مقالات الأهرام العربى

قمة الحذر

القادة العرب يدخلون إلى قمتهم المرتقبة فى مناخ تسوده حالة من التوجس والخوف من المجهول، فمازال الموقف الضبابى وعدم وضوح الرؤية يخيم على مناخ الشرق الأوسط، انتظاراً لانفراج الأزمة العراقية.

والانقسام حاد، عربياً ودولياً، فالأمريكيون يواصلون حشودهم، والتجهيزات العسكرية على الأرض مستمرة، غير عابئين بأية معارضة إقليمية أو دولية، ويعلنون صراحة عن مواعيد مقترحة للضربة القادمة للعراق، وبدأ العد التنازلى للحرب يدخل فى التواريخ الحرجة.

فقد انتقلت الأساطيل الأمريكية من سان فرنسيسكو إلى الخليج، وطائرات القصف الليلى أعلنت عن نفسها، بأنها على وشك أن تبدأ عملياتها فى الليالى غير القمرية فى العراق، أى فى الأسابيع الأولى من شهر مارس حيث يكون القمر دون مستوى الأفق حتى الرابعة صباحاً عند الفجر، أما القادة العسكريون، فيتحدثون عن استعدادهم للقتال حتى فى أشهر الصيف، غير أنهم لا يفضلون هذا التوقيت.

لقد تصاعد الخلط بين اللعبة الدبلوماسية، وبين العمليات العسكرية، فهل تجرؤ أمريكا على خوض الحرب فى مناخ عالمى رافض، وهل سقط تأثير الرأى العام والمنظمات غير الحكومية، فى ظل رفض مختلف مؤسسات، ليس المجتمع المدنى فقط، بل المجتمع الدينى أيضاً حتى الكنائس الأمريكية والأوروبية، جميعاً تقف ضد الحرب، فهل تنطلق المدافع؟ والتصويت العالمى شعبياً، ورسمياً يقول لا للحرب، داخل مجلس الأمن فقط، وفى الشارع الأوروبى والعالمى، وهل يذهب السياسيون إليها فى حين أن ناخبيهم يقولون لا بكل الوسائل، ويطالبون بالحل السياسى والدبلوماسى، وهل تذهب أمريكا للحرب بدون حلفائها الأوروبيين للمرة الأولى، ضاربة عرض الحائط بالقرار الديمقراطى داخل المنظمة الدولية، وسط الشارع الأوروبى والعالمى، والذى لم يشهد انتفاضة شعبية بالملايين كما حدث فى الأيام الأخيرة؟ كلها تساؤلات محيرة لا إجابة عنها حتى الآن.

فالمسرح السياسى الراهن بشخصياته يتساءل، ويقول هل سقطت لعبة الديمقراطية الأوروبية والأمريكية ضمن الأشياء، والمتغيرات التى سقطت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 فى نيويورك وواشنطن.

وهل الخوف قوض النموذج السياسى والديمقراطى ويقوده الآن إلى المجهول، وهل من الممكن أن تكسر الدولة العظمى الوحيدة فى العالم اليوم كل القواعد والقوانين الحاكمة للنظام الدولى والقواعد الديمقراطية التى بنت عليها نظامها وقيمها وارتفعت بها إلى هذه المكانة الكبرى والسامية، لأنها ترى فى النظام العراقى خطراً، فكيف ترى ذلك فى هذا النظام أياً كانت قوته، والأسلحة التى يملكها بالرغم من أن الكثيرين، وأنا منهم يرون أنه نظام فاشل وغير مؤثر ولا يملك شيئاً إلا الجعجعة السياسية وتوهم القوة مع الحمق.

فهل تخطىء أمريكا القوة العظمى وتذهب للحرب لمجرد الحفاظ على كبرياء رئيس وإدارة، أخطأت التقييم واندفعت فى مواجهة نحو حرب، ترفضها الجماهير، وخرجت ضدها مظاهرات بالملايين فى كل المدن الأوروبية والأمريكية.

موقف صعب، أن أصل شخصياً إلى رؤية صحيحة فى مناخ كهذا، وأرجو ألا يخطىء النظام العراقى فى قراءة الصورة العالمية، فيتوهم أن المظاهرات ورفض الحرب هى لتأييد نظامه والحفاظ عليه.

فالعالم كله أجمع على أنه ديكتاتور لا يستحق الدفاع عنه، وأنه المنبوذ العالمى الذى يجب أن يختفى، إنقاذاً لبلاده وللعالم، حتى الرئيس الفرنسى جاك شيراك، الذى وقف وزير خارجيته دومينيك دوفيلبان، موقفاً قوياً ضد الحرب فى جلسة مجلس الأمن التاريخية فى يوم الجمعة 14 فبراير الجارى طالب بأن يختفى الرئيس العراقى صدام حسين لصالح بلاده ولصالح العالم.

وهكذا نرى أن رفض الحرب، لا يعنى حماية نظام صدام حسين، وأن رفض الحرب فى حد ذاته لا يعنى الدفاع عن أخطاء صدام حسين ونظامه، بل مواجهته والمطالبة بتصحيح أوضاعه.

بين واشنطن وصدام، على القمة العربية القادمة أن تتخذ موقفاً حاسماً من الحرب، لأننا كعرب في حاجة ماسة إلى مصارحة بأخطائنا الداخلية، ومواجهة المخطئين وتعريتهم ومساعدة القوى الداخلية فى العراق على كشف صدام حسين، وأن نقف جميعاً ضده فما يفعله الرئيس العراقى فى العراقيين والعرب، سيجعل مصير بلاده، بل مصير العرب يتجه إلى النكبة الكبرى، فهل تملك القمة العربية هذا الفعل، أى كشف جريمة صدام حسين، حتى تكون كلمتها مسموعة أمام الرأى العام العالمى، بل أمام المجتمع الدولى والولايات المتحدة، لكى نطالبها بوقف الحرب.

القمة العربية، حدث مهم فى تاريخ العرب الحديث، وهى تملك حماية العراق والدفاع عن وحدته، والعرب ينتظرون من العراق أو من حكومته مبادرة جديدة حقيقية، بالمكاشفة والتعامل مع المجتمع الدولى بكل حقائق نزع أسلحته ومطالبته بتقديم رؤية مختلفة تلقى الاحترام فى داخل العراق، ومن العالم العربى ومن المجتمع الدولى.

فهل يملك العراق، وصدام حسين، أن يتقدم بهذه المبادرة؟ يشك الكثيرون، وأنا منهم أن هذا الرئيس لا يرى شيئاً فى بلاده إلا تماثيله وصوره العديدة وأنه يستطيع أن يتقبل الأمر وأن يقدم صورة ديمقراطية، الشىء الوحيد الذي يستطيعه، وسيكون ذلك شجاعة كبرى، وقد تغسل كل أخطائه، أن يتنحى عن السلطة ويخرج هو وجماعته، وسيكون ذلك تطوراً كبيراً سيزيد من مكانة العرب وقدرتهم، ويبين أنهم قادرون فى وقت الأزمات القاسية على أن تحكموا فى مصيرهم ويصنعوا واقعاً جديداً، فهل تصح هذه الرؤية أم تكون من قبيل الأوهام، التى يتمسك بها الغارقون؟

أما إذا كان الأمر سيتجه إلى السيناريو الأسوأ ألا وهو الحرب، فهل نطمع فى أن نحمى المدنيين ونحمى البنية التحتية العراقية، وهل يملك العرب القدرة بالاتفاق مع النظام العراقى على أن تكون هناك قوة من أوروبا ومن العرب لحماية الثروة البترولية العراقية وحماية المدنيين العراقيين، والفصل بين العسكريين والميليشيات، على أن تتدخل القوات الدولية الأوروبية أو العربية فى الحرب بين الطرفين، بأن تحمى المدنيين وتحافظ على بغداد، وتجعل الحرب فى أضيق نطاق ممكن؟ أم أن النظام العراقى، سيعامل شعبه بالأسوأ ويتحول هذا الشعب والبلد إلى رهائن لحماية النظام العراقى، ويلجأ إلى سياسة الأرض المحروقة، أى قتل الشعب وتبديد الثروة، كما يتوقع الكثيرون، وهل هذا سيعنى سلوكاً حميداً من النظام فى العراق؟

كما أن الولايات المتحدة دولة كبرى عسكرية، ويجب أن تعرف جيداً أن الخسائر فى الأرواح المدنية، وضرب البنية التحتية، أو استخدام أسلحة غير مشروعة لا يكون انتصاراً أمريكياً، بل هو هزيمة ساحقة ستجعل الأمريكيين مجرمى حرب طويلة ودامية مع العالم وستؤدى إلى كوارث وحروب دائمة واشتعال حرب الإرهاب واتساع رقعتها على مسرح العالم كله.

من هنا فإن القمة القادمة، إذا لم تكن قادرة على وقف الحرب، فإن عليها أن تحمى الشعب العراقى، وأن تقول ذلك بصراحة إلى الولايات المتحدة وأن تحصل على ضمانات كاملة من الأمريكيين ومن العالم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى