحدث لـ”أسامة سرايا” : محادثتى مع الرئيس مبارك تميزت بمستوي عال من التفاهم وأتفقنا على دعم العلاقات الثنائية
بوريس تاديتش رئيس صربيا يتحدث لـ’ الأهرام’ محادثاتي مع الرئيس مبارك تميزت بمستوي عال من التفاهم واتفقنا علي دعم العلاقات في جميع المجالات لن نعترف بانفصال إقليم كوسوفو أحادي الجانب … ونقدر لمصر احترامها الشرعية الدولية.

هو رئيس لدولة ورثت عن جمهورية يوجوسلافيا الاتحادية السابقة تاريخا عريقا من العلاقات مع مصر والدول العربية علي كل المستويات, والتي ميزها تأييدها لقضايا العرب العادلة, وخاصة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
هو بوريس تاديتش رئيس جمهورية صربيا التي كانت تمثل قلب الاتحاد اليوجوسلافي, وذلك قبل بدء تفككه في بداية تسعينيات القرن العشرين.
ولعل الظروف المأساوية التي صاحبت تفكك الاتحاد اليوجوسلافي كانت من بين الأسباب التي أسهمت في تأخر زيارة أول رئيس صربي غير شيوعي منتخب ديمقراطيا إلي مصر, قلب العالمين العربي والإسلامي.
الرئيس الصربي جمع في سيرته الذاتية جميع الجينات الوراثية للاتحاد اليوجوسلافي السابق; فهو صربي العرق, حيث ولد لأبوين صربيين, وبوسنوي المولد, حيث ولد في مدينة سراييفو, وتولي وزارة الدفاع في الحكومة الاتحادية مع جمهورية الجبل الأسود. باختصار, فإن الرجل الذي يبلغ من العمر51 عاما جمع بين كل ما هو يوجوسلافي, وذلك قبل أن ينتخب رئيسا لصربيا في عام2004.
تاديتش حل ضيفا علي مصر الأسبوع الماضي, حيث عقد اجتماعات مكثفة مع كبار المسئولين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء أحمد نظيف, ووزير التجارة رشيد محمد رشيد, وذلك قبل أن يتوج زيارته باستقبال الرئيس حسني مبارك له.
وقد تناولت محادثات الرئيسين سبل تعزيز العلاقات الثنائية علي جميع المستويات, بالإضافة إلي بحث القضايا الإقليمية في الشرق الأوسط والبلقان, وسبل مواجهة الأزمة المالية العالمية الحالية.
’ الأهرام’ كان له لقاء مع الرئيس الصربي الذي أكد قوة العلاقات بين بلاده ومصر, وذلك منذ زمن الاتحاد اليوجوسلافي السابق. وأوضح أنه اتفق مع الرئيس مبارك علي تعزيز العلاقات بين البلدين في مجالات الطاقة والتصنيع والزراعة وصناعة الأدوية والعديد من المجالات الأخري. وقال إن منطقتي الشرق الأوسط والبلقان تحملان العديد من أوجه الشبه فيما بينهما, وهو من بين ما يقرب بين مصر وصربيا.
وبالرغم من حساسية العديد من القضايا التي أفرزها تفكك الاتحاد اليوجوسلافي السابق, والتي مازالت قائمة حتي اليوم, فإن الرئيس الصربي لم يتردد في الإجابة علي جميع الأسئلة التي طرحناها عليه, والتي تناولت أدق تفاصيل هذه القضايا, وعلي رأسها ما تعده بلجراد لمواجهة الانفصال أحادي الجانب الذي قام به ألبان إقليم كوسوفو عن صربيا.
الأهرام: تعد جمهورية صربيا, الوارثة ليوجوسلافيا السابقة التي حافظت علي علاقات ممتازة مع مصر, هل لك في أن تعطينا تقويما للعلاقات الحالية علي المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف؟
الرئيس: كرئيس لصربيا, فإنني أود أن أواصل سياسة الصداقة العميقة التي كانت قائمة بين يوجوسلافيا ومصر. وقد تحدثت في ذلك مع الرئيس حسني مبارك. وقد تميزت محادثاتي مع سيادة الرئيس بمستوي عال من المودة والتفاهم حول القضايا الاستراتيجية والسياسات الدولية, والأوضاع في كل من منطقة الشرق الأوسط وغرب البلقان; وهما المنطقتان اللتان تحملان العديد من أوجهة الشبة فيما بينهما. ولعل ذلك يفسر أيضا التقارب الكبير فيما بيننا, بالإضافة إلي العلاقات الاقتصادية القوية. في الوقت ذاته, فقد تحدثت مع الرئيس مبارك حول امكانيات استثمار رجال الأعمال في البلدين, وإيجاد حلول ناجعة لمشاكلنا الاقتصادية. كما بحثت مع الرئيس دعم التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والتصنيع والزراعة وصناعة الأدوية والعديد من المجالات الأخري.
الاتحاد الأوروبي هدفنا
الأهرام: تم تنصيب حكومة جديدة في صربيا في الصيف الماضي, فما هي أولويات الحكومة الجديدة داخليا وخارجيا؟
الرئيس: لا شك في أن أهم الأهداف الاستراتيجية لصربيا هي الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الاطار, تقوم صربيا بإصلاحات داخلية, بالإضافة إلي سن قوانين جديدة تتماشي مع القوانين الأوروبية. في الوقت ذاته, فإن هدفا رئيسيا لصربيا هو الحفاظ علي استقرارها الذاتي في إقليم كوسوفو. فصربيا لا, ولن تعترف بقرار انفصال كوسوفو من جانب واحد, كما أنها ستواصل جهودها في الحفاظ علي الاستقرار حتي تصدر محكمة العدل الدولية قرارها في مدي أحقية القرار أحادي الجانب الذي اتخذه ألبان كوسوفو بالانفصال.
الأهرام: يعد الحزب الاشتراكي لصربيا أحد المكونات الرئيسية في الحكومة الحالية, هذا الحزب الذي قاده في السابق الرئيس سلوبودان ميلوسوفيتش الذي توفي خلال محاكمته علي جرائم حرب في لاهاي. في تقديركم, هل نجح الحزب في إصلاح نفسه بحيث لا يشكل عائقا أمام سياساتكم الليبرالية داخليا وخارجيا؟
الرئيس: بالفعل, فإن الحزب الاشتراكي شريك في الحكومة الحالية. ولكن الأهم هو أن الحزب دخل الائتلاف بعد أن تبني رسميا السياسة التي تنتهجها هذه الحكومة بما في ذلك الأسس والشروط الموضوعة للانضمام إلي الاتحاد الأوروبي, والدفاع عن أمن واستقرار البلاد من خلال السبل القانونية, وليس من خلال الحرب.
في الوقت ذاته, فإن الحزب الاشتراكي وافق علي التعاون مع المحكمة الجنائية لمجرمي الحرب. ويمكنني القول بأن الحزب بات شريكا جديا في الوقت الحالي. فكما تقوم بلادنا بعملية إصلاح داخلية, فإن الحزب الاشتراكي يقوم بنفس عملية الإصلاح داخليا هو الآخر.
الأهرام: لقد تأرجحت كوسوفو عبر التاريخ بين سيادات دول وقوي إقليمية ودولية كثيرة من بينها الدولة العثمانية لما يقرب من500 عام, فما هي الدعاوي والدفوع القانونية لصربيا في المطالبة بالسيادة علي كوسوفو؟
الرئيس: بصفة عامة, فإنه لا توجد دولة في العالم يمكن أن تسمح بانفصال جزء من أراضيها. أما بالنسبة لكوسوفو, فإنها تمثل لنا في صربيا مهد حضارتنا; فعلي أرضها ولدت دولة صربيا.
وفي الماضي, كان الصرب يمثلون أغلبية السكان, في حين أن الألبان يمثلون الغالبية حاليا, إلا أن ذلك ليس مبررا لطلب الانفصال علي أساس أنهم يمثلون أغلبية عرقية. فالقول بأن الأغلبية العرقية في أي منطقة تمنح الحق في الانفصال كفيل بتهديد الاستقرار في أي دولة في العالم, كما أنه يمثل خطرا علي السلام العالمي.
وكما رأينا, فإنه بعد ما حدث في كوسوفو, فقد أتي الدور علي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وناجورنو كاراباخ ومولدافيا. في الوقت ذاته, فإنه توجد بؤر كثير في قارة إفريقيا يمكن أن تفجر أزمات مماثلة, كما في آسيا وأمريكا اللاتينية, وهو الأمر الذي يحتم تفادي الصدامات العرقية بجميع الطرق. وما يميز سياسة صربيا تجاه كوسوفو حاليا هو اتباع الطرق السلمية والحلول المشتركة والدبلوماسية. ومازالت صربيا تضع علي مائدة التفاوض مقترحاتها التي تمنح ألبان كوسوفو حقوقا واسعة للحفاظ علي الهوية العرقية والدينية, بالإضافة إلي حقهم في الحصول علي مدارسهم وجامعاتهم الخاصة بهم, وحقهم في التشريع. إلا أنه في الوقت نفسه, فإن علي ألبان كوسوفو مسئولية حماية المجتمع الصربي داخل الإقليم, بالإضافة إلي المحافظة علي الآثار الصربية هناك, وعدم المساس بحدود واستقلال صربيا, حيث أن عدم الالتزام بكل هذه الأشياء يمثل انتهاكا للمباديء التي تقوم عليها قوانين العالم المتحضر.
الأهرام: هل لكم في أن توضحوا لنا استراتيجية صربيا في استعادة سيادتها علي كوسوفو؟ وما هي توقعاتكم من مصر في هذا الصدد؟
الرئيس: أحب أن أؤكد أن صربيا لم تفقد سيادتها علي كوسوفو; فحدود صربيا مقننة طبقا للقرار رقم1244 الصادر من مجلس الأمن الدولي, وفقط هذا المجلس الذي من حقه أن يتخذ قرارا آخر في هذا الشأن, وهو ما لم ولن يحدث. لقد قرر ألبان كوسوفو الانفصال بشكل منفرد, وهو’ الاستقلال’ الذي اعترفت به55 دولة فقط, في حين أن140 دولة أخري لم تعترف به.
وبالنسبة لمصر, فإنها من ضمن الدول التي لم تعترف بانفصال كوسوفو, وهو موقف أحترمه وأقدره بشدة, حيث إنه موقف تأسس علي احترام الشرعية الدولية ويستهدف الحفاظ علي السلام الدولي وأتوقع أن تستمر مصر علي هذه السياسة في المستقبل.
الأهرام: في حال بقيت كوسوفو مستقلة, كيف تري صربيا تأثير ذلك علي أمن واستقرار منطقة البلقان؟
الرئيس: لن يكون هناك استقرار في البلقان دون وجود استقرار في جميع أنحاء صربيا, بما في ذلك كوسوفو بشكل خاص. ولذلك, فإننا مستمرون في سياسة ضبط الاستقرار والأمن والاستقلال داخل جمهورية موحدة.
الشعب الصربي مضطهد
الأهرام: ألا تقرون بوقوع فظائع ارتكبتها الإدارة الصربية في الماضي ضد شعب كوسوفو حتي عام1999 والتي دفعتهم للمطالبة بالاستقلال ؟ في هذه الحالة, ما هي الضمانات التي تستعد صربيا لتقديمها لعدم التكرار في حال عودة كوسوفو تحت السيادة الصربية؟
الرئيس: لقد قامت صربيا بإلقاء القبض علي كل المتهمين بارتكاب جرائم حرب وتسليمهم للمحكمة الجنائية, فيما عدا متهمين مازالا هاربين. بمعني آخر, فإنه من إجمالي46 متهما, بقي اثنان فقط لم يتم التوصل إليهما بعد. وحاليا, فإن ألبان كوسوفو يدركون أن صربيا لا تهدد أحدا, حيث إن سياستها قائمة علي السلام. فبعد تغيير الرئيس السابق سلوبودان ميلوسوفيتش, فإن أحدا لا يضطهد ألبان كوسوفو. والحقيقة هي أن الشعب الوحيد المضطهد حاليا هو الشعب الصربي. فبين الحين والآخر, نسمع باعتداء استهدف صربيا في إقليم كوسوفو, حتي باتت قوات حفظ السلام الدولية قائمة علي الحفاظ علي سلامة الصرب هناك.
الأهرام: لماذا لا تبحث صربيا امكان تقديم اعتذار رسمي لكل من شعب كوسوفو والبوسنة بهدف تسهيل عودة كوسوفو, ولمزيد من التعاون مع البوسنة؟
الرئيس: أعتقد أن هذا السؤال يجب ألا يوجه لي; فلقد سبق وقدمت اعتذارا لجميع شعوب البلقان, وللأسف, فإنني لم أتلق اعتذارا مماثلا من باقي قادة المنطقة علي العنف الذي ارتكب ضد الصرب. أما فيما يخص البوسنة, فقد أقامت صربيا علاقات جيدة معها, وقمت بزيارة رسمية لها, كما استقبلت ممثلي البوسنة والهرسك في بلجراد. ولمعلوماتك, فإنا من مواليد سراييفو عاصمة البوسنة.
ندعم استقلال البوسنة
الأهرام: ما مدي الحقيقة فيما يتردد عن عزم كل من صربيا وجمهورية صرب البوسنة الاندماج في كيان واحد في المستقبل القريب؟
الرئيس: ليس هذا في مخططنا; فأنا علي يقين بأن أي انفصال في منطقة البلقان الغربية سيكون في غاية الخطورة. وكما تدافع صربيا عن استقلالها, فإنها تدافع بالمثل عن استقلال باقي المناطق, كما تضمن استقلال البوسنة. نحن في صربيا نؤيد جميع القرارات التي تتخذها الشعوب التي تعيش في البوسنة; فالبوسنويون والصرب والكروات في البوسنة يجب أن يتفقوا فيما بينهم, ونحن لا نتدخل في شئونهم الداخلية.
الأهرام: هل لك في أن تعطينا تقويما للعلاقات بين صربيا والجمهوريات اليوجوسلافية السابقة, خاصة كرواتيا؟
الرئيس: لقد زارني في بلجراد رئيس وزراء كرواتيا إيفو ساندر, وهناك العديد من القضايا العالقة بين بلدينا, وهي مطروحة حاليا أمام القضاء, إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود علاقات جيدة علي قدر الإمكان. فهناك عدد كبير من الصرب يعيشون في كرواتيا, وعدد كبير من الكروات يعيشون في صربيا, ومن واجبنا أن نبني علاقات جيدة من أجلهم.
الأهرام: هل لنا أن نعرف ما هي ملامح خططكم في الفترة المقبلة خاصة في ظل الأزمة المالية العالمية التي تعصف بالعالم حاليا؟
الرئيس: مازال أمامي أربع سنوات في فترة الرئاسة الأولي, وذلك وفقا للدستور الذي يتيح لي الترشح لفترة ثانية, إلا أن الوقت مازال مبكرا لاتخاذي قرارا في هذا الصدد. أما بالنسبة للأزمة العالمية, فإنها لن تنتهي قريبا, ولكنها سوف تشهد نهاية يوما ما. والسؤال هو: متي هذا اليوم؟ والإجابة علي السؤال لا تتعلق بصربيا, وإنما هي متعلقة بقرارات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين. ففي رأيي فإن هذه الدول لو تعاملت بموضوعية مع الأزمة, فستجد حلا سريعا, وإن كان ثمنه باهظا. ولكن في حال ما قررت هذه الدول التغاضي عن الأسباب الحقيقية, فستستمر الأزمة فترة أطول, وسيكون علي باقي دول العالم دفع الثمن, هي وليس الدول الكبري.
الأهرام: شكرا سيادة الرئيس…
الرئيس: الشكر لكم.. لقد أسعدني الحديث إلي صحيفة الأهرام العريقة التي تعرفت عليها منذ أن كنت في السابعة من عمري, أي وأنا مازلت بعد طفلا صغيرا.