الجريمة والقمة

القمة العربية المنتظرة تتحول تدريجيا لتكون طوق النجاة، ولذلك فإن أهميتها تتزايد بالرغم من أنها تأتى متأخرة جدا، لأن العرب كان يجب أن يسارعوا إلى طاولة الاجتماعات فورا، عقب أحداث سبتمبر أيلول الأسود فى أمريكا، لأنهم كانو ومازالوا أكثر شعوب الأرض المعنيين بهذه الأزمة العالمية المستحكمة، والتى وضعتهم جميعا فى قفص الاتهام، دون جريرة أو أسباب منطقية، سوى أن المجموعة المنحرفة التى اتهمت بهذه الجريمة تدين بالإسلام المتطرف، وتتحدث باللغة العربية، وسميت بأسماء عربية أسامة بن لادن، الظواهرى، الأفغان العرب، طالبان، الملا عمر، ولم يستطع العرب أن يوصلوا صوتهم وإن وصل كان ضعيفا إلى أسماع العالم ليكشفوا أن هذه المجموعة المتهمة هى أول من شق عصا الطاعة، وصنعوا التمرد على شعوبهم، وأهلهم قبل غيرهم من شعوب الأرض.
القمة العربية رغم تأخيرها فإن أجندتها قد احتشدت، ووضعت الزعماء فى الموقف الصعب، فالانتفاضة الفلسطينية وثورة الشعب لم تتكاتف عليها إسرائيل فقط، لكن امتدت إليها آثار الحرب الراهنة فى العالم لتثير الغبار حول أشرف مقاومة إنسانية فى الوجود، ولتتهم بالإرهاب، وأن تختلط الأمور فى ذهن العالم لينعدم تمييزه بين حرب الكهوف فى تورا بورا، وحرب المدن فى رام الله وطولكرم ونابلس وغزة، وكل مدن الضفة، والقدس، وحول المقدسات الإسلامية والمسيحية فى الأرض المحتلة بين عدو غاصب »إسرائيل« مدجج بكل الأسلحة، وجيش بكامل عتاده، وبين شعب أعزل يعيش فى مخيمات وبيوت آيلة للسقوط وشوارع مكتظة تتحرك فيها الدبابات على أجساد الأبرياء فى مشهد لم يحدث، ولن يتكرر فى التاريخ الإنسانى، ومع أننا تركنا دبابات وطائرات وجنودا مدججين يقاتلون فى الشوارع أبرياء، وأطفالا وشيوخا ونساء فى الشوارع، إلا أنهم رغم ذلك صامدون منذ عام ونصف العام، ويواظبون يوميا على تشييع شهدائهم فى جنازات مهيبة، تحرك الأفئدة، لكن العالم الذى تجمدت أطرافه وتصلبت بعد حرب الإرهاب، أصبح لا يسمع ولا يبصر، وفقد عقله، وغاب ضميره.
الأخطر أن العرب سوف يجتمعون فى بيروت، وعلى الأرجح لن يكون بينهم رئيس عربى هو الأقدم بين الزعماء العرب، أعنى الرئيس عرفات، لأن عرفات لم يدخل التاريخ كمقاتل وسياسى فقط، لكنه يدخله الآن كأول رئيس محاصر ومقبوض عليه عمليا بأيدى المحتلين مغتصبى الأرض، الذين يتفاوضون معه منذ 11 عاما على استرداد أرضه والحصول على سلام معه، ومع أشقائه العرب فى المنطقة التى يعيشون فيها.
ماذا سيقول الزعماء والقادة لشعوبهم، إذا لم يجتمعوا وإذا لم ينقذوا الشعب الفلسطينى الذى وقع فى قبضة مغتصب لا يعرف رحمة وضميرا، ومجتمع دولى ظالم وقاس ومجحف ويتحالف مع الشيطان دون وعى أو بصيرة.
بل ماذا سيقول الزعماء العرب لأنفسهم وهم لا يستطيعون أن يفرجوا عن زميلهم المحاصر، الذى يمثل ضميرا لشعبه ولأمته
هل يعترفون بالعجز عن الضغط على إسرائيل وأمريكا والمجتمع الدولى، هل يكشفون بصراحة عن الواقع المظلم الذى تعيشه الأمة والشعوب العربية الإسلامية فى العصر الراهن؟ هل يسلمون بالضعف ويطلبون من الشعوب التدخل والإنقاذ؟ هل يفتحون طريقا أو بابا للفوضى والتمرد لمعاقبة الغاصب والمغتصب.أم ماذا سيفعلون؟
فالقضية الفلسطينية ليست قضية حقوق مبدئية فقط، وليست حقوق عرفات أو منظمة التحرير أو حقوق الفلسطينيين كفلسطينيين فقط، أو حقوق شعب ظلم طوال القرن العشرين لصالح شعب آخر، وقف العالم وقواه الفاعلة مع القوى، وظلموا الضعيف وشردوه فى كل البقاع، بل هى حقوق تنطلق أولا وأخيرا من مبادىء إنسانية عامة يؤدى إنكارها إلى انهيار الوضع الدولى القائم على رءوس من فيه، وهى حقوق تستمد قوتها وشرعيتها ليس من جدية الواقفين وراءها، وهم إضافة للمنصفين من أهل الأرض، كل الشعوب العربية والإسلامية، بل من كونها قضية عادلة، بل ليس هناك قضية عادلة مثل قضية الشعب الفلسطينى، ولذلك فإن صراخ الفلسطينيين وضحاياهم سيظل يعذب ليس الإسرائيليين وحدهم أو الأمريكيين، بل الضمير الإنسانى، وكل من لم يسارع بتبرئة ضميره وإنسانيته من هذه الجريمة التى لا يمكن وصفها، فهى أبشع من أى جريمة أخرى وليس هناك سبيل لمقارنة بشاعتها منذ فجر التاريخ المدون وحتى الآن.
القمة القادمة فى بيروت لن نبالغ عندما نصفها بقمة الخطر، لأن العرب إذا فشلوا فى مواجهة جريمة شارون والمجتمع الدولى ضد الشعب الفلسطينى، فلن تثق الشعوب مرة أخرى فى النظام الراهن.
ورغم عمق الجريمة ضد الشعب الفلسطينى، فإن الشعوب العربية تطالب بوضع إستراتيجية للمنطقة العربية لمواجهة العداء الدولى بعد أن ربطت السياسة الغربية بين الإرهاب والعرب والمسلمين، وأضافت بذلك حصارا آخر إلى الحصار السياسى والاقتصادى المفروض على المنطقة، ليشمل كل شعوبها، وليس الفلسطينيين وحدهم