مقالات الأهرام اليومى

أمريكا وروسيا وأوروبا في القاهرة العالم يلتف حول قضيتنا‏..‏ وتبقي الوحدة الفلسطينية

علاقة الرئيس مبارك بقادة القوى الكبرى فى عالم اليوم ستأتى بنتائج متميزة لمصلحة استقرار المنطقة
علاقة الرئيس مبارك بقادة القوى الكبرى فى عالم اليوم ستأتى بنتائج متميزة لمصلحة استقرار المنطقة

بسياسة حاذقة تعرف لغة العصر ومكوناتها أكملت مصر منظومة مشاركتها الاستراتيجية في عالمها المعاصر‏,‏ فالقمة المصرية ـ الروسية بين مبارك وميدفيديف‏,‏ إذا نظر إليها بصفتها قمة بين الزعيمين‏,‏ فهي شئ عادي في السياسة الخارجية المصرية‏,‏ حيث تتكرر باستمرار سواء في عاصمتنا أو هناك‏,‏ وعلينا أن نتذكر أن الرئيس حسني مبارك كان في العاصمة الروسية في نهاية مارس عام‏2008,‏ والتقي بالرئيسين بوتين وميدفيديف في لحظة انتقال السلطة‏,‏ وتبادل المواقع بينهما‏(‏ رئيس الوزراء والرئيس‏)‏ لتعميق علاقات مصر مع الاتحاد الروسي وريث الاتحاد السوفيتي القوة العظمي السابقة‏,‏ والقوة البازغة في عالمنا الآن‏,‏ فروسيا هي القوة القديمة المتجددة‏,‏ التي أصبح لها تأثيرها الواضح في كل القضايا‏,‏ التي تتعلق بصياغة العلاقات الدولية والتي تستعد لاستقبال وإعداد مؤتمر دولي جديد للقضية الفلسطينية‏.‏

وعلينا أن ننظر لهذه القمة بأبعادها المتكاملة وبالصورة الكلية لها‏,‏ خاصة أنها جاءت في نهاية الشهر‏,‏ الذي استقبلت القاهرة في بدايته الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أول مباحثات سياسية له مع مصر‏,‏ ثم إلقاء خطابه التاريخي بجامعة القاهرة‏.‏ وعودة علاقات مصر بقوة مع قطب السياسة العالمية‏,‏ ومركز التأثير الأول أو القوة العظمي الوحيدة في عالمنا المعاصر‏.‏

وتكتسب القمة المصرية ـ الروسية أبعادا جديدة علي صعيد استكمال مصر حشدها المجتمع الدولي بكل قواه خلف القضايا العربية المشروعة‏,‏ بعد أن مرت في السنوات الثماني الماضية بما يعرف بالمد والجزر‏,‏ وقد استمرت مصر في دورها كمركز للتأثير السياسي في كل ما يخص العلاقات العربية ـ الأمريكية‏,‏ ومنطقة الشرق الأوسط‏,‏ خصوصا بالنسبة لكل القوي المؤثرة في عالمها‏,‏ خاصة أمريكا وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي‏.‏

وكانت نقاط القوة أو التأثير مرتبطة دائما بتلاقي وجهات النظر أو الاختلاف فيها‏,‏ حيث شكلت التناقضات والاختلافات في وجهات النظر في السنوات الأخيرة مع أمريكا بوصلة ـ تلك العلاقات ـ والآن عادت قوية ومتجانسة‏,‏ بعد أن التقت السياسات الأمريكية الجديدة في خطوطها العامة‏,‏ وبوصلتها المعلنة‏,‏ مع الاتجاهات المصرية وما تسعي إليه مصر لمصالح المنطقة والاستقرار العالمي‏.‏

…………………….‏

إن خطاب الرئيس الأمريكي المعلن بالقاهرة أصبح يشكل مرجعية يمكن العودة إليها للعلاقات بين الشرق والغرب وقد عبرت عنه إدارة أوباما ومسئولوها ومبعوثوها للمنطقة‏,‏ وذلك بمطالبة إسرائيل بالاعتراف بحق الفلسطينيين بدولة علي أراضي‏1967,‏ ووقف كل أشكال الاستيطان في الأراضي المحتلة‏,‏ ثم جاء المقال‏,‏ الذي كتبه الرئيس حسني مبارك في صحيفة وول ستريت جورنال‏,‏ والذي شكل ردا إيجابيا ومحسوبا ودقيقا علي خطاب الرئيس أوباما بالقاهرة‏,‏ لتكتسب القضية الفلسطينية وثيقتين ومرجعيتين جديدتين هما خطاب أوباما‏,‏ ومقال الرئيس مبارك‏,‏ ليضافا إلي الوثائق التاريخية لهذه القضية الحيوية أو الاستراتيجية ليس لمنطقتنا فقط‏,‏ بل لعالمنا المعاصر كله‏.‏

فالقضية الفلسطينية تعد مفتاح الاستقرار العالمي أو القضية الكبري الباقية من القضايا التي أثرت في السلم العالمي والحروب في العالم والشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية حتي الآن‏.‏

وهي أيضا من القضايا الاستراتيجية الباقية بين الشرق والغرب من متعلقات الحرب العالمية الثانية‏,‏ وحلها سيكون بمثابة رسالة قوية للعالم بأننا ندخل عصرا جديدا‏,‏ أو أن العالم مازال في دوامة وتأثيرات عدم الاستقرار‏,‏ وأنه يراوح مكانه‏.‏

ويحسب للقيادة المصرية ورئيسها مبارك أنه الرئيس والقائد العربي الوحيد الذي لا يكل ولا يمل من أن يضع القضية العربية في مكانها الصحيح في ذاكرة وعقل المجتمع الدولي علي كل بساط بحث‏,‏ أو دائرة عمل سياسي باعتبارها القضية الأولي علي أجندة المجتمع الدولي‏,‏ التي ستحقق للإنسانية ولعالمنا المعاصر الاستقرار‏,‏ فمنذ أن تفجرت الحرب الساخنة في منطقتنا بعد أحداث سبتمبر‏2001‏ في واشنطن ونيويورك وظهر مصطلح الحرب العالمية علي الإرهاب‏,‏ كانت مصر أول من قال‏:‏ إن إنهاء المظالم‏,‏ التي ترتبت علي ما بعد الحرب العالمية الثانية‏,‏ وأولاها قضية الشعب الفلسطيني هو السبيل إلي إنهاء مبررات الإرهاب والتطرف في عالمنا فوضعت القضية الفلسطينية في الميزان العالمي السليم‏,‏ ولم تتوقف عن ممارسة السياسة العالمية بذكاء وحنكة‏,‏ لتضع مفهومها ورؤيتها في المكان الصحيح علي سلم أولويات المجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار وإنهاء الحروب‏.‏ وأعتقد أنها نجحت بجدارة‏.‏

………………………………………………………‏

لقد خاضت مصر معركة سياسية كبري لوقف الحرب علي غزة وحشدت المجتمع الدولي الفاعل في ذلك الوقت‏,‏ وهو المجتمع الأوروبي ودول الاتحاد الأوروبي‏,‏ وعقدت مؤتمرين في شرم الشيخ‏..‏ الأول لوقف الحرب‏,‏ والثاني لتعمير غزة‏,‏ وكان محور تركيزه علي رؤساء الاتحاد الأوروبي‏(‏ فرنسا ـ ساركوزي‏,‏ وإيطاليا ـ بيرلسكوني‏,‏ وبريطانيا ـ جوردون براون‏)‏ ونجحت مصر في إيقاف الحرب‏..‏ وبعدها بدأت معركة التعمير وإنهاء الحصار علي غزة‏.‏

لقد حاصرت مصر اليمين الإسرائيلي المتطرف‏,‏ واليمين الأمريكي المحافظ‏,‏ ووضعتهما في حجمهما الطبيعي في معركة سياسية خرجت منها منتصرة لوجهة نظرها الصحيحة ومستقبل المنطقة‏.‏ ولذلك فهي اليوم قوية ومحور الاحداث العالمية والإقليمية‏,‏ ويلتف حولها العالم فلقد جاء الأمريكان فالروس وقبلهما دول الاتحاد الأوروبي للتسابق علي تأثير ودعم السياسة المصرية في المنطقة‏.‏

إنها صورة سياسية مثالية‏,‏ وأعتقد أنها ستأتي بنتائج متميزة لمصلحة القضية الفلسطينية‏,‏ واستقرار منطقة الشرق الأوسط كلها‏.‏

ولم يكن الحشد العالمي بالنسبة لمصر بديلا عن العمل الإقليمي والتنسيق مع الدول العربية الفاعلة لصناعة السلام والاستقرار لمنطقتنا‏,‏ ولذلك لم يتوقف المصريون عن تجميع الفلسطينيين بفصائلهم المشتتة والمتصارعة من أجل أن يعودوا من جديد كقوة تأثير لمصلحة قضيتهم العادلة‏,‏ وتضع اليوم مصر قضية وحدة الفلسطينيين في مقدمة مساعيها ودورها السياسي المتميز والفعال‏.‏

واليوم نري ثمار الجهد المصري المبذول بصبر وأناة‏,‏ يعجز الإنسان عن أن يصفه‏,‏ فالتعامل مع المجتمع الدولي في أزمات متلاحقة ومتغيرات بارزة وحشده خلف قيادتنا أعاد القضية الفلسطينية إلي بؤرة الاهتمام العالمي‏,‏ بعد أن حاول اليمين الإسرائيلي والأمريكي بعد حرب الإرهاب إلصاق تهمة الإرهاب بالقضية‏,‏ وفشلت كل تلك الاتجاهات واستيقظ الضمير الإنساني إلي القضية الفلسطينية من جديد‏,‏ فهي قضية تحرر وطني بامتياز‏,‏ والفلسطينيون بكل فصائلهم مقاومون أبطال‏,‏ يستحقون احترام العالم وتقديره‏.‏

حيث يواجهون أعتي قوة عالمية في الوجود‏..‏ قوة تملك المال والنفوذ العالمي وتوظف القوة العالمية لخدمة تطلعاتها ومصالحها وهيمنتها علي الشعوب العربية‏,‏ خاصة الشعب الفلسطيني‏,‏ وقد استطاع الفلسطينيون عبر كفاح طويل وعريض ومتغيرات عالمية صعبة ومتلاحقة‏,‏ لم تكن دائما في مصلحة قضيتهم‏,‏ أن يستمروا في الدفاع عن قضيتهم‏.‏

وكانت مصر معهم دائما‏,‏ واستمرت القضية في مسارها الصحيح‏,‏ بالرغم من المتغيرات الإقليمية الحادة في منطقتنا ومحاولة إيران وبعض القوي العربية المتأثرة بها اللعب بالوتر الحساس لهذه القضية‏,‏ باعتبارها أكثر القضايا التصاقا بضمير الإنسان العربي لتحقيق مكاسب إيرانية في أوراق تفاوضها مع أمريكا والمجتمع الدولي‏.‏ لقد كشفت مصر كل هذه الأوراق أولا بأول أمام أصحاب القضية والعرب جميعا عبر القمم المتتابعة‏.‏

واستطاعت أن تنأي بالقضية الفلسطينية من المستنقع الإيراني المخيف‏,‏ كما حمتها من التداعيات المخيفة للإرهاب الدولي وارتباطاتها بالتنظيمات الإسلامية‏(‏ كالقاعدة وطالبان وغيرهما‏).‏ فتم الحفاظ علي الوجه الناصع للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية شعب وطني‏,‏ يبحث عن حقه وأرضه وتقرير مصيره‏.‏

وفي هذه اللحظة التي يحقق فيها الفلسطينيون انتصارا علي الصعيد الدولي وصعيد وحدتهم وعودة قرارهم‏,‏ فإننا نري بدايات انتصارهم وفرض إرادتهم علي كل القوي التي حاولت في عالمنا المعاصر أن تهضم حقوقهم وتصادر أراضيهم ومستقبلهم‏.‏

………………………………………………………‏

يجب أن نهنيء الفلسطينيين والمصريين‏,‏ فهم وراء هذا الانتصار الفلسطيني الجديد علي الأصعدة العالمية والإقليمية والمحلية‏,‏ وأن نشد علي أيديهم ونقول لهم‏:‏ إننا لسنا في نهاية الطريق‏,‏ ولكن في بداياته‏,‏ فالحفاظ علي ما تحقق يطالبنا بالحفاظ أولا علي الوحدة الفلسطينية‏,‏ وأن يتكلم الفلسطينيون بلغة العقل والعصر‏,‏ فهي اللغة الوحيدة‏,‏ التي تحفظ انتصارهم وتعظمه‏,‏ وعليهم أن يحافظوا علي علاقاتهم القوية مع مصر‏,‏ فهي التي تدير بخبرتها معركتهم السياسية مع كل القوي ومراكز التأثير في عالمنا‏,‏ ويجب أيضا أن يحشدوا الجهد العربي كله خلفهم

فالمبادرة العربية للسلام بمثابة حائط قوي يستند إليه الفسطينيون‏,‏ والعرب بمكانتهم السياسية والاقتصادية قادرون علي الضغط علي إسرائيل‏,‏ والمجتمع الدولي للتسليم بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني‏..‏ والمبادرة هي الورقة الكبري التي تمثل قمة الضغط العربي علي إسرائيل والمجتمع الدولي‏,‏ إذا حافظ العرب علي طريقة استخدامها‏,‏ واستمروا في توظيفها السياسي ورهنوا أي علاقات مع إسرائيل بالتسليم بحقوق الفلسطينيين وإعطائهم إياها‏..‏ إن الجميع يري انتصار الفلسطينيين‏,‏ وبقي عليهم أن يستمروا في انتصارهم‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى