مقالات الأهرام العربى

فتنة العراق وعالم الإرهاب

أى تصرف عراقى عاقل ومحسوب يفرحنى شخصيا، رغم أننى من الذين يراهنون على غباء نظام صدام حسين، لكننى أشعر بالسعادة عندما يتخذ أى قرار لم أكن أتوقعه، لأننى أتطلع إلى أن ينجو العراق من احتلال أمريكى أو تغيير داخلى بأيد أجنبية غازية، مهما كانت، ولذلك فقد هزنى قرار العفو الشامل عن المساجين السياسيين والمعارضين بالخارج والذى نفذ على الفور، وكان من نتيجته خروج 100 ألف مواطن عراقى على الأقل من السجون، ولم شمل الأسر، وسعادة العراقيين شىء مفرح، وحدث عظيم، لأن هذا الشعب تعرض لأكبر ظلم فى التاريخ، ظلمه رئيسه واتهمه أشقاؤه، وحاربه العالم،

وهو مظلوم ومضطهد ومغلوب على أمره، بأساليب قمع لم يعرفها شعب معاصر، بل لم نعرفها عبر تاريخنا الملىء بأنماط الاحتلال والقمع والديكتاتوريات والمستبدين إن حكم صدام حسين فريد من نوعه، وابتكاراته الاستبدادية يعجز العقل الإنسانى عن استيعابها، أو يقدر تأثيراتها على الناس جميعا، فيتصور البعض أنه من الممكن مقاومتها أو رفضها، فى حين أن هذا المستبد سلبهم كل أو أى قدرة حتى على الحركة، وليس من الممكن التحجج لقبول ذلك بأن معظم أنظمتنا العربية غير ديمقراطية أو استبدادية، لأنه لا سبيل لمقارنة نظام حكم استبدادى بنظام حكم يعذب الشعب،

ويضعه كله فى السجون، أقلها سجون الخوف والرعب، وهو سجن نفسى مقيت ولذلك فإن قرار العفو المفاجىء للرئيس صدام الذى جاء بعد حصوله على %100 من أصوات الناخبين، ورغم عدم معقولية هذه النسبة وعبثيتها، فإننى أصدقها، وهى حقيقة ليس لأن العراقيين انتخبوه فعلا، لكن لأنه ليس هناك من لا يجرؤ على انتخابه، حتى فى خياله، فهو يعرف، بل على يقين، من أنه لو فكر فى ذلك فلن يبقى حيا، وقد أدخل فى يقينه أن صدام يعرف كل شىء، حتى ما يفكر فيه بينه وبين نفسه، فقد تدرب المواطنون على قبول الديكتاتورية ومعايشتها ليحافظوا على بقائهم ولذلك فإن قرار العفو وخروج المساجين والسماح بعودة المنفيين، وهم يتجاوزون 4 ملايين،

قرار يثمن بشكل خاص، لأنه تغيير جوهرى وكبير فى حكم العراق، ويشير بما لا يقبل مجالا إلا لبعض الشك أن النظام أصبح يدرك خطورة ما هو معرض له، وما يتعرض له العراق، وما سيحدث فى المنطقة فى هذه المرحلة الحساسة والدقيقة من تاريخنا العربى والإسلامى ونتطلع إلى أن تدرك أمريكا والغرب هذه المتغيرات وأن تتجه إلى تغيير أسلوبها فى  التعامل مع العراق بالدبلوماسية بدلا من الغزو أو الحروب أو التهديد بالضرب، فالنظام العراقى عندما قبل المفتشين الدوليين وسمح بالعفو العام، فإنه بدأ مسيرة طويلة وصعبة، وعلينا تشجيعه فى هذا الاتجاه،

فليس هناك من سبيل للتخلص من النظام العراقى، بدون إيذاء العراقيين، بل وتهديد مستقبل العراق ككيان مستقل وكدولة وشعب يتطلع إلى حياة مستقرة بعد طول معاناة وحروب لا تنتهى كما أن غزو العراق واحتلاله يفتح باب جهنم للإرهاب وفتنته، ويسعد كل من ينتمى للتنظيمات المتطرفة مثل بن لادن والظواهرى وغيرهما كثيرون سيشيرون إلى نتيجة هذه الحرب المجنونة،

وكأنها حرب على الجميع وليس على المتطرفين والديكتاتوريين، ولسنا فى حاجة إلى هذه الحرب، لأن مكافحة التطرف والإرهابيين تحتاج إلى سياسات جديدة، فلا يمكن الانتصار فى حرب كهذه بالقوة وحدها، لكن بتجفيف منابع الإرهاب ومكامن التطرف، فليس العالم فى حاجة إلى غزو العراق مادام صدام سوف يستجيب للمجتمع الدولى،

لكننا فى حاجة إلى مواصلة مساعدة العالم على التخلص من الإرهابيين والمتطرفين بالتخلص من بؤر صنع الإرهاب، وصولا إلى حل القضايا العاجلة والعادلة، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، الكل يعترف بحق إقامة دولة للفلسطينيين ˜أمريكا ولندن وأوروباŒ، والعرب اعترفوا بدولة لإسرائيل، فلماذا لا تقمع أمريكا التطرف الإسرائيلى وتزيل المستوطنات من الأراضى الفلسطينية، وتشد على أيدى أصحاب السلام، وتضرب على أيدى المتطرفين فى إسرائيل ولنغير من أساليب تفكيرنا، ولنطور الحرب ضد الإرهاب بمساعدة الدول على تطوير اقتصادياتها وبناء مؤسساتها الاقتصادية والأمنية والقضائية،

فالحروب ضد الإرهاب، مثل الحروب ضد المخدرات أو مكافحة الجريمة، عملية مستمرة وطويلة، بل إن استخدام كلمة حرب قد أسىء فهمها، وتحتاج الدول إلى تحديث اقتصادى وثقافى عبر عمليات مستمرة لا تتوقف، والحرب ضد الإرهاب ليست حرب معلومات، أو حربا ضد تنظيم استفحل خطره، وتغلغل داخل المجتمعات، لكن  الحرب الحقيقية ينبغى أن تكون عملية بناء مستمرة، تتعاون فيها كل دول العالم، لأن هزيمة الإرهاب مشروع كل مجتمع متحضر وإذا كانت أمريكا تتحمل النصيب الأكبر باعتبارها القوة الأعظم، فالمواجهة ليست كلها عسكرية،

لكن هناك العمل الدبلوماسى والمساعدات الاقتصادية والتعليمية والثقافية ومساعدة الأمم على بناء مؤسساتها واقتصادها، وفوق كل ذلك العمل الدءوب والصبر، لأن الأمر قد يستغرق سنوات بل عقودا قبل أن يتم جنى الثمار إن لغة الحرب ضد الإرهاب يجب أن تتغير، فالحرب تعنى أن هناك نتيجة حاسمة، وهذا ليس حقيقيا، فالانتصار فى هذه الحرب يحتاج إلى مثابرة وعمل دءوب يشترك فيه جميع الشعوب، وفى يقينى فإن هزيمة الإرهاب ستحدث لأنه شر والشر لا ينتصر، ولا يمكن هزيمة الشر بالحروب لأنها شر أكبر، لكن بالعمل السياسى والاقتصادى والاجتماعى ومكافحة الجرائم وأساليبها معروفة متى تسود الحكمة ويعود القطار إلى قضبانه الصحيحة؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى