مقالات الأهرام اليومى

مع مبارك مصر تنتصر دائما ‏(1)‏ مواجهــة الأزمــات

بين الأمل والرجاء عبر المصريون عن حبهم وتقديرهم للرئيس حسني مبارك غداة خضوعه لعملية جراحية في ألمانيا‏,‏ وكشفت رسائلهم‏,‏ في سطور قليلة‏,‏ عن اعتزاز تراكم علي مدي سنوات‏,‏ وأعادت إلي الذاكرة آلام الماضي وآماله يوم أن اقتربت مصر من حافة الخطر‏.‏

ولم يكن الحب الذي أحاط المصريون به الرئيس مبارك قدرا, ولكنه جاء تعبيرا عن اعتراف وتقدير راكمته بطولات وإنجازات ورؤي, وفكر عبر بمصر واحدة من أكثر أزماتها إيلاما. ويحمل تاريخ مبارك وحده الإجابة عن مشاعر الأمل والرجاء التي ترددت في صدور المصريين عندما خضع الرئيس لعملية جراحية.
تاريخ عريض من الوطنية الصادقة والحب العميق لمصر وشعبها, وعمل لم يتوقف من أجل بنائها وخير أبنائها. ففي مسيرة الحياة تتدافع الأحداث, فتطوي في الذاكرة أحداثا لحساب أخري.. نحاور ونتجادل, نتفق ونختلف, ولكن الحب والاعتزاز يظلان في كل الظروف كامنين في الأعماق تفجرهما أحداث لا نختلف حولها, وكان العارض الصحي الذي ألم بالرئيس هو ذلك الحدث الذي لم نختلف حوله, وأعاد إلي سطح الحياة المصرية مشاعر كامنة لم تتوقف, وفي لحظات قليلة استرجع المصريون تلك السنوات التي جمعتهم تحت قيادته والإنجازات التي شاركوه تحقيقها, وقفزت إلي الذاكرة المصرية الجماعية الأحداث التي طوتها السنوات لندرك لماذا أحبه مواطنوه ولماذا تفرقت مشاعرهم بين الأمل والرجاء.
في ظهيرة السادس من أكتوبر عام1981 اختزلت الأحداث تاريخنا في لحظة من أشد اللحظات دراماتيكية.. وابل من الرصاص انطلق في حقد ليضع أمة بأسرها في أسوأ كارثة, ويصيب العالم بالدهشة.. في تلك اللحظة تعلقت آمال أمة برجل كان في مرمي رصاص الإرهاب الأسود, الذي اغتال الرئيس محمد أنور السادات.
رجل حفظت به الأقدار حاضر أمة ومستقبلها, في وقت كانت الفوضي تتربص بكل شيء في هذا البلد, وتنذر الجميع بكارثة علي جميع المستويات.. دفعت به الأقدار إلي مقدمة الصفوف دون أن تترك له فرصة الاختيار, وأعادته الأحداث التي تلاحقت في لحظة إلي جبهات القتال والتضحية من أجل مصر, حيث الموت والحياة سواء بسواء, ولم يكن قد غادر روح المقاتل العنيد, وعاد نداء الواجب يهتف في أعماقه لقيادة الأمة, في مواجهة عدو لم تعرفه من قبل. وفي تلك اللحظة كان عصر من عصور مصر يبدأ, وكان ابن من أبنائها يستهل فصول ملحمة سوف تغير وجه الحياة في هذا البلد.
اختارت الأقدار لتلك اللحظة محمد حسني مبارك ابنا من أبناء مصر يحمل ملامحها وكثيرا من روحها.. مصري عايش في أشرف الميادين لحظات انكسارها وأيام مجدها وتقلبات السياسة علي أرضها, جمعته العسكرية المصرية بكل طبقات المجتمع, وكل فئاته من شمال الدلتا وحتي أقاصي الصعيد, وكانت حياته في المعسكرات والخنادق دروسا في فهم شخصية مصر والمصريين.
وحين ولي أمرها لم تكن في مصر أرض لم يعرفها, ومصريون لم يخالطهم, وتشكل ضميره الوطني في أشرف المؤسسات وأكثرها أمانة في حماية أمن الوطن.. عاش حياته عسكريا شديد الانضباط, يعي جيدا حدود المسئولية وحكمة الاختيار.
ولم تكن المهمة سهلة يوم أن وجد نفسه معقد آمال الأمة, في لحظة غير مسبوقة في تاريخها, عندما تنادي المصريون به ليقود مسيرتهم والظلام رهيب, وبأسرع ما يكشف الرجال عن معدنهم ووطنيتهم, تقدم حسني مبارك تحدوه آمال وتدعمه خبرة تراكمت في ميادين التدريب والقتال ليعبر بالأمة أزمتها, ويستعيد لها سريعا أمنها وسلامتها ويستخلص من يد الإرهاب الأسود مصرنا التي نحيا بها ومن أجلها.
…………………………………………………………….
واليوم وبعد تلك السنين, التي تفصل بيننا وبين تلك الأيام, لابد أن نعيد النظر فيما كنا وكيف أصبحنا, لنعرف جيدا كيف مرت سنوات الحكم مع هذا القائد العظيم.. وسواء أقر البعض بما تحقق من إنجازات, أو استمروا في إهالة التراب علي كل شيء ـ كعادتهم ـ فليس بوسعهم أو بمقدور غيرهم أن ينكر الحقائق علي الأرض في ربوع مصر كلها. ومن حق هذا الجيل من المصريين أن نعترف له بما أنجز, وأن نقيس هذا الإنجاز بحجم المشكلات والتحديات التي واجهناها. فاعترافنا بما تحقق يدفع مسيرتنا خطوات إلي الأمام, ويبث الأمل في أجيال نرجو جهدها وعملها لمصر التي ليس لنا وطن غيرها. فلا نريد أن نترك تلك الأجيال لسخافات وافتراءات المغامرين السياسيين الباحثين عن المنفعة في كل ظلام يصنعونه, وكل جحود بما أنجزنا.
لم تكن مصر التي نعيش في أرضها اليوم, هي مصر التي كانت يوم أن تولي الرئيس مبارك أمرها, وليس ذلك اليوم عنا ببعيد لمن أراد أن يتذكر, فلقد كان كل مصري فيه خائفا يترقب ما كان مجهولا حيث خيم الصمت والخوف علي الجميع. ولم يكن هناك من يعرف الذي جري وكيف جري وإلي أين تأخذنا المقادير؟
كانت مصر أقرب إلي أن تقع في أيدي المتطرفين والمغامرين, الذين فرضوا سيطرتهم وهيمنتهم علي بعض المناطق وأشاعوا الخوف في ربوعها, وكانت تترنح تحت وطأة واقع اقتصادي مأزوم تعاني تداعياته الأغلبية الساحقة من المصريين.. وكان السلام مهددا, وكان الانسحاب الإسرائيلي من أراضينا المحتلة مشكوكا فيه, وكانت علاقاتنا بمحيطنا العربي تعاني تدهورا غير مسبوق منذ نشأة النظام السياسي العربي.
واجه الرئيس مبارك تلك الأزمات الأربع المركبة بعقلية واعية بالتداخل بينها, وبتأثير كل منها علي الآخر, واختار بحكمته أن يعمل في مواجهة تلك المعضلات الأربع علي التوازي ولم يلجأ إلي الخيار الأسهل, وهو أن يخضعها لترتيب الأولويات.. ولذلك استطاعت مصر سريعا تحت قيادته ان تستعيد قدرتها علي المواجهة.. لم تتوقف مفاوضات وجهود السلام حتي ننتهي من الإرهاب, ولم تشغلنا القضيتان معا عن أن نستكشف موقع خطي اقتصادنا في ظل التحولات العالمية آنذاك. وكذلك كان الأمر فيما يتعلق بالعلاقات المصرية ـ العربية. وفي غضون سنوات قليلة كانت موجات الإرهاب قد انحسرت, واستردت مصر أرضها كاملة, وعاد الدفء لعلاقتها بشقيقاتها العربيات, وكنا قد حددنا مواضع أقدامنا علي طريق بناء اقتصاد مصري, عبرنا به فيما بعد كثيرا من الأزمات.
بدأت مسيرة الحكم مع مبارك غداة ودعت مصر رئيسها الراحل أنور السادات.. وكانت قوي الإرهاب الأسود لاتزال تعيث في الأرض فسادا, وتري في اغتيال رئيس الدولة آنذاك خطوة هائلة تقترب بهم من تحقيق أوهامهم بحكم مصر وإعلان الدولة التي عملوا من أجلها.
في عام1974 بدأوا إطلاق نيران حرب الإرهاب علي مصر في حادث الكلية الفنية العسكرية حيث قتل11 شخصا وأصيب سبعة وعشرون آخرون. وبعد ذلك التاريخ بثلاث سنوات اختطفوا عالما جليلا وأعدموه وهو الشيخ محمد الذهبي وزير الأوقاف آنذاك. وجاء اغتيال الرئيس السادات ليؤكد حجم الخطر علي المجتمع.
لم تكن مهمة مبارك في مواجهة خطر الإرهاب سهلة, فقد كان الفكر المغذي للتطرف غريبا ودخيلا علي المجتمع المصري.. دخيلا بحكم الأصول الفكرية التي استند إليها والقوي الخارجية الداعمة له. وكان غريبا بحكم الظروف التي أحاطت بتكوين قيادات تنظيمات الإرهاب في السجون المصرية في الستينيات. وكان مبارك يعي جيدا وهو يواجه الموجة الأولي من الإرهاب أن القوي المحركة له تقع خارج مصر. وكان خياره الأول هو محاصرة تلك القوي في الداخل بحلول أمنية تتزامن معها حلول فكرية وسياسية. واستطاعت سياسته أن توفر ست سنوات كاملة من الأمن والاستقرار لمصر حتي أطلت الموجة الثانية من الإرهاب برأسها عام1987 بمحاولات فاشلة لاغتيال عدد من وزراء الداخلية والكتاب.
…………………………………………………………….
كانت الموجة الثانية من الإرهاب تعبيرا عن اليأس والضعف الذي ألجأه إلي محاولات الاغتيال الفردية بدلا من الإرهاب الجماعي, الذي ميز موجته الأولي. وبسبب الفشل الذي مني به الإرهاب في المواجهة لجأ إلي بث الفرقة وشق الوحدة الوطنية, بافتعال أحداث الفتنة الطائفية في الفيوم والمنيا وامبابة وعين شمس والعمرانية وغيرها, بهدف إضعاف الدولة والمجتمع علي السواء, ولكن محاولاته كلها باءت بالفشل, وفي يونيو عام1995 جاءت محاولته الآثمة لاغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا, وكان فشله ضربة قاصمة له حين رأي قلوب المصريين تخفق خوفا علي رئيسهم وقائد مسيرتهم, وتستقبل عودته سالما بكل الحب والتقدير والولاء فأدرك ألا سبيل أمامه إلا ضربات تتسم بالخسة في الأقصر وطابا وشرم الشيخ يكتب بها اعترافا بالهزيمة في معركة استمرت طويلا.
لقد حرمنا الإرهاب كثيرا من ثمار جهود كثيرة بذلت في كل المجالات, وأعاق تطورنا الاقتصادي, وأضر باستقرارنا السياسي والاجتماعي. ولكنها معركة وفرضت علينا فخضناها. وكتب لمصر, بقيادة مبارك, أن تجتاز أحد أكبر التهديدات في تاريخها المعاصر وهو اجتياز تهون في سبيله التضحيات, فقد أصبحنا اليوم أكثر يقظة وأكثر تحصينا ضد الإرهاب وفكره وأكثر معرفة بمن يريدون بأمن هذا البلد سوءا. فالإرهاب الذي لم يحقق أهدافه زادنا قوة وحصانة.
وفي الوقت الذي كان مبارك يخوض فيه حربا شديدة ضد الإرهاب في الداخل وقياداته في الخارج, لم تغب عنه حقيقة أن التنمية الاقتصادية هي الحل لجميع مشكلات مصر السياسية والاجتماعية.. ولم تكن الظروف الاقتصادية عام1981 مواتية تماما ولكنها كانت تحديا آخر واجهه مبارك عشية تسلمه الحكم.
وفي مواجهة التحديات الاقتصادية كشف مبارك عن وجه آخر لقيادته, ولقد كان بوسعه اختيار الطريق الأسهل بتسكين المشكلات وتملق المواطنين بحلول سريعة, لكنه قبل التحدي علي حقيقته, وصارح مواطنيه بالحقيقة كاملة ودعاهم إلي تحمل المسئولية في سبيل هذا الوطن, وفي سنوات الحكم الأولي كان مبارك قد استعاد كامل التراب الوطني واستعاد علاقات مصر العربية والعالمية. وكان قد اجتاز بنجاح مرحلة مواجهة الأزمات الأربع الكبري في الحياة المصرية, وأعد العدة للخروج النهائي من تلك الأزمات وتحقيق الانطلاق.

الحلقة الثانية..
مع مبارك.. الخروج من الأزمات
* القضاء علي الموجة الأولي من الإرهاب
وبدء سنوات من الاستقرار
* إعداد الاقتصاد المصري لانطلاقة جديدة
* تحرير كامل التراب الوطني
باستعادة شرم الشيخ وطابا
* عودة العلاقات العربية وقيادة منظومة الأمن القومي العربي وكسر العزلة الدولية
Osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى