مقالات الأهرام اليومى

نحو قاطرة قوية للنظام العربي القاهرة والرياض قمم متتابعة‏..‏ رسائل ودلالات

في إشارة لا تخطئها العين عن صحة مساراتنا السياسية والاقتصادية‏,‏ كانت هناك قمتان للرئيس مبارك وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز‏,‏ الأولي في جدة والثانية في شرم الشيخ‏,‏ حيث يجمع بينهما دائما هدف واحد هو تقوية النظام العربي وتهيئته لعصر جديد يحمي المنطقة كلها‏,‏ ويحقق مصالحها‏,‏ وينصر قضاياها في فلسطين والعراق ولبنان وسوريا والخليج العربي كله‏,‏ بل السودان والصومال وهي جميعا بؤر المشكلات والحروب والتوتر الإقليمي‏,‏ التي نتأثر بها جميعا‏.‏

ولم يفصل بين اللقاءين سوي‏48‏ ساعة فقط‏,‏ ويشير اللقاءان من ناحية الشكل إلي أن الرئيس مبارك والملك عبدالله لا يفرقان بين البلدين‏,‏ فمصر والسعودية بالنسبة إليهما بلد واحد‏,‏ ومن ناحية المضمون فإنهما يؤكدان أن كل قضايانا محور البحث والاتفاق بينهما‏,‏ للوصول إلي سياسة واحدة مشتركة‏,‏ والوقت كله مفتوح ومتواصل لكي تعملا معا وباستمرار عبر اللقاء المباشر‏,‏ ومن خلال المبعوثين والوزراء والدبلوماسيين لبناء سياساتنا المشتركة‏,‏ التي تعبر بعمق ليس فقط عن مصالح البلدين المشتركة‏,‏ بل أيضا عن المصالح العربية كلها‏,‏ باعتبارهما أكبر بلدين عربيين‏,‏

وأكثرها تجردا ورؤية حالية ومستقبلية لمصالح الجميع‏,‏ ولقد بلغت القيادتان من الحكمة والرؤية المستنيرة ما يجعلهما يريان أن مستقبل بلديهما مرتبط بمستقبل الإقليم والمنطقة التي يعيشان فيها‏,‏ وأن صناعة الدور والمكانة لمنطقتنا وعالمنا العربي مرتبطة إلي حد كبير بدورهما وفعاليتهما‏,‏ وفي تحركهما علي المستويين الإقليمي والعالمي‏,‏ وأن تكامل الدورين المصري والسعودي يصنع المكانة والفعالية لعالمنا العربي‏,‏ فهما يتفاعلان معا لمصلحة الجميع‏,‏ وما يجمع بينهما الآن ومستقبلا يعكس قدرة البلدين وفعاليتهما لاتخاذ القرار المشترك‏,‏ ونستطيع أن نقرأ هنا أن أي تحرك إقليمي سواء كان مصريا أو سعوديا إنما يصب في المسار نفسه والرؤية المشتركة‏,‏ لتصحيح المعادلة الإقليمية‏,‏ وتقوية المسار الفلسطيني‏,‏ وحشد الجهد العربي في كل الاتجاهات لتحقيق هذا الهدف‏.‏

فلقد وقف البلدان معا في توحيد الفلسطينيين وتنسيق الأهداف بين الفصائل‏,‏ ومنع الانشقاق الفلسطيني‏.‏

والحقيقة أن التكامل والفعالية والعمل المشترك تصنع للدور العربي قوة لتحقيق الأهداف‏,‏ ومن هنا كانت مصر والسعودية معا في لبنان لتحجيم الدور الإقليمي لإيران‏,‏ الذي كان يهدف لإحداث انشقاق في هذا البلد الغالي‏,‏ فالبلدان ينسقان معا ليس لحماية لبنان وحده‏,‏ وإنما أيضا لحماية منطقة المشرق العربي كله‏,‏ خاصة سوريا لتنضم إلي مسيرة حماية النظام العربي‏,‏ وتقوية الموقف الفلسطيني‏,‏ وتحجيم الطموحات الإيرانية للتأثير في القرار العربي عبر اختراق علاقاتها مع سوريا‏.‏

إن الأيام المقبلة سوف تشهد تحركات مصرية وسعودية مشتركة‏,‏ أو منفردة في المسار نفسه‏,‏ وكلها تتم بتنسيق مشترك وتعاون وصل إلي مرحلة من النضج والقوة‏,‏ تجعلنا نقول بثقة‏:‏ إن تصريح الرئيس مبارك الأخير‏,‏ الذي قاله في أثناء تفقده الصناعة المصرية بمدينة‏6‏ أكتوبر‏,‏ بأن الوطن العربي في أحسن حالاته هو تقييم دقيق يتسم ويلخص القدرة والفعالية الراهنة لمنطقتنا وعالمنا علي مواجهة الأزمات الصعبة‏,‏ التي يواجهها الشرق الأوسط‏,‏ ويبين حجم التنسيق بين دول المنطقة‏,‏ خاصة الدول الرئيسية والمؤثرة‏.‏

أما بالنسبة للهامشيين‏,‏ الذين يثيرون الزوابع أو يلعبون السياسة بواسطة الإعلام فقط‏,‏ فقد آن لهم أن يعرفوا دقائق الأمور السياسية‏,‏ وألا يخلطوا الأوراق‏,‏ وأن ينضموا إلي الموقف الحكيم‏,‏ الذي تقوده مصر والسعودية‏,‏ وألا يحاولوا إثارة اللغط أو المشكلات أو التفرقة بينهما‏,‏ فهذا لن يحقق مصالحهم‏,‏ ولكن سرعان ما يكشف ما يغمر نفوسهم من ضغينة للموقف العربي الموحد‏,‏ الذي يمثله البلدان بنقاء وقوة سريرة‏,‏ ووضوح موقف وتعالي العظماء أصحاب الأدوار الحقيقية‏,‏ الذين يضعون الأهداف الصحيحة موضع أعينهم‏.‏

………………………………………………………‏

وليست القمتان المصرية والسعودية الأخيرتان وانضمام الملك حمد بن عيسي ملك البحرين إلي القمة الثانية‏,‏ الرسالة الأولي الواضحة والقوية التي يوجهها القائدان العربيان المخلصان مبارك وعبدالله بن عبدالعزيز للعالم والمنطقة العربية للتعبير عن معاني التضامن والرؤية المشتركة بينهما‏,‏ بل سبقت القمتين رسائل ومعان ذات دلالات عميقة‏,‏ ولعلي اختار منها للتذكرة والدلالة الخطاب‏,‏ الذي أرسله خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز إلي الرئيس حسني مبارك‏,‏ الذي حيا فيه الجهود المصرية خلال أزمة غزة الأخيرة‏

والذي رصد فيه‏,‏ بحكمة وحس القائد العربي المحب لأمته‏,‏ ما قام به الرئيس مبارك من خطوات وسياسات لتقوية الفلسطينيين ووقف الحرب علي غزة عبر مبادرات سياسية ودبلوماسية‏,‏ وقد وصف كل الأمناء الذين يقدرون الأدوار التاريخية ماقامت به مصر ورئيسها بأنه عمل شاق لإنقاذ الشعب الفلسطيني‏,‏ وحماية العلاقات العربية ـ العربية من الانهيار‏,‏ وقد تمثل ذلك في مبادرة مصرية قوية‏,‏ وفي قرار من مجلس الأمن وحشد المجتمع الدولي والأمم المتحدة في مؤتمرين عاجلين بشرم الشيخ لوقف الحرب وتعمير غزة في تحرك غير مسبوق وتاريخي لحماية الوطن الفلسطيني من العدوان

‏وقد وقف البعض‏,‏ ممن تآمروا علي المنطقة وشعوبها‏,‏ يصدرون الحملات المغرضة علي مصر وعلي قيادتها‏,‏ فجاءت رسالة العاهل السعودي لتضع الحق في نصابه‏,‏ وتعطي إشارة بأن المملكة وقيادتها وشعبها بوزنها وحجمها تقف بوضوح إلي جانب مصر‏,‏ وفي الوقت نفسه تقاسمها الجهود والعمل من أجل تحقيق الأهداف نفسها‏,‏ وهي رسالة حملت بعمق وتعبير دقيق مشاعر سعودية عميقة لمصر ودورها في معركة تاريخية قامت بها مصر للفلسطينيين ولقضيتهم ولمصلحة العرب جميعا‏,‏ فقد كان صراعا إقليميا مع إسرائيل المعتدية علي حقوق الفلسطينيين‏,‏ وهي البلد الذي خرق القوانين الدولية‏,‏ واعتدي علي شعب غزة الواقع تحت الاحتلال باستخدام كل الأسلحة الفتاكة لإخضاع المدنيين وضرب حقوقهم‏

كما كانت معركة سياسية ودبلوماسية وإعلامية أخري إقليمية مع إيران‏,‏ التي حاولت أن تصطاد في الماء العكر‏,‏ وأن تدفع المنطقة إلي حافة الحروب والانهيار‏,‏ لتحقيق مصالحها الآنية علي حساب استخدام القضايا العربية والمصالح العربية لتبرز قدرتها وتأثيرها في المسار العربي لأمريكا وللمجتمع الدولي‏,‏ وفي قلبها لأول مرة قضية الفلسطينيين‏,‏ التي هي قضية عربية تخص العرب‏,‏ وهم القادرون وحدهم علي الدفاع عنها‏.‏ وليست قضية معروضة للمزايدة بين إيران وأمريكا والمجتمع الدولي‏.‏

لقد ضربت العلاقات المصرية ـ السعودية في تلك الفترة الحساسة من تاريخ الصراع في الشرق الأوسط المثل في اتحاد الرؤية والهدف والقدرة علي تلجيم الصراع بشقيه العالمي والإقليمي من أجل تحقيق المصالح العربية‏.‏

………………………………………………………‏

ولعلنا هنا لا ننسي المواقف الشريفة التي اتخذها الإعلام والصحافة السعودية سواء في الداخل أو الخارج لكشف العدوان وتقوية الموقف المصري في دعم العرب للفلسطينيين وكانت رسالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ترجمة للمشاعر السعودية تجاه مصر ورئيسها خلال الأزمة الحادة‏,‏ التي خرج منها العرب والفلسطينيون منتصرين‏,‏ فكان من الطبيعي أن يكون الرد المصري علي هذا المستوي‏,‏ وهنا شعر المصريون بصدق السياسة السعودية‏,‏ وترجم الرئيس مبارك ذلك في رسالة أخري‏,‏ فالرسائل بين القادة ولقاءات القمة بينهما هي ترجمة لعلاقات المصالح الاستراتيجية العميقة بين مصر والسعودية‏,‏ وهي الجزء الظاهر أو العلني من الروابط العميقة بينهما‏,‏ وهي معان متجددة تبرز أن علاقات البلدين هي التي تعكس ما نطلق عليه النظام العربي كله‏.,‏غني عن السرد‏,‏ العلاقات الاقتصادية المميزة والقوية بين البلدين من ملايين العمال المصريين إلي الاستثمارات والتجارة الهائلة بين البلدين‏.‏

لقد أصبحت علاقات مصر والسعودية القاطرة الحقيقية للنظام العربي في ظل حالة تشتت‏.‏ البعض‏,‏ وغيابهم والتدخلات الإيرانية المعيبة في النظام العربي‏,‏ والتي جعلتها تستخدم سوريا وقطر من حين لآخر ضد المصالح العربية‏,‏ وكانت علاقات مصر والسعودية دائما‏,‏ بمثابة التصحيح لأخطاء الآخرين سواء علي مستوي العلاقات الثنائية‏,‏ أو في القمم العربية المتتابعة‏,‏ ولعلنا نذكر أن المجهود الذي يبذله العاهل السعودي في لم الشمل العربي‏,‏ وتوجيه الشاردين هو مجهود كبير لحماية المنطقة العربية‏,‏ وزيادة قوتها‏,‏ ونشيد هنا أيضا بحالة الترفع المصري عن الانزلاق في الرد علي صغائر الآخرين ضدها وضد سياساتها التي بلغت في مراحل كثيرة حد التطاول‏.‏

إن مصر بترفعها واستمراريتها في حماية المصالح العربية تري‏,‏ من خلال رؤية مستنيرة‏,‏ أن الشاردين الذين يعملون لمصالح ضيقة‏,‏ أو لمصلحة إيران‏,‏ سرعان ما سيكتشفون أخطاءهم ويعودون إلي الصواب والرؤية المستنيرة‏,‏ التي تمثلها سياسة مصر المتجردة والتي تستهدف مصلحة العرب جميعا‏,‏ خاصة القضية الفلسطينية‏,‏ قضية العرب الأم‏.‏

osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى