رسائل حول الأزمة

مستقبل اللجنة العربية فى بغداد
سألنى سائل، هل ينصف الرئيس العراقى صدام حسين، اللجنة العربية الممثلة للجامعة العربية عند لقائه بها أفضل مما فعل الرئيس جورج بوش؟ فاستفسرت منه عن نوع الإنصاف المطلوب، فكانت إجابته هل هذه اللجنة قادرة على إحداث تغيير دراماتيكى كما طالبها وزير الخارجية الفرنسى دومينيك دوفيلبان؟
قلنا ما شكل هذا التغيير المنتظر؟ فاللجنة لن تستطيع الحصول إلا على ما هو قائم بالفعل، وهذا أمر مزعج فى حد ذاته.
لأن الوضع على الأرض يشير إلى أن الحرب بدأت فعلاً وهى حرب مختلفة، لا يدرى عنها النظام العراقى شيئاً، ويبدو أنه مراقب تماماً على الأرض، وأصبحت المصلحة الأمريكية، تحتم على أمريكا أن تسير فى الحرب وحدها حتى النهاية.
أما اللجنة العربية، فلا تستطيع أن تنجح إلا إذا حدث تجاوب عراقى، أو لنكن أكثر دقة تجاوب صدامى بنسبة مائة فى المائة، حتى هذا التجاوب غير معروف بالضبط، وكيف يكون مثل هذا التعاون، فاللجنة العربية المنبثقة عن الجامعة العربية، رغم معرفتها بالنتائج مسبقاً، تحركت فى إيجابية مع الحدث على قلة الإمكانات السياسية، ذهبت إلى مجلس الأمن، وإلى وزارة الخارجية الأمريكية وأصبحت تعرف حقيقة الصورة تماماً، فهل تستطيع أن تنقلها مباشرة إلى الرئيس العراقى، وإذا استطاعت ذلك فإنها ستكون قد نجحت بنسبة مائة فى المائة.
لكن الأهم هو إعطاء قراءة صحيحة للموقف الدولى، وشرح معنى الاستقطاب الحاد داخل مجلس الأمن، وأنه ليس لصالح النظام العراقى، فالخلاف وإن بدا قاسياً، فهو بين تيارين، تيار يريد ذبح النظام العراقى، والآخر يريد خنقه، لكن التيارين يلعبان لعبة جديدة أمام الرأى العام لاستكمال مسرحية التفاوض بينهما، حول القيادة المستقبلية فى العالم
والقراءة الصحيحة للوضع الدولى، وحقيقة المسرح العسكرى والتقييم الحقيقى للمستقبل، هو أفضل هدية تقدمها اللجنة العربية إلى الرئيس العراقى ونظامه فى بغداد فى الزيارة الأخيرة قبل دوران عجلة الحرب
إعادة البناء السياسى مقياس النصر أم الهزيمة!!
تخطىء أمريكا وترتكب جريمة كبرى، إذا حدثت خسائر بشرية فادحة عند غزوها للعراق، وفى هذه الحالة لن يسامحها العرب أو المجتمع الدولى فى المستقبل، فهى حرب عبثية لا تساوى تكلفتها، لأننا نعتقد أن النظام العراقى، لا يستحق حرباً أخرى، فقد سقط فعلياً منذ وقت طويل، وسيدفع الأمريكيون ثمن الخسائر القادمة، وساعتها لن ترحمهم الشعوب المتضررة.
فخطة ما بعد غزو العراق، التى أذاعتها إدارة بوش، هى برنامج عمل للاحتلال، وليس لإعادة البناء السياسى، وإذا لم يتم الاعتراف بالفرق العميق بين الاحتلال، وإعادة البناء السياسى فى وقت مبكر، فإن الولايات المتحدة ستفشل فى أن تترك وراءها عراقاً مستقراً، ولندع جانباً فكرة العراق الذى قد يخدم باعتباره نموذجاً للدول الأخرى فى الديمقراطية القادمة فإن ثمن الفوضى فى هذا العراق الجديد، حتى ولو كان مجرداً من أسلحة الدمار الشامل، سيظهر جليا، فى التهديد المستمر للإرهاب، والاحتلال الإقليمى
تخطىء إدارة بوش أيضاً عندما تخطط لاحتلال العراق وإدارته من خلال سلطة عسكرية أو مدنية، وتطهير الجيش من البيروقراطية العراقية من الموالين لصدام والعناصر البعثية وصياغة دستور وإقامة حكومة جديدة، سيكون دور العراقيين فيها محدوداً لأن المدنيين المختارين سيتولون المجالس الاستشارية بدون أية سلطة حقيقية، وسيتم منع الجماعات التنظيمية العراقية الأخرى والمنفيين من لعب أى دور فى هذه الحكومة على الإطلاق
إن العراق ليس مجتمعاً متجانساً ولا علمانياً ولا صناعياً، رغم أن كل المواطنين يحملون نفس الهوية، فإنه مجتمع شديد الانقسام دينياً وعرقياً وطائفياً وقبلياً، بل إن الخلافات بين السنة والشيعة ترجع إلى قرون والقومية الكردية يعود تاريخها إلى الانسلاخ عن الإمبراطورية العثمانية ولا تزال تشكل مشكلة لأى حكومة عراقية مركزية، لأن لديهم حقوقاً ومطالب سياسية، كما أن صدام حسين أعاد الأهمية للقبائل العراقية، وكان المعتقد السائد أنه تم التخلص منها، فهل يستطيع الجيش الأمريكى أن يعمل وسط كل هذه الحقائق
إن مستقبل استقرار العراق حيوى للجميع، وقطعاً للأمريكيين وإذا نشبت الحرب ستكون هزيمتهم بعدها إذا فشلوا فى تحقيق الاستقرار العراقى
فكيف يستطيع الأمريكيون أو غيرهم أن يتعاونوا فى بناء نظام سياسى واحد دون سطوة ديكتاتور يرغمهم علي العيش معاً
حرب فاشلة وغير شعبية وانتصارها باهت
رغم أننا سنكون سعداء عندما يسقط طاغية بغداد، فإن الحرب القادمة فى العراق، هى حرب فاشلة، وغير شعبية وانتصارها سيكون باهتاً، فثمن الحرب باهظ، فهي تعنى سقوط النظام العالمى الذى عشناه بعد الحرب العالمية الثانية، وإعادة اكتشاف نظام عالمى جديد، لن يكون عادلاً، ستتحكم فيه ديكتاتورية أمريكية فاشية جديدة، ستظهر على المسرح وستأخذها نشوة نصر رخيص، على عدو غيرمحبوب، نجحت إلى حد كبير فى نزع أسلحته المؤثرة قبل المعركة بما يجعلها معركة غير شريفة بالمرة، فالقوة الأمريكية الباهظة، استأسدت على دولة صغيرة.
بل إن الحرب ستعنى فى الضمير الإنسانى، أن مجموعة صغيرة فى واشنطن، استغلت مخاوف الأمريكيين بعد 11 سبتمبر 2001، وصاغت معادلة غير عادلة، كسرت فيها مجلس الأمن، وذهبت لحرب غير شريفة وسيطرت على موارد بلد ضعيف، ولكن دعنا نفكر كيف تتصرف القوة الأمريكية لحظة انتصارها غير الشريف؟
إن خطة إعادة البناء السياسى مطلوبة بشكل ملح، لكنها لا تعنى تخيل بلد جديد، المطلوب هو ابتكار سياسة جديدة بين نفس الجماعات القديمة ذات المصالح المتصارعة، حتى لا تجعل العراق بلداً مضطرباً بشكل عميق كما حدث فى الماضى.
رئىس وزراء فلسطيني للتفاوض..
قرار الرئيس عرفات باختيار محمود عباس أبومازن رئيساً للوزراء فى السلطة الفلسطينية قرار صائب، ويعكس النضج السياسى الجديد الذى يسير عليه الرئيس عرفات، برغم الأشواك والصعوبات فهو مصمم على استمرار التصحيح والثورة، وتحديث منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها، وإعطاء إشارة للمجتمع الدولى بتصميمه على السير على نهج المفاوضات واحترامه لحل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، بالتفاوض، فاختار مهندس المفاوضات، ذا العقلية المتمكنة للسير على هذا النهج، وحتى ينجح أبومازن فى مهمته القادمة، على الفلسطينيين وفصائلهم المختلفة، احترام سياساته ومنهجه فى العمل ولعل مشروع الهدنة الذى قدمه للفصائل لمدة عام، وهو سياسة ناجحة تماماً، يعطى درساً للإسرائيليين، إذا كانوا مستعدين لدفع ثمن السلام، وسيكشف إن كانوا يتاجرون بالسلام كسياسة »أبومازن« حقيقة، والإصلاح الفلسطينى حقيقة أخرى، فهل تكون كل الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس والجهاد على مستوى عرفات ـ أبومازن.
فالحقائق الفلسطينية الجديدة عبر هذه السياسة هى الطريق الوحيد لوضع شارون وحكومته فى زاوية واختبار نياتهم الحقيقية، خاصة مع التطورات الإقليمية الجديدة
لقد أتمت السلطة الفلسطينية تجهيز نفسها للمرحلة القادمة، ووضعت الإدارة الأمريكية فى امتحان قاس وعسير، ووضعت الحكومة الإسرائيلية أيضاً فى امتحان مفاجىء، وأتطلع إلي استمرار النجاحات الفلسطينية فى هذا الزمن الصعب.