مقالات الأهرام العربى

لا حرب ضد العراق .. وفلسطين حرة

أغمضت عينى ورحت فى حالة بين النوم واليقظة، فقفز إلى عقلى هتاف أو شعار رفعه المتظاهرون فى أوروبا وأمريكا فى الأيام الماضية، الهتاف هو نفسه عنوان المقال»لا حرب ضد العراق وفلسطين حرة« واكتشفت كيف أصبحت القضيتان فى ضفيرة واحدة، ومعهما الحرب المشتعلة ضد الإرهاب والتطرف التى اشتعلت فى المعالم عقب أحداث نيويورك وواشنطن، وكيف أن اليمين المتعصب فى أوروبا وأمريكا قد خطف هذه الحرب المشروعة، ليحولها إلى حرب قذرة، لأنها تحولت من تحجيم خلايا التطرف والإرهاب التى تؤذى العالمين الشرقى والغربى معاً، لتصبح حرباَ ضد مرض يستشرى فى عقول هؤلاء المتطرفين من كل الجنسيات، لتعود حالة الحرب والعداء بين الديانات، والتبشير الأحمق، الذى استشرى أيام المستعمرات والاستعمار بشكله القديم، المستعمر يرسل حملات التبشير المسيحى لشعوب العالم الثالث أو المستعمرات، ويتعامل اليمين الآن مع المهاجرين العرب المسلمين الذين يعيشون فى الغرب الآن ـ يحولهم إلى أعداء ـ باعتبارهم مبشرين يسعون لنشر الإسلام فى حين أنهم مجموعة من الكادحين الذين يبحثون عن عمل أو رزق، فى بلاد الله، هؤلاء هم ضحايا المتطرفين مثل بن لادن والظواهرى، اللذين أشعلا حرباً حمقاء ومثل جيرى فالويل الإنجيلى المعمدانى، الذى أراد أن يكون مثيراً فهاجم النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، مع أن الأنبياء ــ عليهم جميعاً السلام والصلاة محمد وعيسى وموسى ـ كلهم بشروا بالمحبة والسلام، ولكن هذا القس يريد إشعال الفتنة والانضمام إلى بن لادن، والظواهرى حينما قال إن العقيدة الإسلامية تدعو إلى الحقد، ليصبح هو نفسه داعية حقد وكراهية، وهى صفات يجب ألا يتصف بها أى رجل دين، أما القس الآخر الذى ينضم إلى زمرة المتعصبين فهو جيرى فاينز، الذى يدخل الديانات فى مقارنات، ويدخل فى مجالات لا يدخلها إلا ضعفاء العقل والمهيجون بكلمات رخيصة، أما الثالث فهو بات روبرتسون الذى وجه سهامه للإسلام وللنبى الكريم.

أما القس الأخير فرانكلين جراهام ابن المبشر بيلى جراهام فهو من قاد هذه الحملة مستغلاً قربه من الرئيس جورج بوش الابن ليصف الإسلام بأنه دين شر، هؤلاء المتطرفون ينضمون إلى قافلة القاعدة وبن لادن وطالبان، فكل شخص يحط من الأديان والعقائد وقناعات ملايين البشر، ويغذى نيران التطرف هو عنصرى بغيض، ضد الإنسانية، والاستقرار والحياة للجميع، ماذا يريد هؤلاء؟ هل يستغلون ظهور فئة أو مجموعة ضالة لإشعال حروب كراهية وتعصب لا تتوقف وسط هذا المناخ المضطرب، وكل هذه القصص المتطرفة وماذا يقول السياسيون فى الحروب التى اختلطت؟

رجل الشارع فى العالم الإسلامى عندما يسمع هذه الكلمات والاتهامات التى توجه إلى دينه وعقيدته، وتسب نبيه عليه الصلاة والسلام، وهذه النيران التى تصب على الزيت المشتعل والمتطرفون من حوله، ينفخون فى أبواق الصراع، وإسرائىل تضرب الفلسطينيين بلا رحمة، والفلسطينيون بلا سلاح أو جيش والعالم من حولهم مشغول بقضايا عديدة، ماذا يفعلون؟ هل نلومهم ونوجه إليهم السهام إذا انتحروا ونحروا عدوهم معهم؟ والعراق ينتظر مقصلة أمريكية، وهم فعلاً تحت مقصلة صدام وجبروته، ماذا يقول الشارع العربى؟ هل هى حروب مشروعة؟

الناس يتساءلون لماذا العراق وحده هو الذى يتعرض للمزيد من العقاب بدعوى امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، فى حين أن الإسرائيليين يملكونها بوفرة وينجون من الأذى والمساءلة.

هل يستطيع العقل الغربى أن يكون منصفاً ويدرك الفرق بين المتطرف وأغلبية الناس، ويدرك حقوق الفلسطينيين وجبروت الإسرائيليين فى التعامل معهم

هل فهم ذلك تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى عند حديثه لتأييد الحرب ضد العراق، حينما قال يجب تطبيق قرارات الأمم المتحدة فى فلسطين، بقدر ما يجب تطبيقها فى العراق؟

وهل يمكن أن تفهم أمريكا مشاعر المنزعجين من التناقض بين معاملة إسرائيل ومعاملة العراق فالصواب والخطأ ليس فى تفاصيل القوانين، والذى يهم هنا هو أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة دام 35 عاماً ضد إرادة السكان الفلسطينيين الذين عندما وافقوا على دولة إسرائيل واعترفوا بوجودها كانوا يتطلعون إلى دولة لهم.

ولكن ماذا يحدث الآن؟ إسرائيل هى المستفيد الأول، تضرب الفلسطينيين مدعومة عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً من أمريكا؟ كما أنها المتحرك الأول ضد العراق، وببساطة فإن العالم العربى يطلب العدالة ويطلب سلوكاً منصفاً وغير متحيز من قبل القوى العظمى فى الصراعين.

ونحن كعرب قد طالبنا وقسونا على العراق وطالبناه باحترام قرارات الأمم المتحدة وقبول المفتشين الدوليين بل طالبناه بالتعامل بصراحة وشفافية مع المجتمع الدولى بالتخلص من أسلحة الدمار الشامل بكل أنواعها

وإذا كنا كعرب ومسلمين وقفنا مع المجتمع الدولى فى الحرب ضد الإرهاب والتطرف بكل أشكاله ولم نمد أى يد لهم، بل إننا جميعاً حذرنا من سلوكهم المتطرف قبل الغرب، فقد كنا ومازلنا نتخيل.

أن الغرب وأمريكا، سيضربان على يد شارون وإسرائيل ويلزمانه باحترام الشرعية الدولية، والانسحاب من الأراضى المحتلة والاعتراف بالدولة الفلسطينية

وليس كما يحدث الآن من إطلاق يد اليمين الإسرائيلى فى ضرب كل الاتفاقيات مع الفلسطينيين، واحتلال كل الأراضى، بل وارتكاب كل الجرائم، من هدم البيوت واغتيال وقتل الأبرياء واصطياد الأطفال وتدمير المستشفيات والمدارس وضرب كل آمال السلام والتعايش الإقليمى، حتى الأمم المتحدة، تنحاز وتميز بين القوانين، فنراها تميز بين نوعين من القرارات القوانين التى تم تحريرها تحت »الفصل السادس« المتعلقة بالحل السلمى للمنازعات، وتخويل المجلس بعمل توصيات غير ملزمة وبين القوانين تحت »الفصل السابع« التى تعطى المجلس سلطات واسعة للشروع فى عمل ما، بما فى ذلك الحرب والتعامل مع معاهدات السلام واختراقات السلام، أو أعمال العدوان، الأول تعاقب به إسرائيل، والثانى تخصصه للعراق.

إذا كنا نريد الاحترام والمصداقية وفك التشابكات وإحداث مصالحات والسير فى طريق السلام، فيجب علينا جميعاً احترام القوانين وتنفيذها، والعرب سائرون فى ذلك وحريصون عليه، ولا يجب أن نترك الحبل على الغارب لإسرائىل، تفعل بالفلسطينيين كل أفعال الحرب وهم تحت الاحتلال بلا سلاح أو ضمانات أو حقوق تحميهم، والقانون يطبق على ليبيا وتنصاع، والعراق الآن ينصاع رغم الأيديولوجيات الصعبة التى تحكمه، وإسرائيل تقف وحدها ضد القانون وضد السلام وأمريكا عاجزة إزاءها بل وتؤيدها.

وإذا كنا فيما يخص العراق مع نزع سلاحه بالكامل، واحترام كل القوانين فإننا فى الصراع الطويل والمرير والمتواصل حول فلسطين قد اعترفنا بالدولة الإسرائيلية بل طالبنا بالتعايش والسلام، فلماذا لا تقبل إسرائيل وأمريكا بالحقوق الوطنية للفلسطينيين، التى اعترف بها بوش وبلير أخيراً، لكنهما عاجزان عن جعل اعترافهما السياسى واقعاً على الأرض، بإجبار شارون على احترام التعهدات الأمريكية والبريطانية والقبول بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

وإذا كان العرب قد ضربوا على أيدى العراق مع المجتمع الدولى حين غزا الكويت، فلماذا لا تضرب أمريكا وبريطانيا على أيدى إسرائيل؟

وماذا عن السلاح النووى، وقد قبل العراق الانصياع لتعليمات الفصل السابع للأمم المتحدة بالتنازل عن أسلحة الدمار الشامل، فماذا إذن عن إسرائيل، وهل وضعها كقوة نووية جبارة لا يضعها على قدم المساواة مع العراق؟

هل مازلنا نذكر عام 1981 عند صدور القرار 487 للأمم المتحدة الذى عنف إسرائىل لإرسال طائراتها لتدمير مفاعل أوزيراك العراقى الذى قالت إسرائىل عنه إنه كان يتم استخدامه لتصنيع السلاح النووى، فى حين أن المفتشين فى وكالة الطاقة النووية منحوه وثيقة تفيد نظافته واستخدامه للأغراض السلمية

بالإضافة إلى أن إسرائيل نفسها لم تقم بالتوقيع على معاهدة الانتشار النووى كما فعل العراق، وقد طالبت الأمم المتحدة إسرائىل بوضع منشآتها النووية تحت حماية وكالة الطاقة النووية الدولية كما تطلب معاهدة منع الانتشار النووى وهل إسرائيل التى تملك ترسانة نووية ضخمة تتصور أنها لا تثير جيرانها، وتحفز فيهم طاقات مواجهة هذا السلاح وهم مرغمون هل يفهم الغرب شعار لا حرب ضد العراق وفلسطين حرة، على أنه هو الطريق الوحيد لتحجيم الإرهاب، وتحقيق السلام والعدل؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى