مقالات الأهرام العربى

رمضان كريم

يجىء هذ الشهر الكريم، والعالم الإسلام يموج بكثير من الاضطرابات، ليس أصعبها الحرب المعلنة على التطرف والإرهاب النابع عنه، والذى يجب علينا أن نعترف بأن الذى صنعته مجموعة منا، سبق أن خرجوا علينا، وأصبح واجبنا أن نقتلع من بيننا، ولن يكون العلاج بالإيهام أو التبرير بأننا  ضحية للمؤامرة، وأننا شعوب مقهورة ومظلومة، بالاستعمار فى الماضى، والمؤامرة فى الحاضر، ولن نستطيع قهر التطرف بدون بناء دولة قوية معاصرة، ذات مؤسسات مؤثرة، ونظام تعليمى قوى، وبتخريج أجيال متعلمة، وعودة مؤسسة دينية تسبر غور الدين، وتتجه إلى فهم مضمونه، وليس شكله،

وهذا يتطلب إحياء دينيا وصحوة حقيقية، بعودة الجامعات والمؤسسات الدينية إلى التجديد، والسماح بحرية القول والفعل، والتصحيح، وأن يكون هناك نشر وحرية بلا رقباء يوقفون أى تقدم أو تغيير، لأنهم مصابون بالجمود أو الخوف، فحياتنا المعاصرة بها متغيرات كبيرة، وتحتاج إلى رجل دين مجدد يخاطب العقل والروح معا، ولا يستخدم لغة خطابة قديمة، زاعقة  لأن من  يقول بهذه اللغة،  يريد أن يهرب من مخاطبة العقل والروح، متصورا أن الدين ضعيف أمامها، لأن رجل الدين أصلا هو الضعيف وغير المؤهل، فيتوسل بالخطابة واللغة الرنانة تهربا من تقديم التزاماته الدينية الحقيقية تخلصنا من التيارات المتطرفة، وتحجيم تأثيرها على حياتنا، وعودتنا إلى التسامح، ولغة الدين، فى هذا الشهر الكريم،

سيكون دليلا حيا على قدرة الأمة على تجاوز أزماتها كما أننى أهمس فى أذن بعض علمائنا الذين يتصورون أن مهمتهم تبشيرية، فالمسلمون اليوم أقوياء، فهو أكثر من مليار و200 مليون مسلم فى أنحاء العالم، فنحن لسنا فى حاجة إلى زيادة أعداد المسلمين، بقدر ما نحن فى حاجة إلى رفع مستواهم العلمى والثقافى ومستوى مشاركتهم فى الحضارة الإنسانية، وفى السباق العلمى، فالمؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف كما أن المسلمين اليوم فى حاجة إلى عملية بناء كبرى، دولا ومؤسسات وشركات، وتوسيع عملية الإنتاج،

والتعاون فى إقامة سوق قوية ومتجددة، تفتح آفاقا للمسلمين للعمل والترقى، حتى يرتفع مستوى المعيشة بينهم، وليس فتح أبواب للصراع والحروب، فعمليات البناء اليوم أهم للمسلمين  من  أى شىء  آخر، ويجب أن تحتل المرتبة الرئيسية قضايانا الراهنة، تحتاج إلى تهيئة  المسرح  العالمى وللتعاون الدولى، وإعداد ورش عمل من عقول قوية من المسلمين فى القانون الدولى والسياسة والفكر، وإنشاء مؤسسات علمية تجمع فى إطارها كل  اتجاهات التفكير حتى تقدم حلولا ناجعة لمشاكلنا وصراعاتنا فرجل الدين والفتاوى وحدهما ليست حلا لقضايا فلسطين،

أو العراق أو كشمير أو الشيشان، فلسنا فى العالم وحدنا لكن تيارات الفكر والعقول المؤسساتية والسياسية قادرة على ابتكار حلول تتناسب مع العصر، حتى تتكيف مع ما يحدث حولنا، ولا تصبح قضايا دائما مرشحة للهزيمة والضعف، لأننا نتعامل معها بعقول ضعيفة، وبشكل فردى، وليس مؤسساتىا والأهم للمسلمين الآن هو أن يخرجوا من حالة الضعف والإحباط والتشاؤم، لأن هذه الحالات لا تصنع أمما حية، وعليهم أن يتجهوا للأخذ بأسباب التقدم والتعاون حتى يتقدموا، فيعرفوا أن الأزمات الأخيرة قد فرضت عليهم عمليا التوحد، وإقامة الأسواق المشتركة والتعاون الإقليمى،

ليهربوا بالفعل عن الاضطهاد من جانب المجتمعات الغربية، التى أصبحت تعاملهم بتوجس وخفية، فتكالبت عليهم الأمم وكل عام والأمة الإسلامية بخير وقادرة على تجاوز أزماتها

حدث فى تركيا

حدث فى تركيا كما سبق أن حدث فى إيران، ظهور تيار ديمقراطى ليبرالى، يعبر عن إسلامه بلغة جديدة، تعايش العصر ولا تعاديه، فحصول حزب العدالة والتنمية على %35 واتجاهه لتشكيل حكومة جديدة فى تركيا كان شيئا مبهرا، لكل المتطلعين إلى تغيير سياسى عقلانى، حتى إننى سمعت معلقا سياسيا عربيا مهما ومتعمقا يقول إن ما حدث فى تركيا وقبله فى إيران بعد صعود خاتمى للسلطة ومحاولاته المتكررة الانتقال بالثورة إلى ديمقراطية معاصرة، يعنى أن وجود حزبين إسلاميين معتدلين فى إيران وتركيا،

سيعنى أن العرب مهد الإسلام وثقافته، سيتجهون لدراسة المتغيرات الديمقراطية فى بلدى الجوار تذكرت طيب أردوغان رئيس الحزب الجديد، وهو بالمناسبة يختلف عن حزب أربكان، رغم أنه كان عضوا ناشطا فى حزبه، إبان رئاسته فى الثمانينيات لبلدية أسطنبول، ونجح  إلى حد كبير فى إحداث تحولات فى الشارع، وبلغة سهلة وبسيطة، حتى إن محاولاته لإزالة شوارع البغاء فى أسطنبول، لم تكن عنيفة أو تتسم بالتشدد، بل كانت تتسم بالحكمة وبتوفير أعمال مناسبة للعاملين فى هذه المهنة، وكان يكلمهم بمثابة الأخ الأكبر، لدرجة أنه كان محبوبا من كل طوائف الشعب التركى وعقب فوزه لم يصرخ مثل الأصوات الزاعقة فى عالمنا العربى، مهددا ومتوعدا، لكنه قال إننا حزب محافظ، ولا نخفى شيئا،

وعن العلمانية التركية قال أردوغان سندع الشعب يطبق العلمانية فى تركيا، وليس فقط الحديث عنها، سنطبق المبادىء العلمانية طبقا لما هو منصوص عليه فى الدستور أردوغان الرئيس الفائز، وهو إسلامى حقيقى يقف مع زوجته المحتشمة، التى تغطى رأسها بلا افتعال أو تمثيل، سيدة مسلمة تشارك زوجها التصويت والعمل، هل هؤلاء سوف يعلموننا؟ أعتقد ذلك جازما، فقد أصبحت مراكز الإسلام الصحيح تأتى من خارج المنطقة العربية الزعيم الفائز فى الانتخابات شخصية قوية ومحبوب، وصاحب شعبية كبيرة، لكنه لن يتمكن من تولى منصب رئيس الوزراء، فلجنة الانتخابات العليا منعته من الترشيح، لكنه لم يتبرم ويهدد ويتوعد، فهو يخدم القانون، ويعرف أن القانون أقوى من أصوات الناخبين، فاحترام المؤسسات أول بديهيات الديمقراطية،

لأنه لا نسطتيع أن نقيم ديمقراطية تتمكن فيها مراكز قوة أو فوضى فوق القانون أردوغان لم يدخل السجن لحصوله على قروض لم يسددها أو لقضية فساد سياسى أو استغلال نفوذه، لكن بسبب قصيدة شعر فى أحد خطاباته اعتبرتها المحكمة تحريضا على قلب النظام العلمانى وإثارة مشاعر الحقد الدينى بين أفراد الشعب، سلوك رئيس الحزب والحزب، يعكس أن ديمقراطية تركيا أصبحت قوية وقادرة وغير مهتزة

الروح

  ˜قل الروح من أمر ربىŒ  يقول الحق تبارك وتعالى ˜ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى، وما أؤتيتم من العلم إلا قليلاŒ،

فالعقل ­ رغم إمكاناته المحدودة بالنسبة للخالق ­ مطالبا شرعا بالبحث والتفكير والتدبير فى آيات الله، وفى خلق الله، داخل الإطار الذى حدده له الخالق سبحانه وتعالى وفى هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ˜تفكروا فى خلق الله ولا تفكروا فى ذاته فتهلكواŒ، فالعقل كما يقول ابن خلدون ميزان صحيح وأحكامه يقينية لا كذب فيها، إلا أنه لا يدرك الكثير، ومثال ذلك رجل رأى الميزان الذى يوزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال والروح من مخلوقات الله فلا يعلم أسرارها إلا هو سبحانه وتعالى ˜ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبيرŒ ومعلوم قطعا أن الروح ليست هى الله ولا صفة من صفاته،

وإنما هى من صنعه، فوقوع الخلق عليها كوقوعه على الملائكة والجن والإنس، وكذلك قوله تعالى لزكريا عليه السلام، ˜وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاŒ، وهذا الخطاب لروحه وبدنه، فإن البدن وحده لا يفهم ولا يخاطب ولا يعقل أما الروح فلا تطلق على البدن لا بانفراده، ولا مع النفس وتطلق الروح على القرآن، ˜وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرناŒ يجب أن نهتم بعقلنا وروحنا وبدننا لنخلق الإنسان الصحيح ورمضان قادر على إعادة تأهيل أنفسنا وأرواحنا لتكون قادرة كل عام والجميع بخير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى