مقالات الأهرام العربى

22 جلابية ذهبية

يجب أن نتوقف بهدوء ودقة لنفحص وبدون إثارة تصريحات إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق، عندما وصف العرب بأنهم كذابون، ولم يكتف بهذا الوصف، بل تغلفه بالعنصرية قائلا إن الكذب خصلة عربية، لا يشعر صاحبها بأنها خصلة ذميمة، عنصرية باراك، شملت العرب والمسلمين، ولجأ كما يلجأ العوام إلى التعميم، إلى وضع الثقافة اليهودية والمسيحية فى مكانة أعلى من الثقافة العربية والإسلامية، وهى ليست المرة الأولى التى يصفنا فيها باراك بهذه الصفات، التى تكشف عنصرية تفكيره، بل سبق أن وصف الفلسطينيين بأنهم كالتماسيح،

والعرب بأنهم ظاهرة صوتية، أما أعجب الأوصاف التى اختلقها فهى عندما سأله أحد الصحفيين عن اجتماعات الجامعة العربية، رد متسائلا أى شىء تنتظرون من 22 جلابية ذهبية؟ وباراك منذ أن خرج من الحكومة وأسقطه شارون ˜وحجمŒ مستقبله السياسى، وهو يحاول أن يبدو فى ثوب جديد، ينافق التطرف ويتجه إلى العنصرية، فقد كتب فى ˜الواشنطن بوستŒ مطالبا الأمريكيين والمجتمع الدولى بعدم الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضى المحتلة حتى حدود 1967 لأن ذلك حسب رؤيته مكافأة للإرهاب الفلسطينى،

بل وصل به الأمر إلى حد وصف المبادرة العربية بأنها مبادرة شيطانية، وكرر اتهاماته لياسر عرفات باعتباره الشيطان المسئول عن انهيار عملية السلام، لم يذهب إلى كامب ديفيد للتفاوض، بل ليقول لا، وكرر كلمات الكذب للعرب، فهم نتاج ثقافة لا يثير فيها الكذب اعتراضا، وهم لا يعانون حسب وصفه من المشكلة التى يسببها الكذب فى الثقافة المسيحية ­ اليهودية وإذا وضعنا نحن أيدينا على الكذب والكذابين لاستطعنا الرد على ذلك، فالعنصرية لا تستوجب ظهور عنصريين، ونحن لا نريد أن تصيبنا هذه الأمراض، لكن يجب أن نتخلص منها جميعا،

ونسأل السيد باراك الذى قال فى إبريل الماضى أمام اجتماع مجلس العلاقات والشئون الأمريكية ­ الإسرائيلية ˜الإيباكŒ إن الرئيس الأندونيسى السابق عبدالرحمن واحد، أبلغه بأن عرفات قال له خلال لقاء بينهما فى جاكرتا أن دولة إسرائيل مصيرها إلى الزوال يوما ما، فى غضون 50 عاما وعقب صدور هذه الفرية التى نفاها الرئيس واحد، وصفها د علوى  شهاب وزير خارجية أندونيسيا السابق بأنها أكاذيب رخيصة تستهدف تبرير جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى هنا نرصد الكذب والاختلاق، ففى أكتوبر من العام الماضى ألقى باراك محاضرة فى مدينة مونتريال حضرها ألف مستمع يمثلون الشباب، وحتى من العرب، وركز خلالها على التحريض على عرفات والفلسطينيين، فعرفات سفاح يثير الإرهاب،

والعرب يكرهون إسرائيل لأنها قاعدة الديمقراطية، وهم يكرهون الديمقراطية والقيم الغربية، لأن إسرائيل مجتمع مفتوح ويحيط بها بحر من العرب والمسلمين الرجعيين ويواصل باراك شروحه المليئة بالأكاذيب التى نقلتها الصحف الإسرائيلية عقب اجتماع مغلق عقد فى وزارة الدفاع، كيف يتكلم عن كامب ديفيد 3، فيقول إنها خطوة كانت ستولد الانفجار فى المنطقة، فهناك بعت ظاهريا كل شىء،

ولن أنسى يدى التى ارتعدت حينما وقعت على الوثيقة المخيفة التى انطوت على مقامرة تهدد وجود دولة اليهود، لكن عليكم الاعتراف بأن المقامرة نجحت، فالشهية العربية وصلت إلى حدود غير محتملة، وخلال ساعات قليلة ظهرت البربرية العربية الإسلامية على حقيقتها، وكشفت النقاب عن وجه العدو، وأنه متعطش للدم هكذا تكلم باراك، وأى قارىء أو مراقب يستطيع أن يكتشف من يكذب، حتى كامب ديفيد 3 كانت ˜كذبة باراكيةŒ،

ولم تكن عرضا للسلام ، ولن نضيف إلى ذلك، ما كشفته ˜الإندبندنتŒ البريطانية أخيرا بأن الانتصار الذى حققته إسرائيل بتحميل عرفات مسئولية فشل مفاوضات كامب ديفيد فى الفترة الأخيرة من عمر حكومة باراك كان مجرد انتصار زائف، حيث وصف روبرت مالاوى أحد معاونى الرئيس الأمريكى السابق كلينتون عن أن باراك وكلينتون يتحملان نفس القدر من المسئولية عن فشل مبادرة كامب ديفيد، حسب ما ذكروا أن نسبة الـ %96 المذكورة كانت تمثل النسبة التى أبدت إسرائيل التفاوض بشأنها،

وليست الأرض التى تنسحب منها فى الضفة الغربية وقطاع غزة كما لم تتضمن هذه النسبة أيضا منطقة القدس الشرقية التى احتلتها إسرائيل، وضمتها إليها بعد حرب 1967، والمستوطنات اليهودية الكائنة حول الأراضى الفلسطينية، فأى شهية عربية عدوانية فى عرض باراك العارى من الصحة، والذى يتنصل منه صاحبه، ويصفه بأنه كذبة ادعاها لكى يفجر عدوانية وجشع عدوه يصف المتابعون لمسلسل باراك ونيتانياهو وشارون أن الرعب الذى اجتاح الشخصية الإسرائيلية خوفا من ظهور دولة فلسطينية، أدى إلى قتل إسحاق رابين رئيس الوزراء الذى فتح الطريق لحل المشكلة الفلسطينية على أساس دولتين، وأن زعماء إسرائيل الذين ظهروا عقب اغتيال رابين مهدوا لاقتلاع تلك الفكرة من جذورها،

فخططوا للمؤامرة الكبرى، وكانت أحداث 11 سبتبمر 2001 فى  أمريكا فرصة ذهبية لشارون واليمين الإسرائيلى والأمريكى، للإجهاز على فرص التسوية والسلام الإقليمى، وابل النيران التى فتحت على مكافحة الإرهاب والتطرف، أن حملة التشويه الراهنة ضد شخص الرئيس الفلسطينى لها هدف سياسى لإتمام نزع شرعية السلطة الفلسطينية من أجل تبرير تصفيته وإن المرحلة القادمة هى الأخطر فى تاريخ الصراع،

فالأخطر من استخدام إسرائيل للعنف الكاسح وتدمير الاقتصاد الفلسطينى والتقسيم المادى للضفة وغزة إلى كانتونات صغيرة هو حملة إسرائيل الدولية لنزع الشرعية والصفة الإنسانية للزعيم الفلسطينى والشعب فالتهمة التى توجه للشعب الفلسطينى والرئيس منذ انهيار قمة كامب ديفيد ليست فى ارتكاب أخطاء تكتيكية فى التقدير والحساب، لكن لكونهم خبثاء، فإنهم رفضوا عرض باراك  للسلام لأنهم ببساطة مازالوا يريدون تدمير الدولة اليهودية، وأظهرت عرفات القاتل والكاذب، إلى آخره من الاتهامات، لإتمام نزع شرعيته، وتبرير تصفيته ، فعرفات ليس شريكا فى السلام،

لكنه عدو للسلام، وإذا كان الأطفال يرددون أن العصى والحجارة قد تكسر عظامك، لكن الأسماء لا يمكن أبدا تؤذيك، وهذا أمر غير صحيح فى هذه النقطة، فإن الأسماء التى تطلقها إسرائيل على الفلسطينيين وزعيمهم ليست فاسدة فقط، لكنها تبرر وتخلق البيئة التى يمكن لأى شخص أن يستخدمها، ليس لإطلاق الحجارة والعصى، فتلك يملكها الفلسطينيون، لكن لإطلاق الدبابات والطائرات والأسلحة التى يملكها الإسرائيليون،

ومن سخرية الأقدار أن الإسرائيليين يتهمون الفلسطينيين بالتحريض، وفى الواقع فإن الإسرائيليين هم المتورطون بأكبر حملة تحريض مكثفة ضد الفلسطينيين، فقد قاموا بذبح إنسانية وشرعية ووجود الفلسطينيين وسلطتهم، وأصبح القاموس الإسرائيلى لا يجعل الفلسطينيين قتله، وإرهابيين وكذابين فقط، بل أفاع خبيثة ˜والحيات ذات الجرسŒ، ولهم أرواح أقل من إنسانية، وباختصار الإسرائيليون يريدون أن يقولوا للعالم إن الفلسطينيين والعرب ليسوا أشخاصا مثلنا، وبالتالى يمكن فعل أى شىء لهم وما نقوله باختصار شديد، إن هذه الصورة النمطية التى تريد إسرائيل أن تخلقها للعرب والفلسطينيين، سوف ترتد فى  صدورهم مباشرة، وأنهم لن يجنوا فوائد حملتهم، فقد علمتنا التجارب أن العنصريين يهزمون أنفسهم قبل أن يهزمهم الآخرون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى