مقالات الأهرام اليومى

الطريق الصحيح‏..‏ إلي الانتخابات التشريعية والرئاسية

السباق المحموم نحو الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة‏,‏ كما يظهر في العديد من وسائل الإعلام المقروءة والمرئية يكاد يذهب بكل ما قطعناه من خطوات علي طريق التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي‏,

فالمتابع لشئون الانتخابات عبر تلك الوسائل يصطدم بحقيقة أن بعضهم لا يري في تلك الانتخابات أداة من أدوات الديمقراطية تخضع للتطور عبر السنين وتستوجب الإعداد والتجهيز والعمل السياسي الجاد من جميع الأحزاب والمستقلين علي السواء, بل يري الانتخابات التشريعية والرئاسية فرصة لتصفية الحسابات وممارسة الشطط في الخصومة مع المؤسسات والأفراد والتشريعات, وضخ المزيد من السخط في شرايين المجتمع.

واللافت للنظر في تجاربنا الانتخابية خلال السنوات الماضية أن الحزب الوطني, وهو حزب الأغلبية, يقف منفردا بين الأحزاب المصرية والقوي السياسية في الاستجابة للمتغيرات التي طرأت علي الواقع السياسي المصري, فقد أحدث تغييرات جذرية في هياكله التنظيمية, واستحدث آليات عمل حزبية داخلية ضمنت المزيد من التماسك الداخلي وتوسيع القواعد الجماهيرية للحزب, وأخري خارجية دعمت التفاعل النشيط مع الشارع السياسي وقضاياه المختلفة. أما معظم الأحزاب الأخري التي كانت تحتاج إلي الكثير من العمل والجهد داخليا وخارجيا, فقد اكتفت بقواعد العمل التقليدية التي زادتها الأيام ضعفا ولم تستحدث سوي آليات سخط جديدة ووسائل شكاوي مستحدثة تزداد تنوعا في مواسم الانتخابات, واستنفدت معظم تلك الأحزاب الجهد والوقت في الجدل حول المشاركة في الانتخابات أو الانسحاب منها بدعاوي ليست مقبولة ولا معقولة, فكل من في أرض مصر يتمني أن يري ثلاثة أو أربعة أحزاب علي الأقل قادرة علي المنافسة, من خلال برامج عمل جادة وفاعلة يمكن أن تستقطب قطاعات من المجتمع, فالتعددية الحزبية هي تعبير عن سياسة غنية ونشيطة.
……………………………………………………
قبل خمس سنوات كان الرئيس حسني مبارك هو مرشح الحزب الوطني في أول معركة انتخابات رئاسية, وكانت كل الدلائل تؤكد فوز الرئيس مبارك بشعبيته وتاريخه وحكمته السياسية, ولكن الحزب أراد تأكيد العديد من التقاليد الديمقراطية التي ينبغي أن تحكم عمليات الفرز السياسي. ودخل الرئيس الانتخابات ببرنامج عمل طموح لقي من بعض القوي السياسية آنذاك الكثير من الانتقادات, باعتباره متجاوزا قدرات تحقيقه, وكان ذلك نوعا من التشكيك الذي لا يستند إلي منطق, ولكن الحزب الوطني وحكومته قبلا ذلك التحدي. وبعد خمس سنوات من طرح ذلك البرنامج الانتخابي تؤكد كل المؤشرات تحقيق ما جاء فيه في كل المجالات, بل وشهدت بعض القطاعات انجازات فاقت ما جاء في البرنامج الانتخابي.
وبينما يعكف الحزب الوطني اليوم علي صياغة برنامجه في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة, تستعد القوي السياسية الأخري للهجوم علي هذا البرنامج ـ قبل أن يعلن ـ ولم تكلف تلك القوي نفسها بمهمة البحث الدقيق فيما تحقق وفيما لم يتحقق من البرنامج الانتخابي الرئاسي السابق.
وأعتقد أن الحوار حول برنامج الرئيس مبارك في الانتخابات الماضية هو ضرورة حيوية لتطورنا الديمقراطي, ولسنا نطالب بالحوار من أجل الإشادة بالرئيس أو بالحزب الوطني, ولكن نطالب به حتي ندرك جيدا أهمية البرامج الانتخابية التي تمثل عقدا بين المرشح والناخب, وحتي نستطيع تحسين آليات وضع تلك البرامج ونؤكد استجابتها لاحتياجات المواطنين. وندرك جيدا كم كان البرنامج الانتخابي للرئيس مدروسا, وكيف سارت خطوات تنفيذه.. تلك هي أهمية الحوار حول هذا البرنامج, فمن المفترض أن ندخل الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة ولدي الأحزاب قدرات أكبر علي صياغة برامجها الانتخابية, ولدي الناخبين فهم أعمق لمغزي هذه البرامج في اختيار المرشحين, غير أنه وبسبب التفرغ للنقد ومحاولات التشويه لم يستفد من محاولة الحزب الوطني قبل خمس سنوات سوي الحزب الوطني نفسه أيضا.
كان جمال مبارك وراء الكثير من المستحدثات الفاعلة في عمل الحزب الوطني, طوال السنوات القليلة الماضية, وهي مستحدثات أكدت قدرة الحزب علي استلهام أحلام أجيال من الشباب لم تكن الحياة الحزبية برمتها تأبه بهم من قبل, فالشباب اليوم أكثر تفاعلا مع الواقع السياسي عما كان عليه الحال قبل بضع سنوات, وسواء تبلور موقف هؤلاء الشباب في هذا الاتجاه أو ذاك فإن الحراك السياسي أصبح قادرا علي استقطاب المزيد من الشباب. وكان الحزب الوطني الأكثر انتباها واهتماما بهذا القطاع العريض من المواطنين, فعدد مرشحي الحزب من الشباب يزداد عاما بعد آخر, وآلية صياغة سياسات الحزب أصبحت تبدأ من القاعدة نحو القمة, مما يسمح بالتعبير عن قطاعات عريضة متباينة الاهتمامات والرؤي والمصالح.
إن الأولوية الكبري في صياغة البرامج الانتخابية هي تحديد أولويات القضايا التي يتعين علي أي برنامج انتخابي أن يتضمنها, وتختلف الأحزاب في الأساليب التي تتبعها لاكتشاف تلك الأولويات, تمهيدا لتطوير سياسات التعامل معها ومواجهتها, والقاعدة التي حكمت عمل الأحزاب في بلادنا لتحديد تلك القضايا هي الاحتكام إلي قيادات الأحزاب ومنظريها أو الاستعانة بما تتناقله وسائل الإعلام, ولم يكن الاحتكام إلي المواطنين خيارا مطروحا, فالسياسيون والمنظرون أكثر علما ومعرفة بهموم المواطنين الذين قد لا يدركون حقيقة وحجم المشكلات التي يواجهونها. وجاء الحزب الوطني في سنواته الأخيرة وبإصرار من أمين السياسات ليسلك طريقا غير مسبوق هو إجراء المسوح العلمية باستطلاع آراء عينة ممثلة لمختلف قطاعات المجتمع, لتكون اللبنة الأولي في بناء منظومة قضايا البرنامج الانتخابي للحزب, وكان بوسعه أن يحتكم إلي قواعده المنتشرة في ربوع مصر, وأن يحتكم إلي السياسيين والخبراء من أعضائه وهم كثيرون, ولكنه رأي الحكمة في الاحتكام للمواطن المصري أينما كان.
هذه الخطوة التي أقدم عليها الحزب الوطني تمثل نقلة نوعية في التفكير السياسي الحزبي في مصر, فالاحتكام إلي المواطن في تحديد أولويات القضايا يعني الاعتراف بالمواطن شريكا أساسيا وفاعلا في العملية السياسية.. وهذا الاعتراف سوف يمتد تأثيره ليشمل آليات التعامل وسياساته مع تلك القضايا, وبهذا يكون الحزب الوطني قد انتقل بالتفكير السياسي إلي مستويات قاعدية لم يسبق أن مارست التأثير من قبل في توجيه البرامج والسياسات, وربما لا يستشعر المواطن المصري أهمية تلك الخطوة الجديدة, ولكنه شيئا فشيئا سوف يجد نفسه جزءا من ذلك النشاط المعبر عن آماله وطموحاته.
……………………………………………………
ولقد تابعت بعضا من تلك الاستطلاعات التي قامت بها هيئات علمية لها مكانتها, وقد كشفت عن اختلاف واضح بين ما تعرضه الكثير من الصحف والقنوات الفضائية, وبين ما قاله المواطنون للباحثين.. وكم أتمني أن تجد نتائج هذه الاستطلاعات طريقها للمواطنين حتي ندرك حقيقة وحجم ما تعرضه الكثير من وسائل الإعلام من سلبيات عن حياتنا ومختلف الأنشطة التي تقوم بها, فالاعتقاد بأن ما تقوله وسائل الإعلام هو الحقيقة ولا شيء غيرها, اعتقاد ليس صحيحا, وهذه حقيقة ليست في مصر وحدها وإنما في جميع أنحاء العالم بما في ذلك أكثر الدول ديمقراطية, حيث تنعم تلك الوسائل بأرفع درجات الحرية, وليس معني ذلك أن وسائل الإعلام تتحري الكذب والتدليس, ولكن الظروف المحيطة بعملها لا تمكنها من أن تكون مرآة صادقة تمام الصدق لكل ما يجري في المجتمع, فالقضايا التي تلقي اهتماما وإبرازا من وسائل الإعلام هي في الغالب القضايا السلبية التي تحتوي الكثير من الإثارة والتشويق والغرابة وتحقيق الشعبية الهائلة لتلك الوسائل, يضاف إلي ذلك عوامل كثيرة تحد من قدرة وسائل الإعلام علي تحقيق الحد الأدني من التوازن فيما تعرضه من شئون الحياة. ومع ذلك فإن الكثيرين من الناس يضعون السلبيات التي تنشرها وسائل الإعلام معيارا تقاس به وعليه الحقيقة في الواقع الفعلي.
في استطلاع الرأي الذي أجراه الحزب الوطني روح مصرية مختلفة عن تلك التي تسود الكثير من صفحات الصحف والقنوات الفضائية, وهناك إدراك ووعي حقيقيان بما تم إنجازه خلال السنوات الماضية, وهناك وعي أيضا بالسلبيات التي نعاني منها والمساويء التي نتعرض لها, وهناك تفهم أعمق كثيرا لما نواجهه من تحديات وما ينبغي القيام به, وهو تفهم يفوق كثيرا من تحليلات المحللين وتعليقات الخبراء الذين امتلأت بهم الصحف وقنوات التليفزيون.
هذه النتائج التي جاء بها استطلاع الحزب لآراء عينة من المواطنين المصريين لا تقبل شيئا من التشكيك.. لا في الجهة التي قامت به ولا في المناهج المستخدمة في إجرائه, ولا في الأهداف التي أجري الاستطلاع من أجلها, ولكنها نتائج تدين الكثير من الممارسات الإعلامية التي نتعرض لها صباحا ومساء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى