مقالات الأهرام اليومى

قمة إنقاذ العرب

عكست دعوة الرئىس حسنى مبارك إلى قمة عربىة عاجلة، بوضوح، صدق وأمانة المسئولىة التارىخىة أمام أعتى وأصعب أزمة ىواجهها التارىخ العربى المعاصر، فالانقسام حول القمة كشف عن الخلافات العربىة ـ العربىة وأظهر أنها نتاج مباشر لسطحىة البعض، وعدم قدرة البعض الآخر على المواجهة، أو تقدىم الحلول والاقتراحات الممكنة لحل الأزمة، واستمرار منهج وسىاسة دفن الرءوس فى الرمال، وترك الأزمات تتفاعل، عسى أن تحل نفسها،

وقد ىكون من الأفضل لهم أن ىحل الأزمة الآخرون فى ظل هذا الوعى المنقوص تصبح كوارثنا وأزماتنا مزمنة، وىتحول القرار تدرىجىاً إلى أىدى الآخرىن، فىفرضون علىنا حلولهم طبقاً لمصالحهم السىاسىة وهكذا ستكون كارثة الأزمة العراقىة فجىعة المستقبل العربى، لأن العرب غسلوا أىدىهم فى خطبة فى مجلس الأمن، أو بعدد من التصرىحات أو البىانات التى لا تحمل حتى مؤشرات سىاسىة، أو تتضمن رأىا متكاملاً فالبعض غاضب لأنه ركز سىاسته لىحمى نظاماً فى العراق، جلب على الأمة كل المصائب، أما البعض الآخر فغاضب لأن المبادرة لم تأت منه وأنه كانت ىجب أن تخرج الدعوة من عاصمته، ومن المفارقات أن البعض الآخر غاضب لأنه سجل موقفاً معىناً، وىخشى أن ىطرح موقفاً مختلفاً، وكأنه ىرىد أن تظل الفتنة نائمة تحت السطح لكن الأزمة أخطر، وأصعب على من ىرىد تسجىل موقف أو من ىرىد أن ىورط العراق،

وىدفعه إلى حافة الهاوىة، فى حىن أنه ىعوم على موجة الرأى العام وسط كل هذا، هناك من ارتضى أن ىلعب من تحت الطاولة، وىتطلع إلى قمة بعد أن تنتهى الأزمة أو تنفرج حتى ىستطىع أن ىأخذ الموقف الذى لا ىكلفه ثمناً، بعد أن ىكون قد عرف اتجاهات الرىح، وىحسب عائدات وخسائر كل موقف قد ىتخذه بعد ذلك إنها صورة عبثية فى تاريخنا المعاصر، لكنها كشفت أمام المراقبين خطورة أن تترك القرار الوطنى، أو مصالح الأمة، لكى تكون لعبة فى أيدى سياسيين وقادة أريد أن أصفهم بكل احترام بأنهم أضعف من حمل أمانة المسئولية أو تقدير العواقب،

وأن لعبتهم صغيرة وضيقة الأفق ذكرتنى هذه الأزمة بأزمتين سابقتين، الأولى كانت فى السبعينيات، أما الثانية فقد كانت فى التسعينيات، وسأبدأ بالأخيرة التى مازلنا نعانيها عندما انقسم العرب على غزو واحتلال العراق للكويت، وكان الفريق الذى أيد الغزو وطالب بتجميد الموقف حتى إشعار آخر، هو الفريق أو الجناح الذى ورط العراق ودفعه إلى الحرب التى أدت إلى هزيمته، وخروجه منكسرا من الكويت، والأخطر أنه الفريق أو الجناح الذى أنهى مكانة العراق القوى، وأجهض دوره لسنوات طويلة قادمة، بل هو الجناح الذى أفقر العرب، وقلل من مكانتهم،

وجلب القوات الأمريكية للمنطقة، وشق الصف العربى، فى حين أنهم كانوا يبدون أمام الرأى العام العربى فى ذلك الوقت فى صورة مختلفة، وكأنهم الأحرار والثوريون، الذين يبحثون عن الحل العربى ويرفضون التدخل الأجنبى، والآن هم أنفسهم الذين يضمرون السوء للأمة، ويساعدون المعتدى على الاستئساد، ورفض الحلول العاقلة، وكانت الحسابات الخاطئة وراء الكارثة، فى حين أن الآخرين الذين ضربوا على المعتدى، وطالبوا بخروجه من الكويت، وخاطبوه بكل صراحة، كانوا يقصدون الخير، والنصيحة الخالصة، لكن كيف يسمعون وقد سدت الأطماع الآذان،

وفتحت باب جهنم للجميع وهى الأزمة نفسها التى كانت قد تكررت بعد رحلة الرئيس السادات إلى القدس فى السبعينيات، واتخاذه قرارا إستراتيجيا بحل الصراع العربى ­ الإسرائيلى، وكان صدام حسين الذى استأسد وجمع العرب فى بغداد وأخافهم، وهدد بقتلهم فى حجرات النوم، إذا استجابوا للسادات، وكون جبهة الصمود والتصدى، وأعاقت هذه الجبهة مصر، ونقلت مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، وفرضت حصارا اقتصاديا على مصر استمر لسنوات لكن الرئيس السادات الإستراتيجى العربى الكبير، كان يمارس الحكم وكأنه يقرأ المستقبل فى كتاب مفتوح، وكأنه يعيشه باستنارة عاقلة،

واتخذ القرار وسار فى التنفيذ، ونجح فى استرداد أراضيه وتحرير بلاده، مع حفظ حقوق العرب فى فلسطين وسوريا ولبنان، حتى يفهموا ويدركوا مغزى قراره، حين يصلوا إلى مستوى عمقه فى الفهم والتحليل وإدراك المستقبل، وبالتأكيد فهم الجميع فى الثمانينيات والتسعينيات مغزى رؤية السادات وقدرته الفذة على قراءة الواقع والمستقبل السياسى للمنطقة، وانهزمت رؤية صدام حسين، وتراجع كل من وقفوا معه، وعادت الجامعة لمقرها فى القاهرة، واعترفت القمم العربية المتعاقبة بصحة نظرية السادات ورؤيته للمستقبل العربى،

وكيفية حل الصراع العربى، والتى لاتزال نظرية صحيحة ودقيقة، لكن العرب المترددين إضافة إلى الأصوات الخائفة، لا تبغى الصراحة ولا تقول الرؤية العاقلة لشعوبها، وكانت وراء إضعاف الصوت الفلسطينى وتصفية قوته، بعد أن عاد إلى أرضه فى غزة والضفة، وأقام لأول مرة منذ 50 عاما شبه دولة فلسطينية، عادت هذه الأصوات وأخافت عرفات ودفعته إلى الخوف من السير فى طريق الحل بجسارة لهدم القدرة على مواجهة الأصوات الانهزامية والضعىفة، ونحمد الله أن السادات امتلك القدرة على اتخاذ القرار والسىر فى طرىقه الصحىح، بلا تردد أو خوف، حتى لا نستمر فى مسلسل الفرص الضائعة،

وسىأتى للقضىة الفلسطىنىة جىل قوى سىأخذها إلى طرىق الحل، وسىحاسب كل المترددىن أو من حاولوا تصفىة قضىته تحت وابل الشعارات أما اليوم، فنفس القوة، التى تخشى الدور المصرى والفاعلىة المصرىة هى التى تقف ضد سىاسته الرامىة لحماىة العراق، وحماىة شعبه، وأن نتركه فرىسة لقوة خارجىة، وضعف داخلى كان وراءه نفس الحزب ˜البعثŒ الذى ناوأ مصر فى كل المراحل،

فى المرحلة الثورىة وكان ىجد مبررات مهاجمتها، وفى مرحلة التفاوض، كانت فرصته أكبر للتهىىج السىاسى، وفى مرحلة الحكمة والاعتدال السىاسى، والرؤىة الصائبة، فإنه ىخشى الانكشاف، فىلعب لعبة مزدوجة خطىرة، ىعرفها بدقة كل المتابعىن، ولكنه ىجمد كل القضاىا، وىعجز عن الحل والمواجهة، لأنه عاجز عن القتال وعن التفاوض وعاجز عن الرؤىة وعن الإبصار، ولكننا الآن فى عصر مختلف، فمثلما انكشف التىار المتطرف والإرهابى بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 فى الولاىات المتحدة، وبدأت بعد ذلك حرب عالمىة ضد الإرهاب، والتطرف المؤذى للعالم الإسلامى، كان هذا هو نفس الطرىق أو الجناح المتطرف، الذى ناوأ مصر وشن علىها حرباً استغلت الدىن، واضعفت الاقتصاد المصرى،

وشلت الإصلاحات السىاسىة الاقتصادىة المصرىة، لسنوات طوىلة سنقف طوىلاً، لنقول للقوى المناوئة، سواء كانت تدعى الأصولىة أم الثورىة إنكم تتحملون المسئولىة عن الضعف العربى الراهن، ولأننا لا نملك، ألا نقول الصراحة والصدق مع تلك القوى، بكل حكمة، إننا لا نستطىع أن نقف أو نتجمد، انتظاراً لكم، ولكن المصالح العربىة العليا، وصراحة المواجهة واحترام الذات، ستجعلنا نكشف كل هذه التيارات، لأن المستقبل العربى، ىجب ألا يظل مرهوناً لقوى التخلف أو الحمق ونقول لهم بكل صدق، كفى مهاترات واحترموا العقول، فالمستقبل ىحمل مخاطر لا تتحمل ألعاب الصغار والمرضى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى