مقالات الأهرام اليومى

صدام بين الشيخين

رغم أننى أرى بوضوح أن الطريق أصبح مفتوحا نحو الحرب، فإن هدف الحرب يمكن أن يتحقق بدون قتال، لأسباب عديدة، أهمها عدم انطلاق شهية القوة العدوانية التى سوف تضعنا فى دوامة جديدة من القتل والقتل المضاد، فالكل يتطلع إلى أن وقف دموية صدام حسين فى العراق لا يجب أن يكون وراءه فتح صفحة جديدة من العنف الأشد، قد يؤدى إلى نتيجة معروفة مسبقا،

فالحرب الدموية سوف تغذى تيارات التطرف والإرهاب الأمريكى والإسرائيلى فى كل أنحاء المنطقة، وذلك بدوره سيؤدى إلى ظهور تيارات مناوئة جديدة، سيكون هدفها الأول هو الانتقام، وذلك يستدعى الانتقام المضاد، وفى هذه الحالة فإن الولايات المتحدة ستفشل فى حربها ضد الإرهاب، أو حتى إزاحة صدام حسين، بالرغم من أنها أنهت حكم طالبان فى أفغانستان

فمازال بن لادن مختبئا، والقاعدة تهدد، وتنشر إرهابها فى رسائل مختفية من حين إلى آخر، من بالى إلى أندونيسيا، إلى جزيرة فيلكا فى الكويت، وإزاحة صدام حسين من حكم العراق، بتدمير بغداد وآلاف الضحايا من المدنيين العراقيين، تعنى هزيمة أمريكية شاملة، لأن أهداف الحرب وعلى رأسها إزاحة الديكتاتور العراقى لن تتحقق ولن يسود الاستقرار وبناء دولة ديمقراطية كما هو مزمع، فلن يشعر الشعب العراقى بالتحرير، وستظل عقدة العنف والإرهاب تعصف بالجميع،

وتؤدى إلى فشل كل السياسات المرتقبة من خطط التعاون العربى ­ الأمريكى، إلى خطط الحفاظ على الثروة البترولية، وتوصيلها بأمان إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية، فى ظل مناخ آمن وظروف مواتية إذن كيف يتحقق هدف إزاحة صدام حسين، وتحقيق الاستقرار بدون حرب، لقد قدم الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله اقتراحا مذهلا، يضمن مستقبل العراق، والتغيير بدون حرب، فهل يستطيع العرب فى الأيام القادمة جمع العراقيين بكل طوائفهم حول (طائف عراقى) على غرار ما حدث فى مؤتمر الطائف عام 1989 وأنقذ لبنان من التفتت،

كما طالب الشيخ نصر الله بوعى حقيقى، بالتطورات، فقد كشف أنه قائد سياسى قبل أن يكون عسكرىا أو دينىا، هذا الاقتراح يقول بعدم تفرد صدام حسين بالسلطة لكن هذا الرئيس الذى تعود أن تغنى باسمه الأمة، حتى وصلت أسماؤه إلى 99 اسما تشبها بالخالق لن يستطيع أن يرى أو حتى يسمع الآخرين، وهذا الرجل الذى تنطلق كتائبه لتقول العزة لله، والمجد لصدام “أستغفر الله”، لا يمكن أن يقبل إلا الانفراد بالسلطة، فكيف يمكن أن يتواضع كما طالب الاقتراح، ويقبل مشاركة كل الشعب العراقى للسلطة بمن فيهم المعارضة فى الداخل والخارج، والطوائف والشيع المنسية من السنة إلى الشيعة إلى التركمانية إلى الأكراد وغيرهم من المهمشين والمبعدين،

هذا الاقتراح يعد لصدام انتحارا أو نفيا، والسؤال هل يرتفع إلى مستوى المسئولية التاريخية وهو يرى أن التغيير فى العراق قادم؟ ولن يستطيع العرب أو الأوروبيون أو حتى أسلحته السرية وقفه، لأن ما يجرى ليس حربا، كما يروج الأمريكيون فهى إما أن تكون غزوة أو تأتى تحت مسميات أخرى، فالحروب عادة ما تكون من قوات متكافئة، تملك نفس التسليح، لكن حربا، تملك فيها قوات كل أساليب التكنولوجيا الحديثة تقابل جيشا من العصور القديمة، لن تصبح متكافئة، ولن تكون لها حسابات الحروب، حتى العمليات الاستشهادية التى يروج كتائب صدام أنها ممكنة فى هذه الحالة هى مستحيلة، بل هى انتحار حقيقى لهذه الكتائب، بدون نتيجة ولو هامشية،

وستكون نتائجها عكس ما يتوقع الشيخ عبدالعزيز الرنتيس، قائد كتائب حماس فى الأرض المحتلة، فقد كشف هذا الرأى الخاطىء إستراتيجيا الفرق بينه وبين الشيخ حسن نصرالله الذى يستطيع أن يقيم الأمور ويزنها ومن خلال رؤيتى لموقف الشيخين استطعت أن أصل إلى تقييم للموقفين أو الرأيين، فعندما استمعت إلى الشيخين خالجنى الاطمئنان على مستقبل الأول فى لبنان، وشعرت بالخوف على الثانى فى فلسطين، فقد طالب الرنتيسى بعمليات استشهادية ضد الأمريكيين فى العراق شبيهة بما يحدث فى الأرض المحتلة، وهناك فارق مخيف بين الاثنين فى فلسطين هناك مستوطنات وشعب يعيش، أما فى العراق فالعمليات ستكون ضد قوات أو أسلحة لن يراها العراقيون،

لكنهم سيعيشون فى ظلام دامس، ويتعاملون مع المجهول، فكيف يستقيم الأمران، أم أنها دعوة مجانية للانتحار، وتفاعل جماهيرى، غير مقبول فى موقف صعب يحتاج فيه الفرد والجماعة إلى النصيحة الخالصة، و ليست للشعارات والكلمات والنصائح الجوفاء التى تجلب الخراب وتكرس الهزائم؟ هذا على الصعيد العراقى، فماذا عن الصعيد الأمريكى؟ إن واشنطن يجب أن تكون واعية إلى ما تفعله، وأن تضع فى ذهنها الفوز بالسلام مع العرب مثل التزامها بإزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية، واستيعاب المعنى الضمنى لذلك كبير، وكبير جدا،

فالحرب القادمة، بالرغم من نتيجتها الواضحة، ستكون مكلفة جدا ليس فقط فى الموارد، بل فى الأرواح، فالحرب لها عواقب مدمرة، وطويلة المدى، فالولايات المتحدة وما تمتلكه كقوة عظمى، من الممكن أن تدمره الحرب القادمة، لأن الكثيرين سوف يحجمون عن التعامل معها، كما أن الحرب بلا شك ستثير العالم الإسلامى، وستدمر مصداقية القانون الدولى، وتقدم للعالم أسبقية جديدة مدمرة، للدول الأخرى، ويشير الكثيرون إلى أن هذه الحرب الهادفة إلى تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية، ستكون هى نفسها سببا مباشرا فى انتشار هذه الأسلحة عبر العالم، فمن المحتمل أن يعجل مبدأ الحرب الوقائية من انتشار هذه الأسلحة غير التقليدية، باعتبارها وسيلة حماية من العدوان والتدخل الخارجى كما أن هذا النوع من الحروب مكلف ومرهق عند انطلاقها وعند إنهائها فتكالىف الحرب الاقتصادىة المباشرة، قد تتراوح ما بىن 50 إلى 140 ملىار دولار إلا أن التأثىر على أسواق البترول وتكالىف الاحتلال ما بعد الحربستكون مرتفعة للغاىة، ومرهقة لجمىع الاقتصادىات فى المنطقة والعالمفالحرب مغامرة،

بل هى كارثة استراتىجىة، والتقلىل من مخاطرها صعب، ولكنه ىستلزم ثلاثة أشىاء لا غنى عنها، أولاًىجب أن تكون الحرب أو الغزوة المرتقبة ـ إذا كان من غىر الممكن عدم تجنبها ـ أن تكون تحت قىادة الأمم المتحدة، وأن تكون ثانىاً للتحرىر، ولىس للغزو، وثالثاًوأخىراً ىجب أن تكون هناك خطة ذات مصداقىة للمستقبل على المدى الطوىل للعراقوالمنطقة العربىة تشمل الصراع بىن إسرائىل وفلسطىنلأن المنطقة فى حالة نشوب الحرب، سىجد الجمىع، وضمنهم القوة العظمى فى وضع محفوف بالمخاطر والمصاعب التى ىمكن تجنبها بسهولة هل تستطىع أمرىكا أن تنتصر سرىعاً فى الحرب بدون خسائر، سؤال تصعب إجابته، ولا ىملكها حتى العسكرىون أنفسهم، ولكن ما نفهمه هو أن الحرب ستفتح باب جهنم على الجمىعوسوف تعوق الأهداف الأمرىكىة الأخرى، والتى أهمها تحجىم الإرهاب ومنع انتشاره فهل أمامنا فرص لتجنب الحرب المعلنة فعلاً؟ والتى لم ىعلن توقىتها النهائى بعد؟

أعتقد أن هناك فرصاً أمام العرب فى قمتهم، قد تكون محدودة، ولكنها قد تكون مؤثرة، لكى ىعلنوا وحدتهم، وتفعىل قىادات التعاون المشترك، والقىادة المشتركةوالتدخل السرىع مشتركىن معاً داخل العراق، ولا ىتركون للولاىات المتحدة وحلفائها الغربىىن، حق تشكىل وقىادة الحكومة العراقىة القادمةبل ىفرضون شروطهم وطلباتهم حول مستقبل العراق ووحدته، وىتدخلون لكى ىحموا الثروة البترولىة العراقىة للشعب العراقىولكى ىمنعوا مزىداً من القتل والعنف الأمرىكى،

لاحظوا أننى لم أقل التنازل، ولكنى استخدمت لغة الشىخ حسن نصر اللهالتى طالب فىها النظام العراقى، بالتواضع ورؤىة ما تندفع إلىه المنطقة من تخرىب وانهىار، والفرصة مازالت مواتىةقبل العملىات، وبعدها، فالخطر كله لن ىكون قبل الحرب المعلنة ولكن بعدها، عندما ىندفع الجمىع إلى حافة العنف والعنف المضاد

يجب أن ىكونوا شركاء فى ضمان حماىة الشعب والدولة العراقىةوىا حبذا لو استطاعوا إقناع الرئىس العراقى صدام حسىن بالتعاون معهم بما ىملك من قوة ا لجىش وحزب البعث وما تبقى معه لحماىة الشعب العراقىمقابل ضمان الحصول على عفو عام للحكام الحالىىن ومن ارتكبوا جرائملتأمىن مستقبل العراق أعتقد أنها مهمة صعبة وشاقةولكن مسئولىة حماىة النظام العربى، فى هذا الوقت الحساس والصعب هى الأخرى كبىرة وقد تكون مستحىلة، ولكننا ىجب أن نعمل ما علىنا، حتى لا تتهمنا الأجىال الحالىة والقادمة بالتخاذل فى حماىتها، ولو بتقدىم أكبر أفق سىاسى ممكن.

الذى ىجب أن تتوقف وبسرعة وأن نبدأ معركة التصحىح والعمل لصالح الشعوب المظلومة، والمطحونة وفى مقدمتها الشعبان العراقى والفلسطىنى، بل كل الشعوب العربىةالتى ستكون فى حاجة إلى بناء نظامىن اقتصادى وسىاسىىتىحان للجمىع حىاة كرىمة ومشاركة سىاسىة بلا فوضى أو فساد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى