مقالات الأهرام العربى

رسالة إلى القذافى

فخامة الرئيس بالرغم من أنك لا تحب كلمة الرئيس، لكننى أردت أن أصارحك وأكلمك بكل وضوح، فأنت رئيس، ومسئول دستوريا وتاريخيا عن ليبيا منذ قيام الثورة الليبية عام 1969، وإلى الآن وما أعرفه جيدا، هو أنه إذا كنا لا نملك برلمانات قوية تحاسب الزعماء والقادة فى عالمنا العربى حاليا، فإن التاريخ يملك ويحاسب، وحسابه دقيق، لأنه سيكون بعيدا عن النفاق أو المبالغة، فالضعف الذى تعيشه شعوبنا العربية يجعلها غير قادرة على محاسبة قادتها، إنها فى معظم الأحوال تتساهل، كما أننا نملك ماكينة قوية من التبرير للأخطاء و السنوات التى ضاعت سيادة الرئيس الشعب الليبى بل الشعب العربى سوف يحاسبكم كرئيس، ولن يقف كثيرا أمام الأخ القائد، أو زعيم الثورة أو أى مسميات أخرى،

مثل رئيس مجلس قيادة الثورة، فكلها مسميات للزعامات الثورية، التى وصلت إلى الحكم، بتحريك القوات المسلحة، وإزالة السلطات السابقة، سواء كانت ملكية أم استعمارية الشعوب العربية حاسبت وسوف تحاسب كل القادة ، سألت جمال عبدالناصر ومازالت تتساءل عن كارثة 1967، لماذا ارتكبت ومن ارتكبها؟ وهل كان من الممكن أن نتجاوزها أم لا؟ كارثة 1967 أضعفت الكيان العربى تماما، ولو لم تقم حرب 1973 بعدها بست سنوات فقط، ولو لم تنتصر الإرادة العربية مرة أخرى لكان الحساب أكثر ثقلا، لقد ثمنت الجماهير والشعوب العربية صمود عبدالناصر بعد الهزيمة،

وبناءه قوات مسلحة قوية وقادرة، قاد بها خليفته الرئيس السادات المعركة وانتصر، وكانت سنوات عبدالناصر الثلاث بعد الهزيمة من أفضل سنوات حكمه، واعتبرت نموذجا للحكم الصالح أردت فقط أن أذكرك بقائد كبير أنت تحترمه، ونحن جميعا نحترمه ونجله ونقدر دوره، ونحسب أخطاءه وإيجابياته، وذلك هو ثمن تحمل المسئولية الرئيس القذافى رسالتك الأخيرة التى تدعو فيها لانسحاب بلادك من جامعة الدول العربية، هى التى دفعتنى لكتابة هذا الخطاب المفتوح لفخامتكم الأخ القائد يجب أن أشير إلى أننى من منتقديكم، لكننى أشعر فى السنوات الأخيرة تحديدا بتغيير ليبى كبير أقدره، خاصة فى إدارتكم لأزمة لوكيربى، وقدرتكم على التكيف مع النظام العالمى بكفاءة واقتدار، رغم إدراكى أن هناك ترصدا كبيرا، كنتم أنتم شخصيا ونظامكم هدفا له وكنت ومازلت أشير إلى ملاحظة فى غاية الأهمية، وهو أنه إن أراد العراق تجاوز الحصار  الراهن أو الحرب المرتقبة،

فيجب عليه أن يعى الدرس الليبى، ويقرأ بدقة السياسة التى اتبعتها ليبيا مع المجتمع الدولى، سواء مع أمريكا أم أوروبا وكيف تعاملت بتسليم وقبول محاكمة الأفراد المتهمين بتدمير الطائرة فوق قرية لوكيربى فى اسكتلندا عام 1988، فقد اتجهت ليبيا للتعامل القانونى مع مجلس الأمن، ومع المجتمع الدولى، وفرضت الاحترام الليبى، حيث يشير كل المراقبين الآن إلى قوة الموقف الليبى، وحققت المحاكمات الدولية وعدم قدرتها على إثبات الجريمة، حتى إن المحكمة الدولية أفرجت عن أحد المتهمين، ويشيرون إلى المتهم البرىء المحبوس حاليا عبدالباسط المقراحى بكثير من الاحترام هذه السياسة الليبية عادت بنتائج كبيرة لحماية الدولة والنظام والشعب، ولاشك فى أن الليبيين يقدرون لقائدهم ورئيسهم هذه المواقف،

وهذا العمل الجليل، وتلك مسئولياته، ولاشك كذلك فى أننا نحن المصريين جيران ليبيا وأشقاؤهم، نقدر للرئيس الليبى هذه السياسة الحكيمة بتجنيب ليبيا المواجهات العسكرية أو ضرب الحصار، لأن إنعاش الاقتصاد الليبى وحمايته يعود على جيرانه بالخير، ويحقق استفادة سواء فى العمالة أم التجارة، فعندما تكون ليبيا الدولة الجارة لمصر والسودان قوية اقتصاديا، فلاشك أننا جميعا سنكون مستفيدين،

لأن ليبيا دولة بترولية قوية، وعدد سكانها قليل، ومن الطبيعى والضرورى أن تملك اقتصادا قويا ومستوى معيشة رفيعا لكل أبنائها، ينافس إن لم يكن يضاهى أو أكثر قليلا دول الخليج العربى ليبيا تأخرت كثيرا سيادة الرئيس فى تحقيق هذ الهدف، بالرغم من أن العائدين من ليبيا يشيرون إلى شبكة الطرق والبنية الأساسية الكبيرة التى تمت فى عهدكم، لكنهم يطالبون بالمستوى المعيشى والرفاهية البترولية التى يستحقونها وبلادهم تملك إعطاءهم هذا الحق بسهولة الأخ القائد انسحابكم من الجامعة العربية فى هذا الوقت الحساس رغم أنه رسالة إحباط للظروف والمشكلات التى تعانيها الدول العربية، فإنها ليست حلا، كما أن الانسحاب لن يغير كثيرا من الرد العربى والقدرة أو القوة العربية الراهنة، لأن هذه القوة ليست وليدة اليوم،

لكنها نتيجة تراكمية للزمن الطويل الماضى، وإذا كان العرب قد أخطأوا فى السابق، وبددوا كثيرا من الثروات فى الحروب العبثية فإنه يجب ألا يكرروا أفكارهم والسياسة الليبية التى اتبعت بعد أزمة لوكيربى وحساباتها الدقيقة، تعرف ذلك بوضوح، ويجب أن تكرس العمل الجدى والمستمر لتعظيم القوة العربية وليس إضعافها، لكن يبدو أن هناك بعض الحسابات التى تعود إلى أسلوب الحكم القديم التى يجب أن نتجاوزها، ونبنى عليها أو فوقها أو حتى نحذفها ونعلى من شأن السياسات الجديةد العالم العربى الآن يحتاج إلى سياسات داخلية قوية، تعيد للمؤسسات العربية حرية العمل فى بلادها وفى المنطقة العربية، ولا تحتاج على الإطلاق إلى إغلاق جامعة الدول العربية،

وإذا كنا غير راضين عن هذه الجامعة، فالحل الثورى بإلغائها ثبت فشله، لكن بتطويرها أو تفعيلها، والبناء على ما تحقق داخلها من أعمال، ولماذا والسؤال لماذا مستمر ­ لا نفعل دورها وندفع مستحقات الجامعة المالية؟ وهى رسوم قليلة، حتى تستطيع دفع أجور موظفيها وعمل دراسات أو تقديم أفكار للحوار عليها، أو حتى إنشاء منظمات وجمعيات جديدة تتحرك فى المنطقة العربية، لتكون بمثابة بنية  أساسية للنظام العربى الجديد تكون الجامعة العربية فيه حلقة من حلقاته، وليس كل حلقاته  أعتقد فخامة الرئيس أن رسالتك بالانسحاب من الجامعة إذا كانت رسالة سياسية، فقد أخطأت الهدف، أو أنكم تقايضون  الفضاء العربى، بالفضاء الإفريقى، فذلك تكرار للأخطاء، فالفضاءان هما الآن فى الفضاء،

ويريدان الاستقرار على الأرض، وهذا يحتاج إلى عمل شاق وصعب ومستمر وتراكمى، بالتفكير الهادىء والمنظم، والحوار العقلانى، والبناء المستمر، وإنكم يا سيادة الرئيس سترفضون بالقطع أن تكون أنت وأنت من كنت ومازلت تسمى أمين القومية العربية، أن تتهم من قبل التاريخ بأنك كنت من فرط العقد العربى، الذى استمر 57 عاما حتى الآن، بما تمثله الجامعة العربية رغم ضعفها وترهلها، فهناك مشكلات كثيرة وحلول مختلفة، لا داعى لذكرها الآن، فى زمن الضعف العربى، لكنها كانت موجودة لإغاثة الملهوفين،

وكانت الجامعة العربية هى التى وقفت فى قمة الخرطوم عام 1967 بعد الهزيمة مباشرة إلى جوار عبدالناصر، وهى نفسها التى ساندت النظام العربى وحمته من الانهيار عندما أهدره صدام حسين فى التسعينيات بغزوه الكويت، كما أن الجامعة هى التى أغاثت الفلسطينيين ولو بمساعدات قليلة، إذن لا يمكن التهوين من شأن الجامعة ولا يمكن أن نسهم فى انهيارها لأننا محبطون ونطالب بالمزيد الجامعة العربية فى موقف صعب تماما كالموقف العربى، والحل ليس بالانسحاب، لكن بالاشتراك حقا فى تغيير هذا الموقف، وتلك السياسات،

ولعل الإيمان بحماية الأنظمة العربية والدعوة إلى انفتاحها بديمقراطية عربية، وليس بضغوط خارجية، يصبح هدفا أفضل، ولعل الدعوة لإقامة مشروعات عربية مشتركة، وفتح الأسواق أمام العمل العربى المشترك، يصبح أيضا هدفا أفضل، ولعل الدعوة لحرية تداول السلع والخدمات بين البلدان العربية، يكون هدفا أفضل وأسمى، ولعل الدعوة إلى حرية تنقل العمالة العربية بين البلدان والأسواق العربية هدف أفضل من أى قرارات أخرى تضر بالوطن العربى الأخ العقيد معمر القذافى أدعوك إلى تبنى سلسلة من المشروعات لحل مشكلة تعطل العرب فى بلداننا العربية وظهور سلع وخدمات عربية تزيد من قدرة اقتصادياتنا وقدرتنا على المنافسة فى المنطقة ولماذا لا تكرس وقتك لنشر  التكنولوجيا ولغة العصر بين الشباب العربى،

ولماذا لا تستخدم نفوذك المعنوى، وقدرة بلادك البترولية والمالية لإنعاش الأسواق فى كل من مصر والسودان وليبيا، ودعوة المستثمرين لإعادة المثلث الذهبى بشكل عملى ودقيق ومنظم وإنشاء بنية  اقتصادية تنفذ العديد من المشروعات فى تلك البلدان، وتخدم كل الأسواق العربية وإذا كنت لا تريد المشاركة فى اجتماعات الجامعة العربية، فأرسل مندوبا عنك، لكن أعمل وخطط وساعد العرب على تجاوز  أزمتهم، فذلك  أفضل لك ولتاريخك ورصيدك الليبى والعربى لكن تذكر أولا أنك رئيس بلد عربى، هو ليبيا، نريده من البلاد العربية الغنية والقوية،

وتلك مسئوليتك المباشرة، وإذا تقدم كل بلد عربى وأصبح واحدا صحيحا وقويا داخليا، فسوف يحسب للعرب أنهم أصبحوا أقوياء وقادرين على أن يكونوا أرقاما صحيحة فى النظام الإقليمى، ثم النظام العالمى، وهذا لن يتأتى بردود الأفعال السريعة أو العشوائية، إلا إذا كانت هناك أهداف أخرى لا نعرفها، ثق سيادة القائد والرئيس فى أننا نقدرك، لكننا نريد علو رصيدك فى ليبيا عربيا وتاريخيا وفقك الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى