الصـحافة القـومية.. والتيار الوطني المصري!

اسمحوا لي أن يكون مدخلي لهذا المقال مختلفا, وأن أتوجه به من البداية لزملائي الصحفيين والكتاب, خاصة في الصحافة اليومية القومية, في الأهرام والأخبار والجمهورية وروزاليوسف, وفي مجلاتنا الأسبوعية في هذه المؤسسات, وفي المصور وأكتوبر, وأشد علي أيديهم وأطمئنهم بأنهم في المقدمة, وسوف يظلون, فقد حققوا المعادلة الصعبة في الزمن الأصعب, حافظوا علي الولاء والحب والانتماء للوطن, واحترموا عقل القاريء, ولم تجرفهم سفاسف الأمور وشهواتها وسطحيتها أو غوغائيتها, وخاضوا معارك مصر بالانتماء الواجب, وخلقوا مناخا وتيارا يحمي مصالحنا.
ويعلي مكانة مصر والمصريين, واحتفظوا بحب واحترام قارئهم, في وقت كانت فيه كل الرهانات تشير إلي أنهم خاسرون, فإذا بهم في المقدمة, بل وأصبحوا قاطرة للتطور والنمو, وساعدوا الرأي العام المصري والعربي علي أن يعرف أكثر, وخلقوا مناخا مواتيا للحركة بل وللتغيير الصحيح.
وها هي ثمرات هذا التيار تنضج.. ونري مصر, وقد اجتازت الصعب في تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي, واحتفظت بقوة مؤسساتها وأحزابها, وقوة اقتصادها في عصر الأزمات العالمية. ومنعت التدخل الخارجي في شئونها حتي ولو كان من القوة العظمي. وكانت مصر وقائدها هي التي وقفت ضد البوشية أو المكارثية الأمريكية الجديدة بعد حرب العراق, في التدخل في شئون أوطاننا وإعادة صياغتها طبقا لرغباتها ومصالحها, بحجج بالية عن الإصلاح السياسي والشرق الأوسط الكبير, فخرجت من مصر الدولة الكبري برامج وخطط في الإصلاح لم تبق علي ورق أو مجرد دراسات
بل نزلت الشارع السياسي للتطبيق الفعلي, وفتحت الباب للحرية, ولم تخش الدولة المصرية شيئا, كانت رياح الحرية عاتية والنقد شديدا, كانت سمته التجاوزات الفجة, وطالت الشائعات والنميمة كل الأشخاص, بل وكل الأعمال, وتجاوزت جميع الحقائق, وتصور البعض أنه يمكن التحريض أو التخويف بالحرية عندما وقعت في المحظورات الكثيرة, ولم يتصوروا أن باني المؤسسات في مصر, بل باني مصر الحديثة الرئيس حسني مبارك, ليس من الممكن أن يهتز أو يرتد, فإذا به يثبت للجميع أنه الحارس الأمين والضامن الأكيد للحرية في مصر, وامتدت أياديه البيضاء للمتجاوزين بالعفو, ليؤكد من جديد قوة مصر, وقوة الدولة, وإصرارها علي التطبيق الفعلي لبرنامج الإصلاح السياسي, وتكريس الحرية في مصر.
فقد أدرك باني, مصر والمؤسسات, أهمية ترسيخ قيمة الحرية في نفوس المصريين, وقد عانوا طويلا, من تسلط الأجهزة والكبت, وزوار الفجر, وغيرهم, ووصلت درجة الخوف الكامن في النفوس ألا يتكلم الأخ مع أخيه, فأصبح المصريون غير مصدقين أو عابئين بشعارات الإصلاح والتغيير التي تطلق من الدولة أو رموزها, بل بلغ الأمر بالبعض ـ ممن تسلطت عليهم فكرة المؤامرة ـ إلي الظن بأن الدولة بفكرة الحرية, وفتح الأبواب, وترك الشبابيك مفتوحة لهوائها العليل ـ حتي ولو كان مصحوبا بالسحابة السوداء, وأخطاء المجتمع ومخاوفه القديمة
وثقافته التي لم تتجدد ـ ساعية بهذه الحرية إلي مؤامرة لاصطيادهم من جديد إلي السجون والزنازين, كما تعودوا مع السياسات السابقة, ولم تكن مفاجأة لمن يعرفون شخصية القائد المنتصر أو عقلية المنتصرين في حرب أكتوبر, قائد المعركة الصعبة في1973 التي استردت فيها مصر كرامتها وأعادت بها الحرية والسيادة.. أن يبخل هذا القائد علي مواطنيه وشعبه بالحرية نفسها, فلا تكفل حرية الأرض إلا بحرية الإنسان.
فكان علي مصر, وقائدها المنتصر, أن يواصلا عمليات الانتصار ببناء الوطن ومؤسساته, وإطلاق حرية الإنسان, فهو الضمانة ألا تعود الأرض للاحتلال, أو يقع الوطن في هزيمة مريرة, فقد أدركت عقلية القائد العسكري المنتصر مبارك, ثم الرئيس بعد ذلك, أن الهزيمة وقعت, ليس لضعف أو ترهل في المؤسسات العسكرية المصرية, التي ظلمت بقياداتها في حرب1967, ولكن لأن الحرية غابت عن الإنسان المصري, ولا يمكن للإنسان الخائف أن يصنع نصرا, أو يحتفظ للأوطان بقوتها ومكانتها, فتحولت مصر, بعد انتصار الثأر1973, إلي دولة جديدة قادرة علي الابتكار السياسي والاقتصادي, بل قادرة علي إدارة التحول الاجتماعي وصعوباته.
ولم يرض ذلك اليمين المتطرف, بكل أشكاله في الداخل والمنطقة والعالم, فصنعوا الإرهاب, وكانت مقدماته اغتيال القائد السياسي صاحب قرار الحرب والسلام والاستقرار لمصر الرئيس أنور السادات في عام1981.
وتصورت هذه العقول, التي دبرت تلك المؤامرة الدنيئة الخسيسة, أنها قادرة علي مصر الوطن والمؤسسات, خاصة أن الجريمة القذرة وقعت داخل احتفالات مصر بنصر أكتوبر, وعلي أيدي المتآمرين, والقائد وقياداته وجنوده بالزي العسكري, فاختلطت الدماء, وكان الإصرار علي بناء الدولة والمؤسسات الحديثة من تصميم مبارك, ومن ورائه جيل أكتوبر الذي صنع النصر وغير مصر, ووضعها في طريق صحيح للتطور والبناء والنمو, عبر تحقيق الاستقرار بكل أشكاله.
وعلي أصحاب العقول التي عاصرت الهزيمة, أو صنعتها, وعاشت بفكر ما قبل الثورة, ثم تعمقت لديهم المخاوف والهواجس بعدها, ثم زادت بعد هزيمة1967, وأصبحت كابوسا.. عليهم أن يدركوا المتغيرات والتطور في مصر حتي يكونوا قادرين علي استنباط مؤشرات صحيحة عن المستقبل, فمصر الآن بالكاد تعرفونها وتأخذون الأمور بسطحيتها, وقد تختلط عليكم المؤشرات, فتعيشون الحرية التي تحدث في مصر الآن, وتتصورون أنها فوضي.
ومانرجوه منكم هو إعادة الحسابات بدقة, فالمؤسسات في مصر الآن هي الأقوي من أي مرحلة من تاريخنا القديم والحديث, خاصة مؤسساتنا الكبري التي نفتخر بها, المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية, فقد تم تحديث الجميع, ويتكلمون الآن بلغة العصر ومستحدثاته, فقد خاضوا المعارك وانتصروا, ويكفينا أن نشير إلي تحدي استرداد الأرض بعد الحرب, بكل مكوناته العسكرية والسياسية والقضائية, ولعلكم تدركون معنا أن إسرائيل أو حتي أمريكا لا تهدي البلاد الأراضي والسيادة, ولكن ذلك كله يتم بحسابات دقيقة وعصرية تستطيع حساب حتي درجات التقدم والقدرة عليه واستثماره والحفاظ عليه.
وقد أثبت المصريون المعاصرون أنهم قادرون علي هذا العصر, خاصة أن درجات القياس لديهم معقدة, وصلت إلي أنها هزمت الكثير من الجنوح والأخطاء لدي القوة الكبري في عالمنا, التي خاضت حروب الخليج الأولي والثانية والثالثة, بل إن هذه القدرة هي التي أوقفت جموح وجنوح العسكرية الإسرائيلية وحاصرتها سياسيا داخل حدودها, وأمام المجتمع الدولي.
وبالحساب السياسي وسابق الخبرة, عندما نتكلم أو نتحاور مع قائد بمكانة الرئيس مبارك يمكن أن نقول إنه استطاع ببساطة وبلا شعارات:
* أن يلجم قوة التطرف ويسترد كامل الأرض.
* أن يحاصر قوة الإرهاب في الداخل والخارج التي هددت أمن مصر القومي.
* أن يسترد لمصر اقتصادها القوي ومعدلات نموه المستمرة.
والمطلوب من كل المحللين الجدد, الباحثين عن الشهرة, أن يدركوا كيف أن هذا الاقتصاد كان مع بداية الثمانينيات قد اقترب من حافة الإفلاس والعجز عن توفير فاتورة الغذاء, وأنه اقتصاد منهك بالحروب والأخطاء السياسية والاقتصادية الكارثية, وكيف أننا اليوم قادرون علي النمو ومواجهة المشكلات.
وهذا موضوع طويل يحتاج إلي عقول موضوعية لا تأخذها الحماسة, والبحث عن الشهرة للإساءة إلي ما حدث في العقود الماضية, هي تجربة في العمل والتفكير المتأني للتخلص من المشكلات بدون تحميل الفقراء ومحدودي الدخل الثمن وحدهم, وعلي رجال الأعمال والطبقة المستفيدة من المتغيرات السياسية والاقتصادية في مصر, أن يعيدوا الدراسة والفهم بموضوعية وليس بانتهازية رخيصة, ويدركوا أن مصر الدولة أتاحت للجميع فرص التطور والنمو دون إخلال جوهري, حتي بالتوجهات الاجتماعية, وبالثقافة التي سادت مجتمعنا في الستينيات.
ولكن يبدو أن فرصة الحرية التي نعيشها تتيح للجميع أن ينطلق في رغباته وشهواته وطموحاته التي هي بلا حدود, ولذلك أحذرهم من أنفسهم, وأطالبهم بالتحلي بالموضوعية, والبعد عن الأنانية, لأنهم الجيل أو الطبقة التي نعول عليها كثيرا في استمرار عمليات النمو والتحديث في مصر, بدون اختلالات أو ضجيج, يعطي لأصحاب العقول الضعيفة فرصا لإشعال الفوضي أو تهيئة مناخ غير موات لاستمرار التطور وعمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي, ونحن ندرك أنها بلا نهاية, فطموحاتنا بالقطع بلا سقف.
فنحن أمة صانعة الحضارة والتقدم, ولذلك يجب أن نحصن حريتنا بالوعي, حتي لا تسوقنا فوضي, نراها واضحة في الإعلام الخاص والحزبي والفضائي, الذي استفاد أكثر من غيره من فرص الحرية في مصر, ولا يقدر عواقب الأمور وحساباتها.
هذه كلمة حق أسوقها في هذا اليوم, وأذكر أنه اليوم الذي اختارت فيه الأقدار ابنا من أبناء مصر يحمل ملامحها وكثيرا من روحها.. مصري عايش في أشرف الميادين لحظات انكسارها, وأيام مجدها, وتقلبات السياسة علي أرضها, وجمعته العسكرية المصرية بكل طبقات المجتمع, وكل فئاته من شمال الدلتا إلي أقاصي الصعيد.. كانت في المعسكرات والخنادق دروسا في فهم شخصية مصر والمصريين, وحين ولي أمرها لم تكن في مصر أرض لم يعرفها, ومصريون لم يخالطهم, لم تكن مهمته سهلة يوم وجد نفسه معقد آمال أمة. واليوم ـ بعد هذه السنين التي تفصل بيننا وبين تلك الأيام, يجب أن نعيد النظر فيما كنا وكيف أصبحنا لنعرف سنوات الحكم مع هذا القائد العظيم.
وليتذكر من ينكرون الحقائق أنهم يستفيدون من الحرية التي حصلوا عليها بحكمة الرئيس مبارك, وأن يتوقفوا عن إهالة التراب علي كل شيء ـ كعادتهم ـ فليس بوسعهم أو بمقدور غيرهم أن ينكروا الحقائق علي الأرض في ربوع مصر كلها.
Osaraya@ahram.org.eg