استمرارية التطور والنمو والتغيير عبر المؤسسات!

أعتقد أن مصر, الرسمية والشعبية, ستتوقف طويلا أمام النتائج التي أسفرت عنها4 أيام, قصيرة في عمر الزمن, بالغة الدلالة والعمق, في كشف صورة وأوضاع مصر السياسية والاقتصادية, وحالتها الاجتماعية, وما أقصده هو أيام اجتماعات المؤتمر السنوي السادس للحزب الوطني( أكتوبر ـ نوفمبر2009).
خطابا الرئيس مبارك الافتتاحي والختامي وثيقتان معبرتان عن حال الأمة, وعن شواغل مصر وأبنائها, وعن أوضاعنا الداخلية, وبالأرقام والحقائق قدم عبرهما كشفا لحساب أربع سنوات من برنامجه الانتخابي, وواقع معدلات الاستثمار, والنمو, وفرص العمل, والعدالة الاجتماعية في بلدنا, أو ما أسميته الأسبوع الماضي ثورة ضد الفقر, وتطوير الخدمات والتي تمولها الحكومة بما يتجاوز60% للإنفاق العام المصري..
أما عن رؤيتنا للخارج.. فوضعنا أمام التحركات الفاعلة لسياستنا الخارجية وارتباطها بقضايانا الداخلية.. وحدد مسارات سياستنا المستقبلية.. فبناء الحاضر لا يتم علي حساب المستقبل.. تلك المسارات المتمثلة في الحكم اللامركزي.. وتدعيم المؤسسات من واقع اقتناعه بأن المؤسسات باقية.. والأشخاص زائلون, وأن الدستور هو الضمان والحكم, وأنه يعلو فوق الجميع.. ورد الشعب والحزب القوي المتماسك بشكل عملي علي مرددي دعاوي الفوضي والفتنة في مصر, وأثبت للجميع, في الداخل والخارج, صورة مصر الحقيقية الدولة والشعب.
ووضع المؤتمر السنوي أمام كل المراقبين والمتابعين الذين يرصدون حال السياسة في منطقتنا, ويقيسون الأوضاع الاقتصادية, ودرجة التماسك الاجتماعي والمؤسسي ـ قدرة مصر, في الراهن وفي المستقبل, وأنها مثلما استطاعت مواجهة أزمتين اقتصاديتين عالميتين في فترة وجيزة( أزمة الغذاء العالمي والأزمة المالية الاقتصادية) وحافظت علي قوة اقتصادها ونموها, بل ووقفت مع الفقراء ومحدودي الدخل, ورفعت أجورهم, ومستوي معيشتهم.. وهي أيضا تملك أوضاعا, ومؤسسات سياسية, قادرة علي إدارة السنوات المقبلة( سنوات الانتخابات البرلمانية والرئاسية), بنفس القوة والكفاءة والقدرة السياسية.
وقالها الحزب الوطني قوية وبليغة: إن العام المقبل صعب, وسنخوض فيه انتخابات التجديد النصفي لمجلسي الشعب والشوري, وأنه يخطط للفوز بالأغلبية البرلمانية, فهو الطريق لتحقيق السياسات العامة التي يؤمن بها, كما أنها اختبار لما سيحققه الحزب في السنوات الخمس المقبلة.
وأعلن الحزب الوطني من الآن استعداده للانتخابات, وأعجبني قادة الحزب, وهم يتكلمون عن المعارضة الشرعية بالكثير من الاحترام, وأعجبني كثيرا أنهم يتمنون لكل الأحزاب المدنية نجاحا نسبيا في الانتخابات المقبلة, وفي نفس الوقت شن الحزب الوطني هجوما علي كل ما هو غير شرعي, أو دستوري, خاصة التيارات المتطرفة التي تمارس السياسة بالميليشيات, أو الأحذية, أو اللغة الخشنة.. أو الانسحاب أو الاعتصام.
واستخدم الحزب لغة دقيقة وفرق بين من يستخدمون السياسة بالعقل, ومن يريدون تغييبه, وإعلاء شأن الصوت, أو تحويل من يعارضهم أو يناقشهم إلي معارض ديني.. أي أنهم يريدون أن يحولوا حكامنا إلي الحاكم بأمر الله, بعد أن عرفنا الديمقراطية الحقيقية, وحرية الرأي والمجتمعات, نعود مرة أخري, تحت حكم الميليشيات, والمتسلطين دينيا علي المجتمعات الحرة.
………………………………………………………
فالحزب الوطني واع لخطورة اللحظة الراهنة, ويخطط لاجتيازها بالسياسة والحكمة, وبتقديم السياسات الجديدة التي تحمي مجتمعنا من الانهيار, ويتبني مستقبلنا, والأهم أنه يقدم قيادات المستقبل من كل محافظات مصر.. قيادات بالانتخاب الحر المباشر.. تمثل المجتمع المصري, قادة ومفكرين وسياسيين ورجالا وسيدات وشبابا من كل الأعمار والعقول.. حزبا قويا زاخرا بالأفكار والسياسات, وكل الخبرات والعقول المهنية والفنية.
ورغم أن شواغل التنمية الاقتصادية والأزمة العالمية, سيطرت علي أجواء المؤتمر, فقد كانت الأولويات حاضرة.. تضرر الزراعة المصرية, وتأثر الفلاح, فكانت الحركة السريعة في رصد درجة التأثر والمخاوف, ورصد الميزانيات لاستمرارية قوة الاقتصاد..10 مليارات جنيه أخري للتحفيز الاقتصادي, ومساعدة القري الأكثر فقرا, ودراسات مستفيضة لرفع أسعار الحاصلات الزراعية( القمح والقصب والذرة والقطن) عماد الزراعة التقليدية في مصر وسياسة جديدة للري, تضمن وصول المياه إلي أطراف القري, وري الزراعات, حتي لا يتأثر الإنتاج المصري.
وسوف تشهد الأراضي القديمة في الدلتا ثورة اهتمام, لم تشهدها منذ سنوات, ليس لمساعدة الفلاح فقط في أزمته, ولكن لحماية اقتصاديات الزراعة وضمان تحويلها لتكون قطاعا منتجا في الاقتصاد, وليس قطاعا يحصل علي الدعم علي حساب الاقتصاد.. رؤية مستنيرة للمستقبل, فالاقتصاد المصري لا يستطيع أن يدعم قطاعا كبيرا وقويا من الممكن أن يتحول هو نفسه إلي قطاع اقتصادي قوي يدعم كل مصر, وبذلك لا نكرر أخطاء الماضي القريب.
أما قضايا الرعاية الصحية والسكان والتعليم فكانت حاضرة وقوية, لإدراك المؤتمر أن التنمية البشرية الحقيقية هي الضمانة القوية لاستمرارية تقدم مصر ونموها.
.. وكانت الجلسة التي حضرتها السيدة الفاضلة سوزان مبارك مهمة للغاية فقد أكدت علي أولوية تطوير جزء صغير من منظومة التعليم, يشارك فيه المجتمع بتطوير1730 مدرسة ثانوية( تشمل مليون تلميذ و100 ألف معلم خلال سنتين وتحقيق اللامركزية كنموذج في مجال التعليم).. مع تطوير التأمين الصحي, ونشر صندوق رعاية صحة الأسرة وتغطية جميع المواطنين الذين لا يشملهم التأمين الصحي الحالي.
ورغم القضايا الكبيرة.. فقد كان هناك حضور للقضايا الثقافية, وحماية مصر من التطرف والمتطرفين.. بالاهتمام بالثقافة, والفن, والسينما, ونشر الكتاب, باعتبارها قضايا حضارية مهمة, تبني الإنسان الصحيح القادر علي التنمية والتطور, ومواجهة مشكلات الحياة المعاصرة بكل كفاءة واقتدار.. إنها رؤية مستنيرة وشاملة للسياسة في مصر.
لقد أصبح المشهد السياسي والاقتصادي عقب المؤتمر واضحا, ومؤثرا, وقادرا.. فالسياسات الاقتصادية اختبرت, وأصبحت قادرة علي الاستمرار, والحفاظ علي معدلات النمو, وتحقيق الطموحات المعقولة للمواطنين المصريين, ومواجهة الفقر, بكل أشكاله, وأصبحت الميزانيات جاهزة لمشروعات مؤثرة مثل الألف قرية: والتعديلات في بطاقة الأسرة, لتستوعب أكبر ميزانية دعم تصل إلي90 مليار جنيه تذهب للأغنياء والفقراء معا.. وبرفع كفاءتها تصبح الحكومة في وضع أفضل في كثير من المجالات.
سياسيا.. أعتقد أن أحزاب المعارضة الشرعية, شريكة الحكم والنظام السياسي, عليها أن تستوعب, وأن تتقدم للمشاركة, فليس ما يحدث في مصر حوار طرشان, بل هو حوار حقيقي لبناء نظام سياسي فعال.
………………………………………………………
وعلي من يحاولون إضعاف النظام السياسي, وإظهاره بمظهر العجز, وعدم القدرة علي التحرك, أن يتوقفوا, ويتقدموا للمشاركة في ظل الدستور الحالي, الذي يستوعب طاقات المجتمع ورغباته السياسية.
وعلي من يتكلمون, كثيرا أو قليلا, عن حالات الاحتقان, والتوتر, أو ضعف السياسة أن يتوقفوا.. فهم لا يخدمون إلا الجماعات السياسية أو الدينية غير المشروعة أو المحظورة, وهي التي تخلق حالات الارتباك أو الاختلاط.
فدرجة التطور السياسي الراهنة, والحرية السياسية المتاحة, والأحزاب السياسية الكثيرة, لاتزال الفرص أمامها لدخول الانتخابات التشريعية القادمة, وإثبات وجودها, والمشاركة حتي نثبت أننا قادرون علي احترام الدستور والقانون, فالمجتمعات لا تتغير عبر القفز إلي المجهول, ولكن بالحسابات السياسية الدقيقة.
والمؤتمر الأخير أعطي صورة حقيقية لقدرة المؤسسة الكبيرة علي قيادة العملية السياسية في مصر.. وإدارة التحولات الاقتصادية والاجتماعية ودفعها إلي الأمام..
Osaraya@ahram.org.eg