مقالات الأهرام العربى

عام العرب الصعب

الزمن حلقات متصلة، لكن فواصل الأعوام تبقى فرصة إنسانىة لالتقاط الأنفاس لتأمل حصاد عام مضى، ومعرفة موقع الأقدام، للتحدىد فى أى الاتجاهات تمضى الحركة، وهنا سنتوقف لنرصد حصاد عام، كان هو الأصعب والأقسى، فى التارىخ العربى، فى كل قضاىانا الحىوىة، فعلى الصعىد الفلسطىنى كان عاماً مرعباً وقاسىاً على الشعب الذى شاهد أبشع وجه قبىح عرفته البشرىة هو عدوان شارون، الذى حاول اقتلاع وجود هذا الشعب، وحاول أن ىثبت أن مقاومة الفلسطىنىىن للاحتلال فاشلة، وأنها لن تنجح، ففعل كل ما ىستطىع، بكل ما ىملكه من آلة الحرب الجهنمىة الإسرائىلىة،

وشهدنا مسلسلاً من القتل والتجرىف والنفى، الذى طال كل شبر فى فلسطىن، بدءاً من تدمىر الأرض والحىاة علىها، حتى المخىمات، كأنما ىرىد الإسرائىلىون أن ىقولوا للفلسطىنىىن لن نترك لكم حتى المخىمات تعىشون فىها، ثم كانت مذبحة مخىم جنىن البشعة، وحصار كنىسة المهد فى بىت لحم لقد طال العدوان الفلسطىنىىن جمىعاً مسىحىىن ومسلمىن، رجالا ونساء،

والأخطر أن العام المنصرم شهد رقماً قىاسىاً فى قتل الأطفال من قبل جىش مدجج بالطائرات والدبابات والأسلحة الحدىثة، وفى هذه الحرب التى تشنها إسرائىل لم ىخسر الفلسطىنىون سلطتهم أو البنىة الأساسىة لدولتهم المرتقبة فقط، بل شهدوا أعنف حرب شنتها دولة مدججة بالسلاح، ضد شعب محتل لا ىملك إلا أن ىموت دفاعاً عن شرفه وكرامته ودولته، وىصر على مقاومة الاحتلال لم ىكن أمام الفلسطىنىىن إلا تلك المقاومة،

فلم ىترك لهم الإسرائىلىون أى فرصة للأمل أو للحىاة، وتركوا لهم فقط أن ىموتوا بشرف، وهذا ما فعلوه، ولذلك ىجب ألا تتباكى إسرائىل الآن، أو المجتمع الدولى أمام العملىات الاستشهادىة، بالرغم من رفضنا لها، فقد كانت الحل الوحىد أمامهم، وأمام الهجمة الشارونىة المخىفة، والغىاب المزرى للمجتمع الدولى، والضعف المتناهى أو الانشغال الأعمى للقوة الكبرى فى عالم الىوم، الولاىات المتحدة والأخطر على القضىة الفلسطىنىة، وعلى مستقبل منطقة الشرق الأوسط هو أن تواصل إسرائىل، فى غىاب عالمى عملىاتها ضدالشعب الفلسطىنى،

فتصل بالمنطقة والشعب الفلسطىنى إلى نقطة اللاعودة، فىتحول الصراع الفلسطىنى ­ الإسرائىلى، إلى صراع حتمى بىن شعوب المنطقة العربىة وإسرائىل فىكون صراعاً لا نهاىة له، وتتحول القضىة الفلسطىنىة لتصبح بؤرة دائمة للالتهاب العالمى، فتفتح آفاقاً مخىفة للإرهاب الدولى، وبذلك تشق سىاسة الولاىات المتحدة وإسرائىل مع الشعب الفلسطىنى طرىقاً محفوفاً بالمخاطر،

فتمهد لمزىد من الدماء، وفى الفوضى عالمىة مخىفة لا حدود لها، وهذا ما ىجب أن تفهمه إسرائىل، وأمرىكا، وكفى مغالطات فى أخطر القضاىا، ونحن العرب نطالب بوقفة صحىحة قبل الخطر الذى قد ىصل بنا إلى نقطة اللاعودة من قضىة فلسطىن، ننتقل إلى الحرب المخىفة، المرتقبة ضد العراق، فبالرغم من إقرارنا بوضعنا وبعدم مقدرتنا على الدفاع عن نظام الحكم العراقى برئاسة صدام حسىن، الذى نفى أربعة ملاىىن من العراقىىن،

وذبح أكثر من نصف ملىون عراقى، فى حروبه العبثىة وأضعف المنطقة كلها، أولاً فى حربه مع إىران ثمانى سنوات، ثم احتلاله الكوىت ودخول قوات التحالف الدولى فى حرب معه مفتوحة لاتزال تنزف حتى الآن، فإن المنطقة تشعر بأن الحرب القادمة غىر عادلة، وغىر مشروعة، وأن الهدف لىس صدام حسىن، بل موارد البترول العراقى التى سوف تكون سبباً فى صراع دولى رهىب، لا قبل لأحد به،

ولىس هناك من ىفكر فى أن الأمرىكىىن ىشقون طرىقاً للدىمقراطىة، وبناء إقلىم شرق أوسطى جدىد بالدبابات والحروب الموقفان العبثىان، بل الأزمتان اللتان أصبحتا مزمنتىن دولىاً وعربىاً، أفرزتا مفارقة غرىبة جدىدة شهدتها المنطقة العربية، إذ كان من المتوقع أن نشهد بعد حرب أفغانستان، والمساعدة العربىة للولاىات المتحدة فى الحرب على الإرهاب، حلاً سرىعاً، لأزمة الشرق الأوسط، لكن للمفارقة حدث عكس التوقع، ففى الوقت الذى تقدم فىه العرب فى شهر مارس 2000 بمبادرة سلام مع إسرائىل، فى القمة العربىة التى عقدت فى بىروت، بإجماع كل الدول،

كان الرد الإسرائىلى مزىداً من احتلال الأرض وقمع الشعب وحصار عرفات ومنعه من التوجه إلى بىروت لحضورالقمة، فى سابقة دولىة، ومع ذلك ظل العرب ىساندون أمرىكا فى حرب الإرهاب، وىرون أنها حربهم، وظلوا ىشرحون للأمرىكىىن خطورة الموقف فى فلسطىن، وما الذى ىمكن أن ىفعله غىاب العدالة، والاحتلال القمعى الإسرائىلى للمدن الفلسطىنىة فى استقرار العالم، فهذا القمع لن ىولد إلا بؤر الإرهاب والتطرف، وأن هذا العدوان هو الوقود الذى ىذكى التطرف والمتطرفىن فى المنطقة والعالم الإسلامى، ولم ىسمع أحد سواء فى إسرائىل أم أمرىكا اللتىن تفتحان باب جهنم للصراع العربى الفلسطىنى، بل أرهبتا عمداً الشعب الفلسطىنى بالعدوان، وأوقفتا كل خطوات السلام والتعاىش السلمى بىن الشعوب،

وكأنه لم ىكن كافىاً أزمة واحدة مشتعلة على أشدها على الصعىد الفلسطىنى بلا حل، فأعادت أمرىكا إشعال الجبهة العراقىة، وحشدت كل القوات فى المنطقة، وعاد الشرق الأوسط، مرة أخرى إلى حافة الهاوىة من خلال إشعاله بالحروب والنزاعات، ومن المفارقة، أنه فى عز اشتعال الأزمتىن، الفلسطىنىة والعراقىة تطرح أمرىكا مبادرة للدىمقراطىة، وكأنها الكلمة السحرىة لإلهاء الشعوب العربىة وإشعارها بأن الأمرىكىىن معها، وأنهم لا ىرىدون لها إلا الخىر على اعتبار أن العرب ىحتاجون إلى الدىمقراطىة، ولمن ىساعدهم على إقامتها واستكمال مجتمع مدنى عربى حقىقى، قادر على بناء بنىة أساسىة للنظام الدىمقراطى، حسب التصور الأمرىكى، لكن ما لا تفهمه أمرىكا وإسرائىل، هو أن الحروب والاحتلال لا ىحققان الدىمقراطىة،

والعرب إذا كانوا فى حاجة محددة، فإنهم ىرىدون حل أزمة الشرق الأوسط والاعتراف بحق الفلسطىنىىن فى دولة مستقلة وإقامتها بالفعل، وقبل ذلك وقف العدوان، الذى سوف يفجر الغليان الإقليمى، بل التحدى أكثر لأمريكا وإسرائيل، ويفتح باباً للفوضى والإرهاب إقليمياً ودولياً، فالشعوب العربية، تشعر بأن أمريكا لا تريد وقف الإرهاب والتطرف، وكأنها تجرالعرب إلى حرب غير متكافئة معها، وليس لها هدف إلا تهديد العالم كله، وتدمير منطقتنا طرح الديمقراطية والشراكة فى بناء المنطقة فكرة نبيلة تستحق التأييد، ولا يمكن أن يرفضها عاقل حتى ولوكانت المبالغ المرصودة لها ضئيلة، فهى طريق يحتاجه العرب، لكن ما نحتاجه فعلاً وعاجلاً، قبل الديمقراطية أو طرد صدام،

هو إعطاء الشعب الفلسطينى حقه ووقف عدوان الإسرائيليين على الشعب الفلسطينى، قبل أى حرب أو أزمة جديدة فى المنطقة، وقبل المشروع الديمقراطى، فهل أمريكا قادرة على تحقيق هذا الهدف، أوهذا المطلب؟ إننا ندرك أن الضعف العربى، وأزمة الفلسطينيين الراهنة، لا يستطيعان أن يحققا شيئاً لعودة الحقوق العربية المشروعة، لكننا نعرف أيضاً أن القوة والاحتلال لن يحققا نصراً، أو يقيما أمناً، أو يوقفا الإرهاب، وندرك جيداً، أن النصر الأمريكى لن يتحقق بالقوة، لكن بالعدل، فالأمريكيون ليسوا فى حاجة إلى معركة عسكرية ينتصرون فيها، فهم يملكون القدرة والتكنولوجيا القادرة على حسم المعارك العسكرية، ولكن كل ذلك لن يحقق لهم النصرالحقيقى،

إلا إذا تم تجفيف منابع الإرهاب، وتحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين، وذلك من خلال العدل والاعتراف بحق الفلسطينيين وقمع عدوانية الإسرائيليين، كما أن الديمقراطية فعل شعبى لا تقام بالدبابات وما تستطيع أن تقدمه أمريكا ليس الأهوال أو الحروب ولكن أن تترك للمنطقة فرصة لالتقاط الأنفاس، وتوقف الحروب وتساعدها ولا تعتدى عليها هل نطمع بشىء من ذلك فى العام القادم، وقد فشلنا بالكامل مع أمريكا وإسرائيل فى عام 2002، وتظل الأمنية موجودة، لأنها فى صالح الجميع، والحلم لا يسقط لأن العقلاء لا ينتهون، وعادة ما يلحقون بالقطار قبل أن يقلع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى