قمة مصرية فى واشنطن ومبادرة سعودية دقيقة التوقيت

بقلم : أسامة سرايا
الموقف السياسى فى الأراضى المحتلة، اعتدل ميزانه إلى حد كبير، واقترب الفلسطينيون مرة أخرى من تحقيق أهدافهم، واستطاعوا ملاحقة مخطط شارون وجماعته، بل محاصرة أهدافه وتعرية توجهاته، ليس أمام الأمريكيين أو الأوروبيين فقط، إنما أمام الإسرائيليين أنفسهم، ويرجع ذلك إلى عوامل داخلية فى أسلوب إدارة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، ووجود عناصر إقليمية فى التحرك العربى المعاون فى الأساس،
وإذا نظرنا بعمق إلى التحولات على الأرض المحتلة، فيجب أن نعترف وبصدق، بقدرة الانتفاضة وقيادتها، سواء من السلطة أم الفصائل على مقاومة الاحتلال، وإحداث تغيير هيكلى فى شكل المقاومة يحصرها فى الأرض المحتلة، ويبتعد عن المدنيين الإسرائيليين، ويوجه طاقاتها إلى المستوطنين والعسكريين، كما أن الفلسطينيين استطاعوا بفعالية توجيه ضربات عسكرية نوعية إلى الحواجز العسكرية وإحداث خسائر جسيمة فى العسكريين، واقتصرت عملياتهم على جنود الاحتلال،
كما استطاع ياسر عرفات تحت الحصار أن يكشف المخطط الشارونى، ويعتصم بالأرض والحقوق والسلام، وأن يركز خطابه على الرأى العام، سواء فى أمريكا أم إسرائيل، رغم حملات الاضطهاد والهجوم التى تعرضت لها، ولا أقول محاولات التصفية الجسدية والمعنوية، وهى حقيقة كذلك، وكان الغرض منها أن يخطىء ويكفر بالسلام، وبالتعاون مع الإسرائيليين والأمريكيين، الذين ركزوا مخططاتهم وتصريحاتهم على التجريح ومحاولة كسر الإرادة الوطنية، لكن الرجل كان أمامه هدف وطريق، وصمم على أن يسلكه، وخاطب من يريدون السلام،
ويفهمون ما وراء الأحداث، واستطاع أن يقنعهم، بل يجبر شارون وحكومته على فك الحصار الجزئى فى رام الله، وهم كارهون، وكانت خطيئتهم الكبرى والتى تصب كله فى النهاية فى صالح رفع مكانة الرئيس عرفات، وهى الطريقة المتعجرفة والحمقاء فى رفع الحصار، ومطالبتهم الرئيس بالحصول على إذن للتحرك فى الأرض المحتلة، فكشفوا مراميهم وأخطاءهم، ليس أمامنا، لكن أمام مواطنيهم، والقوى التى يجب أن تتحرك فى الشارع الإسرائيلى أو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وكانت نتيجة ذلك مظاهرات فى إسرائيل،
ورفض المتطوعين الخدمة فى جيش مدجج بآلياته العسكرية، فقد احترامه العسكرى فى حرب شوارع، وضرب المدنيين والأطفال والنساء، فى حرب انتصاره فيها هزيمة للعسكرية الحقيقية، وكان شارون مخطئا ومتوهما، عندما حاول النفخ فى معركة يخوضها جيشه ضد ملايين لا يملكون جيشا أو سلاحا، فصورها على أنه لابد أن ينتصر، ينتصر على من؟ إن جيشه يهزم مدنيين،
فأى انتصار أحمق يتطلع إليه جيش شارون النووى والمدجج بالسلاح، ينتصر على شعب أعزل يعيش فى المخيمات، ويهدم البيوت ويضرب الأطفال، أى شرف هذا؟ أى قيمة للانتصار أمام الضمير، إذا كان هناك ضمير؟ تعرية مخطط شارون أمام شعبه هو انتصار للفلسطينيين، فأن يثبت عرفات أنه رجل دولة، ويتصرف كرئيس مسئول عن شعب، ويتحصن بالحق والعدل، لهو أقوى سلاحا، وأعظم أداة وأشرف وسيلة،
وقد نجح فى تفويت الفرصة أمام من أرادوا أن يصوروه كرجل الدولة المريض غير المؤثر، الذى يتكالب على وراثته أعوانه، ويضعفه معارضوه من أبناء شعبه، فأثبت أنه القاسم المشترك الذى لا يمكن الاستغناء عنه، وارتفعت مكانته بين شعبه إقليميا ودوليا، بل حتى بين الإسرائيليين العقلاء الباحثين عن السلام الحقيقى والتعايش الإقليمى، فقد أصبحوا اليوم الأكثر حرصا على عرفات، فدوره لا غنى عنه، ولا بديل له أما التطورات الإقليمية إذا أجملناها، فإننا نركز اليوم على اللقاء الذى سيتم فى واشنطن بين الرئيسين مبارك وجورج بوش، حيث سينصب فى مجمله على استكمال الدور المصرى الرامى إلى شرح مصر للأمريكيين، والتى تتلخص فى أن الشرق الأوسط بدون حل، القضية المفتاح، سيكون فى مهب الريح،
وأن أول هدف للمعركة الراهنة فى مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، يجب أن يرتكز على حل مشكلة الشعب الفلسطينى، ومنحه حق تقرير المصير على أراضيه المحتلة، وتسليم القدس والمسجد الأقصى للفلسطينيين، وأن هذا هو الطريق لظهور مناخ إقليمى صحى لا ينمو فى تربته الإرهاب ولعل تصريح ولى العهد السعودى الأمير عبدالله بن عبدالعزيز حول عملية السلام من الأوراق المهمة، وهى مهمة لأنها كشفت عن عمق العلاقة القوية بين السعودية والخليج والقضية الفلسطينية، وأن قادة الخليج مهتمون بالحقوق الفلسطينية، واسترداد الأرض المحتلة،
لكنهم كانوا ومازالوا ينتظرون، ما تسفر عنه مباحثات السلام الراهنة، وكان تدخل الأمير عبدالله فى توقيت دقيق إلى حد كبير، فقدم ورقته للفلسطينيين، وللرأى العام الإسرائيلى، ولم يقدمها إلى شارون وحكومته، كما يحاول المعارضون للسلام، والحكومة الإسرائيلية الاستفادة منها، لكن مبادرة الأمير عبدالله قدمت للرأى العام الإسرائيلى، حتى تكشف الدعاوى الشارونية ضد السلام العربى الإسرائيلى وتسميمها للأجواء ولمستقبل التعايش فى منطقة الشرق الأوسط، لصالح أهداف عدوانية، لا تريد الاستقرار والسلام، لكنها تستهدف جر الشعوب إلى التطاحن والحروب لصالح أفكار قديمة، مبنية على دعاوى عنصرية تقسم العالم بين يهود وغير يهود، أو بين أشرار وأخيار،
وهى نفس الأفكار والدعاوى التى طرحها بن لادن وجماعته فى كهوف تورا بورا، أو كهوف التواريخ التوراتية المبنية على العنصرية التى يطرحها شارون مبادرة الأمير عبدالله تقدم كحلقة لسلسلة طويلة من المبادرات العربية بدأها السادات وعززها حسنى مبارك، وتجىء اليوم كورقة جديدة تضاف إلى عمليات السلام التى قدمت لصالح التعايش الإقليمى، وحل الصراعات بالطرق السلمية، وجاءت فى أوانها، وتنفيذها لا يحتاج إلى زيارات متبادلة كما طرح كتساف الرئيس الإسرائيلى، لكن إلى انسحاب إسرائيل من الأراضى الفلسطينية والسورية واللبنانية،
واعترافها بالدولة الفلسطينية، وتسليم القدس الشرقية للفلسطينيين، ثم فتح صفحة جديدة من علاقات سلام وتعايش وتطبيع كامل لبناء شرق أوسط جديد، كما يأمل الطامحون وأصحاب العقول الوثابة التى تتجاوز الماضى ومراراته، ويبنون للمستقبل، لأن الأرض والحياة تتسع للجميع، بشرط الحق والعدل، والسلام الحقيقى