الخطر

بقلم : أسامة سرايا
أرى أمامى صورة تتكرر فى كل بلداننا العربية، وكأنها صورة طبق الأصل، ليس فى السياسة والاقتصاد فقط، لكن فى حياتنا الاجتماعية أيضاً، والأخطر فى رؤيتنا وبعض معتقداتنا التى تحتاج إلى تنقية نبرع دائماً فى تشخيص أوضاعنا، ونعرفها كحقائق، لكننا جميعاً نسعى إلى تجميل واقعنا، وتخفيف مآسينا، وكأننا نبرر عدم قدرتنا الفعلية على التغيير أو الحركة، بل إننا نبالغ فى تعقيد الأمور حولنا، وأصبح هدفنا يكمن فى تجميد قدراتنا على اتخاذ قرار نحو التغيير فكلنا لا نريد أن نتحمل المسئولية، ولا نريد أن يواجهنا أحد بسؤال لماذا اتخذنا هذا القرار وما مبرراته؟ لأننا لا نريد أن ندفع ثمن قرار أو تغيير صورة محزنة لواقع جيل فى كل مكان وليس هذا كلاماً عاماً،
بل رؤية بانورامية للواقع العربى فى السياسة منذ السبعينيات اكتشفنا أخطاءنا الفادحة من جراء رهن قرارنا السياسى فى يد الاتحاد السوفييتى، ليس لأنه لم يكن كفؤاً لتأييد قضايانا والدفاع عنها، لكننا فعلنا ذلك لأنه كان ضد الولايات المتحدة التى تدعم إسرائيل، ونحن جميعاً ضد إسرائيل ولم نكتف بهذا الرهن السياسى وقمنا بتبنى نموذجه الاقتصادى إلى أن ثبت أننا لن نستطيع أن نحارب وننقذ مجتمعاتنا من عار هزيمة شاملة فى 1967، إلا بطرد السوفييت، وكان قراراً صعباً،
لكننا وجدنا قائداً شجاعاً لاتخاذه، ثم أصدر بنفس الشجاعة قرارا أصعب هو الحرب، وتحمل كل تبعاته ودفع الثمن، فكان الانتصار، لكننا فى الاقتصاد ظللنا نراوح مكاننا، هناك خوف من التغيير الشامل، فأخذنا بالتدرج حتى وصلنا إلى مناطق صعبة، يستحيل فيها التدرج أو الخوف من المجهول، فالمجهول قادم، إذا لم نتغير، ونسلك طريق الاقتصاد الحر بكل تبعاته فلن نستفيد من الإصلاح الاقتصادى بل سوف تجمد العجلة، والخطورة هنا فى عودتنا إلى ما كنا عليه من قبل، بعد أن حققنا شيئاً من النجاح، والتوقف أو الخوف من أن استكماله لن يستمر، وسيكون ذلك خطأ فادحاً،
لأن الفرصة أمامنا، وتجارب النجاح ماثلة، لكن الخوف من المواجهة وعدم شرح أبعاد التغيير والتطور للناس بكل شجاعة سيكون إهداراً للفرصة نحن نعرف أن الشعوب لا تستطيع القفز إلى التغيير مرة واحدة، لكن يجب أن نقوم بالخطوة الأولى فى التصحيح، ولتكن فى نقطة واحدة، ولن أعدد المناطق التى يجب أن نبدأ منها، فهناك التعليم وأتساءل لماذا لا تكرس الدولة إمكاناتها فى التعليم الأساسى والفنى،
وتجعله نموذجاً يحتذى به، وتترك التعليم الجامعى والثانوى للناس حسب إمكاناتهم وتطور قدرة مؤسساتهم على الاستيعاب فى المستقبل، حتى نصحح التعليم، بعد أن تحولت الجامعات إلى بوتيكات، وشقق مفروشة للدروس الخصوصية لفشل الجامعات العامة وعجز إمكاناتها، فالدولة غير القادرة عليها أن تكون رشيدة فى تكلفتها، وأن تحترم قدراتها، وتوجه مواردها إلى الطريق المناسب، وسوف يحترمها الشعب، عندما تقول الحقيقة وتكشف للناس عن قدراتها الحقيقية مثلاً فى المصارف والبنوك، لماذا لا نكشف للمسئولين وللشعب عن أننا فى حاجة إلى استقدام خبراء أجانب لإدارتها، إدارة حديثة أو نرسل بعض من أنبه قياداتها إلى الخارج وعند عودتهم يتولون المسئولية فى محاولة للتغيير والتطور، لأهمية هذا الجهاز،
كعصب للاقتصاد ولقدرته الخلاقة على تطوير الأسواق وتنميتها نحو الأفضل، وتوجيه الأموال إلى الاستثمار الصحى، وخلق فرص العمل الحقيقية حتى لا نلجأ إلى التوظيف العشوائى الذى يضخ بطالة مقنعة، ويؤدى باستمرار إلى سخط المجتمع ككل وعجزه عن التطور والنمو الحقيقى لماذا لا نستكمل برنامج الخصخصة بشجاعة مع تقييم حقيقى وغير مفتعل لأصول شركات فاشلة أو أراض غالية تحتاج إلى التدوير بشكل إيجابى،
وأن يتم تسييلها فوراً وتوجيه مواردها لمشروعات جديدة بمشاركة خاصة، وأن نعترف بكل صراحة، أن عملية إنتاج السلع والخدمات يجب أن تكون مسئولية الشعب، والشعب فقط وليس الحكومة، التى عليها أن تتفرغ لمسئوليتها فى أن تكون حكومة فعالة وغير مترهلة حتى يحترمها الجميع، وهذا هو دور الحكومة المراقبة ووضع المواصفات القياسية لعملية الإنتاج، وتسهيل الإنتاج ودفع المنتجين، وأن تقدم أرقاماً حقيقية للأنشطة الاقتصادية، وصورة دقيقة للأسواق حتى تتحرك السوق، وتكون حركتها على أيدى الناس والقطاع الخاص المنتج الحقيقى، الذى يجب أن تدعمه الحكومة بتخفيف البيروقراطية، معالجة الاختلالات الهيكلية فى جسم الاقتصاد و حماية الأسواق من التداعى بفعل سياسات اقتصادية ومالية قاصرة،
تصيب الجميع بالتدهور، ويتحمل بل يدفع ثمنها كل من تورط فى العملية الاستثمارية وبالتالى العاملون والمستهلكون لماذا لا تحترم الحكومة أى حكومة فى عالمنا العربى نفسها وتحترم اللا مركزية وتؤمن إنها لا تستطيع أن تفعل كل شىء، أو أن يكون الوزير مسئولاً عن كل شىء يبيع الأراضى والشقق، ويحتكر الدواء، ويفرش الشقق والمستشفيات، وأن يكون مقاولاً للأنفار ومسئولاً عن رصف الشوارع،
بل أن يكون مسئولاً عن نقل مباريات الكرة على الهواء مباشرة، وإدارة الاستديوهات وصنع الأفلام وتسديد أجور الفنانين والعمال معاً، هل هذه مسئولية الوزراء؟ أخذنى الاقتصاد، لأننى أرى حوله الأزمات تحاصر الحكومات وهى قادرة علي التشخيص عاجزة عن القرار أو التغيير والتصحيح لأنها تتصور أنها لا تستطيع أن تدفع الثمن، وهى صورة عامة فى كل منطقتنا، والرؤية واضحة أمامنا وفى أذهاننا، ومن هنا يجب أن نكاشف الناس بكل شىء فلن تتغير المجتمعات وتزيد قدرتها على مجابهة المشكلات السياسية الصعبة بدون رفع قدرتها الاقتصادية وبنائها الداخلى والمؤسساتى المتماسك