مقالات الأهرام العربى

الديمقراطية ونعمة التواضع

لو أننا كنا نملك في عالمنا العربي، حكومات عادلة، تتقاسم فيها القوي السياسية والعسكرية، السلطة علي الشعب، ما وقعنا في المأزق الذي نعيشه الآن، والذي نجم عن أحداث سبتمبر، وما تلاها من الحرب علي الإرهاب، ثم قبل وبعد ذلك الضعف السياسي في التعامل مع القضية الفلسطينية، والانهيار أمام المعضلة العراقية

فإذا لم نضع خططاً للإصلاح السياسي، في كل المنطقة العربية، ستتفتت الدول العربية وتتحول إلي كانتونات وطوائف عرقية، في الوقت الذي تتوسع فيه أوروبا، وتنضم إلي الاتحاد الأوروبي عشر دول جديدة، ليصبح أكبر تجمع اقتصادي وسياسي لحماية مصالح شعوبها، فأين نحن من ذلك؟

الأخطر هو أننا أصبحنا لا نستطيع أن نقف حتي عند النقطة التي وصلنا إليها، ومن البديهي أن الذي لا يتطور ينهار، والدولة القطرية، بشكلها الذي عرفناه سابقاً، سوف تتفتت إلي دويلات متصارعة، لأن النظام العربي الراهن، لم يستطع أن يحمي نفسه، ويمنح الشعب حقوق المشاركة السياسية، مما جعل الطموح السياسي المشروع يتحول إلي مواجهة سياسية حادة داخل الدولة الواحدة

فالدول التي عرفناها، في القرن العشرين الماضي، لم تستطع الصمود في وجه التيارات السياسية العنيفة، فلبنان لم يبق كدولة إلا بالتدخل الخارجي، والدولة التي أنشئت عام 1921، في العراق بدأت تتفكك وتنهار علي أيدي الديكتاتوريات المتعاقبة.سواء في العصر الملكي أم في عصر الجمهوريات بدءاً من عبدالكريم قاسم وانتهاءً بصدام حسين، فقد تشكلت معارضة عراقية من المنفيين تمكنت من أن مؤتمراً في الخارج تناويء نظام الحكم الذي حرمها من حقوقها السياسية سنوات طويلة، بسيف الديكتاتورية والخوف، لكن هل الدولة وحدها التي ستغيب في العراق، الأخطر أن النسيج السياسي والاجتماعي للعراق نفسه، هو الذي يتفكك ويتعرض للانهيار بفعل المعارك العسكرية الخاسرة.فقد أصبحت هناك دويلات وكانتونات عراقية، عرقية وطائفية خرجت علي الدولة القديمة.وأعلنت استقلالها أو شبه الاستقلال عن الدولة الأم، وتتفاوض علي مستقبل العراق السياسي خارج إطار الدولة القديمة

ومن أقصي الشرق العربي في آسيا، إلي الجنوب الغربي عربياً في إفريقيا نجد السودان يتفاوض علي وضعه كدولة واحدة، وفي هذه المفاوضات قد يتعرض إلي تقسيم السلطة بين حكومة في الشمال الحاكمة، وحكومة في الجنوب المتمردة، فالصراع علي السلطة بين الجانبين هو لُب النزاع الدامي الذي لايزال قائماً منذ عام 1983

أما في الجزائر فهناك شبه حرب أهلية في ظل جماعات معارضة، تقتل وتنتهك سيادة الدولة الجزائرية، وتعرض كل مصالح الشعب لمصير مجهول، وحشية الحرب الأهلية هذه، دائرة منذ ما يزيد علي عشر سنوات، ولا أحد يعرف متي تنتهي دائرة الدم الجزائرية

وفي الكويت والبحرين وقطر، ومعظم دول الخليج.المخاوف تنتاب الجميع، ولم يجد قادة هذه الدول ملاذاً يحمي دولهم الصغيرة، إلا بالتعاون مع القوي الكبري مباشرة والتسليم بحقها في الدفاع عن الدولة بشكلها الراهن، بعد الخوف الكبير الذي انتاب قادة تلك الدول، عقب احتلال العراق للكويت في 2 أغسطس 1990، ورأت دول الخليج أنه لا سبيل أمامها إلا بالاعتماد المباشر علي القواعد العسكرية الأمريكية.والتعاون مع الولايات المتحدة كقوة عظمي وحيدة في عالم اليوم، ذلك علي حساب التعاون العربي ـ العربي.في المستقبل، ولذلك لم تجد أمريكا أمامها إلا الإشادة بمستقبل الديمقراطية ـ كما تراها في تلك الدول

الصورة قاتمة إذن، فالدولة كما عرفناها، لم نعد قادرين علي الدفاع عنها، فهي تتعرض لمخاطر جمة، سواء من جماعات الضغط من الداخل، بنزعاتها الطائفية والعرقية والدينية أم من قبل الضغوط الخارجية الرهيبة

وكل جناح من هذين التيارين يبحث عن دعم وقوي تتبني مصالحه السياسية، فحتي في صراعنا في الأرض المحتلة، لم يستطع الشعب الفلسطيني أن يتفق مع قواه السياسية المتعددة في صياغة سياسة موحدة لمستقبل الدولة التي لم تولد بعض، فتولدت الصراعات الفلسطينية ـ الفلسطينية الخطيرة.التي تنذر بانهيار داخلي يكاد يكون مقارباً للضغوط الخارجية الناتجة عن قوي الاحتلال الإسرائيلي، التي لا تريد أن تري دولة فلسطينية، فتشق الصف الفلسطيني.

إن خطورة الموقف وصعوبته، وتحديات التخلص من الاحتلال.لم تشفع للفلسطينيين أن يحكموا العقل ويوحدوا قرارهم السياسي، ويصيغوا مستقبلهم علي ضوء القوي الجبارة.التي يقفون ضدها، ولا تريد أن تري فلسطينياً يحمل جواز سفر فلسطينياً، أو يرفع علماً، فهم يريدون أن يكون الفلسطينيون شعبا تابعاً ومحتلاً، لأن وجود دولة فلسطينية، ولو صغيرة سيذكر الدولة المحتلة باغتصابها لأراضي فلسطين، وبالرغم من ذلك، فإن السلطة الفلسطينية تريد الانفراد بالقرار والمعارضة الإسلامية »حماس والجهاد« تعارض السلطة، والمأزق الفلسطيني ماثل للعيان ولا يحتاج إلي دليل.

وإذا كان هذا هو الموقف السياسي عربياً، فالدولة القطرية بشكلها القديم والمستمر في الوقت الراهن تواجه صعوبات، فكل دولة لم تستطع أن تضع نظاماً معروفاً، لتداول السلطة داخلها، ليتم بشكل سلمي، ويحترم القانون، ويقدر كل القوي السياسية علي المسرح السياسي.فيشركها في صياغة القرارات المهمة، هذا لم يحدث لأن هذه الدولة لا تملك أساساً متيناً للنظام الديمقراطي، حتي لو كان في حده الأدني.

أما إذا نظرنا إلي الموقف الاقتصادي العربي فسنجده، أيضاً يدعو إلي الرثاء، بالرغم من الموارد الطبيعية والمساحة الكبيرة، والنفط، والغاز، والمياه، فإن 240 مليون عربي ينتجون أقل من دولة متوسطة، كإسبانيا، أو ربع الدخل القومي الإيطالي، أي أن العرب في الميزان الاقتصادي ضعفاء جداً، ومع ذلك ذهبوا فرادي للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي، وبعضهم أنشأ مناطق تجارة حرة مع أوروبا، وبعضهم الآخر ذهب إلي الولايات المتحدة، بالرغم من أنهم في موقف اقتصادي ضعيف، مع الأسف العرب لا يمثلون أي قوة اقتصادية، وسيدخلون جميعاً إلي منظمة التجارة العالمية التي تفرض تقييماً للسلع والأدوات

في ظل حماية الإنتاج المحلي.بدءاً من الأدوية إلي السلع الزراعية، والصناعية، فكلها تحميها اتفاقيات الملكية الفكرية التي سلبت، حتي الجبن البلدي، فقررت المفوضية الأوروبية اعتبار هذا منشأ يوناني، أي أن العرب عندما يبيعون الجبن إلي أوروبا، كأبسط منتج زراعي ـ صناعي، في حاجة إلي الحصول علي تصريح منن دولة أوروبية أيضاً، وهكذا علي كل أو معظم السلع الصناعية، والزراعية ينطبق الأمر.ولم يبق أمام العرب إلا عدد محدود من الخدمات، إذا كانوا يبحثون عن إنتاج مميز، ينقذهم من مهانة مقارنة إنتاجهم بأصغر دولة أوروبية، أو حتي متوسطة فعليهم الإنتاج بمواصفات عالمية

وهذا الوضع العربي، سياسياً، واقتصادياً.لا يحتمل اللعب، أو محاولات تجميل، أعتقد أنه من الأصوب، لكل القوي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في عالمنا العربي، أن تتواضع وتتعاون مع بعضها البعض، وتسلم بحقوق كل طوائف الشعب.وتدفعه إلي المشاركة بدلاً من التهميش، إلي القوة بدلاً من الضعف، خاصة القوي السياسية الراديكالية، وأعني هذه القوي الإسلامية التي تدفع عالمنا إلي المواجهة غير المحسوبة، والصراع مع العالم ونحن في موقف ضعف، لنزداد ضعفاً وانهياراً وتسليم مقاديرنا ومستقبلنا لمن هو أقوي وأكثر تنظيماً

كما أن القوي السياسية في مجتمعنا تحتاج إلي دعوة الشعب إلي المشاركة في نظام الحكم، وعدم التعصب، أو الانفراد بالسلطة والقرار، مما يعني الديمقراطية

ونحن أيضاً في حاجة إلي التعاون مع المجتمع الدولي، سياسياً واقتصادياً لنجتاز المشاكل الراهنة، ولنفهم جيداً، أن التعاون الخارجي، لن يبني لنا نظاماً سياسياً أو اقتصادياً قويا.

فهذا لن ينبع إلا من داخلنا، وبإرادتنا الواعية، فإذا ألهم الله النخبة السياسية الحكمة، ومنحها نعمة التواضع، ستقرأ الواقع قراءة صحيحة حفاظاً علي مستقبلنا.حتي لا تفلت الأمور من أيدينا مرة وللأبد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى