ولما كان العام الثلاثون بعد المائة كنــا معك

روح المسئولية التي بدأت بها عملي في رئاسة التحرير, نجددها اليوم والأهرام يجتاز العام الثلاثين بعد المائة الأولي في عمره المديد, وزيارة الرئيس مبارك تتوج احتفال أسرة الأهرام والصحافة المصرية والعربية بهذه المناسبة. فالزيارة تعكس عمق العلاقة بين الرئيس وحملة الأقلام الذين أضاءوا كل جوانب الحياة من حولنا بوحي من آمال أمة وطموحات شعب, كان مبارك برؤيته الثاقبة وجهده الدءوب تجسيدا حيا لها.
كان مبارك ولا يزال رمزا للتعبير عن مصالح الوطن العليا والحرص عليها فكنا جميعا معه. كنا معه وهو يخطو علي طريق الإصلاح الاقتصادي بخطوات محسوبة لم تعرف المغامرة أو الانفعال. كنا معه وهو يعبر بمصر آمنة وادعة بين عواصف كثيرة هبت علي أرضنا ومن حولنا. كنا معه في مسيرة إصلاح نظامنا السياسي تستجيب لمتغيرات تداعت في حياتنا.
عام2006 هو العام الثلاثون بعد المائة الأولي في تاريخ الأهرام الصحيفة اليومية والمؤسسة الثقافية التي اضاءت الحياة المصرية والعربية في عصر التحولات الكبري. لم تكن المهمة سهلة ولا ميسورة في مناخ سياسي غير مسبوق, وفي واقع صحفي مشحون بالتوترات والتوقعات التي ربما تجاوزت المعقول والمستطاع في بعض جوانبها. وكان لزاما علي زملائي الإبحار بالأهرام في مواجهة الأنواء والعواصف. كان مبارك مصدر دعم وإلهام في تلك الظروف. كانت كلماته المشجعة ـ كلما لقيته ـ مصدر ثقة ومبعث قوة في تجاوز ما نواجهه. وكانت حكمته وصبره في مواجهة تداعيات الحراك السياسي المنفعل داخليا والمتحامل خارجيا مصدر إلهام لا يتوقف. تعلمنا منه ألا يتوقف العطاء والجهد بسبب الضجيج, وألا يشغلنا عن أهدافنا صخب مهما علا صوته. وتعلمنا أن أقل الناس حديثا هم أكثرهم عملا وجهدا وعطاء, وتعلمنا ألا نعبأ بالذين يريدون تعويض نقص العمل بزيادة الكلام.
لم نستجب لمحاولات إضعاف ذاكرة الأمة ونسيان ما كنا فيه قبل مبارك وما صرنا إليه في عهده. دأبت أقلام كثيرة علي النقد المحبط وإشاعة السخط واليأس. كانت الأهرام صوتا ينعش ذاكرة الأمة ويحيل تاريخها دروسا في تقييم الواقع والتعامل معه. ولا يزال المصريون مع مبارك يؤمنون بأن في بلادهم من الجمال أضعاف أضعاف ما بها من القبح ولا يزالون يبدعون فنا وعلما وفكرا وحضارة, ولا تزال سواعد الرجال تنتج زراعة وصناعة وترتاد بجسارة كل مجال جديد.
قدر لي خلال العام الذي قضيته رئيسا لتحرير الأهرام أن ألتقي الرئيس مبارك, وأن أصحبه في رحلاته الخارجية, وأن أستمع إلي هموم رئيس الجمهورية بشأن مصر الدولة والمجتمع, والمصري الفرد والمواطن, وأن أقترب من رؤية الرجل لمستقبل مصر والمصريين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, محليا وإقليميا وعالميا. ومبارك ليس من طراز السياسيين الحالمين الذين يضيع الممكن لديهم في طلب المستحيل ولكنه سياسي واقعي في مجتمع كانت الأحلام زاده المستمر في تجاوز معاناة الواقع.
ويسعدني كثيرا أن أرحب بالرئيس في رحاب الأهرام الصحيفة والمؤسسة التي أنارت طويلا لأجيال من المصريين والعرب, وقدمت للباحثين في كل مكان من العالم سجلا حافلا بالأحداث والوقائع, في ذلك المجتمع الذي يختزن في أعماقه سحر التاريخ وحكمة العصور. لقد استحقت الأهرام وعن جدارة أن تتضمنها أي قائمة بأفضل الصحف في العالم وان تفرد لها صفحات في قوائم الصحف العريقة وصحافة النخبة أينما كانت. والتحية واجبة في هذه المناسبة لقائمة طويلة من الذين أفنوا سنوات العمر في رحاب الأهرام عبر رحلتها الطويلة التي بدأت في أوائل الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وأختتم هذه الافتتاحية التي تحمل بعضا مما جاء في مقدمة كتابي عن رؤيتي للأحداث التي مرت بها مصر والمنطقة علي مدي الأشهر الأربعة عشرة الأخيرة وهي أحداث كثيرة, متزاحمة ومتشابكة. قد تثير رؤيتي أوجها للاتفاق أو الاختلاف في إطار حرية التعبير. ولكن الحرية التي نتنادي بها ـ كما يقول الكاتب البرازيلي باولو كويلو ـ ليست في القدرة علي ألا تلتزم بشيء ولكنها القدرة علي أن تختار ما تلزم نفسك به. وقد اخترت بحرية كاملة العمل من أجل مصالح وطني والدفاع عمن يعملون له.