مقالات الأهرام اليومى

حرب الكراهية وغطرسة القوة

لينتبه الجميع، فحرب الكراهية لا تصنع سلاماً أو تحريراً، تحلم أمريكا بمرحلة ما بعد الحرب وتنسى الثمن الذى يجب أن تدفعه لأنها أطلقت حرب الكراهية؟ والذين أوصوا بشن هذه الحرب، هزموا منذ إطلاق شرارتها الأولى، حتى ولو حققوا أهدافهم وأسقطوا صدام ونظامه، إن ما سيجعلهم يدفعون ثمناً لا يتخيلونه هم شعوب العالم قاطبة، وأولهم بالقطع الشعب الأمريكى الذى لن يقبل أن يكون منبوذاً عالميا لأسباب يجهلها ، بل على العكس تماما، فالقيادة العراقية التى يحاربونها اليوم، ويضربون الشعب العراقى حتى يصلوا إليها، خططت لحربين تخدمان المصالح الأمريكية وتمهدان لها الطريق لزعامة العالم والقبض على مقاليده فى إيران ثم عند احتلال الكويت ماذا سيقول الأمريكيون للعراقيين عندما يسألونهم لماذا تقصفون مدننا وقرانا بالطائرات وتنزلون أعلامنا، وترفعون أعلامكم؟ هل هذا من أجل التحرير وأى تحرير تريدون؟

وإذا كان النظام هو هدفكم فنحن كفيلون به وإذا تساءل العرب، ماذا تفعلون بنا؟ فماذا تقولون، هل تقولون إنكم تصنعون المستقبل، والديمقراطية التى تتحدثون عنها؟ وتصدرون التقارير؟ ماذا يريد الأمريكيون من العرب تحديداً؟ هل تقصدون تحويل الغضب إلى عنف وتحويل العنف إلى حروب أهلية لا تتوقف؟ وما شكل المستقبل الذى تتحدثون عنه؟ هل يبنى بالتعجيز واليأس؟ والعراق هل يتحرر بالظلم الفاحش، وعالمنا العربى الذى ساعدكم فى كل حروبكم وأولاها مساعدتكم فى إسقاط الدولة العظمى سابقاً، وهى الاتحاد السوفيتى وساعدكم أخيراً فى الحرب ضد الإرهاب،

هل يستحق تلك التجربة البائسة، والعالم الذى تتطلعون إلى قيادته هل يستحق هذا الاستفزاز الأرعن؟ لماذا وضع العراق بين صدامين، صدام فى الداخل، والآخر أخطر وأبشع قادم من واشنطن الأمريكيون بدخولهم العراق فتحوا باب جهنم على أنفسهم وعلى العالم، وبدأوا مرحلة خطيرة لتخريب العالم العربى، وليس بناءه، ماذا ستفعلون الآن؟ ماذا ستقولون لأبنائكم لماذا تضربون الأبرياء وتسقطون حمماً من الطائرات على مدن وشعوب بريئة، وتقتلون الأطفال؟ لماذا تحولتم إلى إسرائيل أخرى فى الشرق الأوسط؟ وهل وجدتم إسرائيل مقصرة فى قتل الأطفال وهدم البيوت فتدخلتم على الخط؟

لكى تصبح المأساة فى الشرق الأوسط مأساتين لشعبين عربيين، ولماذا لم تجبروا صديقتكم وحليفتكم إسرائيل على أن تحل أزمة فلسطين حتى نتفرغ لأزمة العراق، معكم ونحلها فى سنوات طويلة كما تفعلون الآن أى غطرسة للقوة أو نزعة عدوانية نرى الآن فى منطقتنا؟ إنها حرب غير حكيمة، وعندما تفكرون فى صنع السلام، بعد هذه الحرب فإنكم ستواجهون إشكالية أصعب من الحرب نفسها لقد كان من الممكن أن تحققوا أهدافكم الاقتصادية بالصداقة والتعاون وليس بالحرب العدوانية التى لا نستطيع تبريرها لأطفالنا الصغار هل سنقول إن صدام حسين أخطأ فى الشعب الأمريكى،

وأنه مسئول عن أحداث 11 سبتمبر، هذا ليس صحيحاً فصدام أخطأ فى حق الشعب العراقى والعربى ولم يخطىء فى حق شعوبكم، إذا كنتم تريدون إسقاط صدام حسين فإن موقفا سياسيا واضحا واصطناعا بارعا للضغط الدولى كان من الممكن أن يرغم صدام حسين على الخروج من السلطة ولكن صدام اليوم أصبح أقوى من الأمس حتى إذا سقط من السلطة فقد حولته مغامرتكم وحربكم الهوجاء إلى بطل قومى،

وهو لا يستحق ذلك لكن كم من الجرائم ترتكب باسم الحرية والعدالة والديمقراطية، وهى منكم جميعاً براء فغطرسة القوة تؤدى إلى النزعة العدوانية والرغبة الجامحة فى فرض السطوة والاستحواذ على مقدرات وقدرات وممتلكات الآخر، وإخضاعه واستعباده بأى شكل من الأشكال، كثيرا ما تلجأ غطرسة القوة إلى تغليف أساليبها وأسلحتها وبياناتها بأقنعة زائفة واهية لتقنع نفسها، ولتقنع الآخرين بوجاهة أسبابها لأفعال القتل والتدمير التى تقوم  بها فقد تم استغلال الدين فى إشعال حروب تدميرية وقتل الملايين من البشر وما لم تحققه غطرسة القوة تحت ستار الدين،

تلجأ فى سبيل تحقيقه إلى الاختباء خلف عناوين أكثر خداعاً، فتارة تكون باسم تحقيق العدالة، وهو أمر لا يمت إلى العدالة بصلة، وتارة تدعّى نصرة الشعوب المضطهدة من قبل قادتها وكم من شعوب استبدل قادتها بمن هم أكثر ديكتاتورية واضطهاداً لشعوبكم الكل الآن يسعى لكى يبقى العالم أسيراً لبعض رموز غطرسة القوة هنا أو هناك ممن يتصارعون على زعامة مراكز التسلط والتحكم فى مقادير الأمم والشعوب دون أدنى اعتبار لإنسانية الإنسان وحقوقه التى يتبجحون بالمحافظة عليها لن يقف الأمر عند هذا الحد، فإن فى جعبة قوى الغطرسة الشريرة التى لم نسمع بها أو حتى نحلم بوجودها، الكثير وكله موجهة ضدك أيها الإنسان مهما اختلف لون بشرتك أو دينك أو جنسك كان الرصيد الأمريكى إيجابياً طوال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين وذلك بالتزام الحكومة الأمريكية خطة عدم التدخل فى شئون العالم القديم تطبيقا لمبدأ ˜مونروŒ ،

ثم جاءت الحرب العالمية وظهرت أمريكا كدولة طيبة غير طامعة فى السيطرة على البلاد وصرفت جهودها فى إقامة المدارس والكليات والمستشفيات والملاجىء وأخذت تهب لنجدة المنكوبين، ولا أدل على ذلك مما جرى عندما طلب أهالى سوريا وفلسطين عند نهاية الحرب العالمية أن تكون الولايات المتحدة هى الدولة المنتدبة على بلادهم وليس بريطانيا أو فرنسا لكن الصورة تغيرت بالانحياز الأمريكى للصهيونية ثم قطعت أمريكا شوطا أبعد فى مساعدتها لإسرائيل، بما أرتكبته من جرائم فى حق العرب خاصة الفلسطينيين،

إن هذا الموقف ليس منحازاً فقط ضد العرب وضد حق الشعب الفلسطينى لكنه انحياز أعمى ضد المصالح الأمريكية الإستراتيجية فى الشرق الأوسط فى عالم تتلاحق فيه المتغيرات، ولا يدرى أحد ما قد يأتى به الغد، وجاء الغد فى العراق قاتلاً السياسة الاستعمارية وغطرسة القوة هى سبب كل الحروب الحالية صفحات التاريخ تتشابه فصولها فى طبيعة وأهداف الصراع منذ قابيل وهابيل حتى بوش وبن لادن ثم بوش وصدام حسين والآن نسأل الأمريكيين والبريطانيين كيف ستخرجون من هذه الحرب العبثية؟ وكيف سترممون علاقاتكم مع العراق خاصة،

ومع الشعوب العربية عامة وبما أنه من الصعب أن تعودوا إلى عصور الاحتلال الأولى، فيجب أن تعترفوا بخطئكم وجريمتكم فى حق الشعب العراقى، ثم تبدلوا الصورة وتصححوا المسار الفلسطينى لكى ترمموا علاقاتكم مع الشعب العربى الذى أصبح يرى فيكم مستعمرين غلاظ القلوب ولن يثق فيكم بعد الآن لعل مقترحات جيمس بيكر وزير خارجية بوش الأب تصلح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وهو الذى يقول إن العراقيين شعب حر مستقل، وليس شعباً مهزوماً، فهو لم يدخل فى حرب معكم بل حاول أن يتجنبها،

وأنه لا يمكن فرض حل إعادة البناء كما حدث فى اليابان وألمانيا فالوضع مختلف والشعب العراقى والعربى لن يقبل حكومة مفروضة ويجب أن يتولى الشعب العراقى مسئولية بلاده بأسرع وقت ممكن إن إعادة البناء فيما بعد الحرب ستبلغ تكلفتها ما بين 25 مليار و100 مليار دولار ويجب أن يشارك المجتمع الدولى كله فى تحمل العبء ويجب أن تزيح أمريكا من الضمير العربى والعراقى ما لحق به من الأمريكيين الذين جاءوا لضربه بكراهية وعدوانية وللاستيلاء على موارده البترولية كغنيمة حرب ويجب أن تتحرك أمريكا سريعاً لإعادة تصحيح علاقاتها مع كل الشعوب العربية التى أصابها شرخ قاسٍ سيؤثر على مستقبل علاقاتها العربية مستقبلا،

ويحتاج إلى مجهود صعب وشاقٍ للتصحيح وسيكون أول محك هو كيف ستتصرف أمريكا فى المرحلة المقبلة مع العراق؟ وما التحولات التى ستحدث فى القضية الفلسطينية؟ إن الخطط المستقبلية المخيفة التى أصبحت متداولة فى المنطقة والتى وضعها وقالها حكام وخبراء الإدارة الأمريكية أبسط وصف لها هو أنها فاشية وماكارثية وغير حكيمة وكفى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى