مقالات الأهرام اليومى

جريمة العصر

إيماني مطلق بأن العدوان الأمريكي علي العراق لا يمكن أن يكون انتصاراً، لأننا في عصر انتصار الشعوب، فالقوي مهما تعاظمت، لا يمكنها هزيمة أي شعب إذا كان قوياً ومنظماً،

لكن الثغرة أو الخلل الذي اخترق منه الفيروس الأمريكي الجسم العراقي، كان في الهزيمة الداخلية، والاضطراب السياسي الذي عاش فيه العراق كل سنوات حكم الرئيس المخلوع صدام حسين، وإذا استعرضنا كيف هزم صدام وضرب العراق لاكتشفنا أن الاحتلال والغزو رغم قسوته، كان نتيجة للأوضاع الداخلية، ويتحمل المسئولية عنه رئيس سابق كان غير مسئول عن وطنه وهي مسئولية لا يمكن تجاهلها، ولا نغفل أيضا المسئولية الأمريكية البريطانية عن هذا الاحتلال هي الأخري لأنها أكثر من جسيمة، فاستخدام القوة لا يمكن أن نغفره علي الإطلاق،

وإذا استمسكنا بما تحقق للإنسان المعاصر من قيم، فسنعرف تماما أن الشعوب منتصرة في النهاية، وأن القوة سوف تنحصر، عندما تسترد الشعوب عافيتها، وتملك إرادتها وتنظم صفوفها وتتقدم لتزيح هذا الكابوس الاستعماري من علي صدرها، ولكن الثمن الغالي الذي سيدفعه العراق شعباً ودولة، ولعل الثمن لن يكون دما فقط أو ثروة بترول، فالرئيس السابق بدد الاقتصاد العراقي، وأفقر بلاده لسنوات طويلة، فهو لم يفقد الشعب والدولة فقط، بل ترك العراق مدينا بأكثر من 300 مليار دولار، واقتصادا مهلهلا، وترك دولة مجهولة المعالم، كانت آخر ميزانية لها في عام 1978، وآخر خريطة لها في عام 1973، واقتصادها غير معروف،

فهو اقتصاد يقوم علي المافيا والفساد ولكن ومع كل هذا فإن جريمة الغزو الاحتلال أبشع، فالعراق سوف يسترد بلاده قريبا، فالطاقة الداخلية للشعب والاقتصاد العراقي قادران علي تجاوز تخريب صدام حسين، والعدوان الأمريكي ­ البريطاني لكن ما لن يستطيع العراق استرداده هو جريمة أصعب وأخطر، وهو تبديد المتحف العراقي، وحرق المكتبات وأطالب بلجنة تحقيق دولية للتعرف علي كيف سرقت آثار المتحف، خاصة لوحة نبوخذ نصر في لحظة انتصاره علي العبرانيين في عام 585 قم، فقد سرقت من المتحف، ولا نعرف أين ذهبت ولمن،

نبوخذ نصَّر ـ ىدفع ثمن انتصاره على العبرانىىن عام 85 قم فى بغداد وفى عام 2003 المارىنز ىكررون جرىمة المغول بحرق الكتب والمكتبات والمخطوطات العراقىة وتبدىد كنوز البابلىىن والسومرىىن والآشورىىن والعباسىىن والعثمانىىن

تلك اللوحة التي تحكي قصة تاريخية عن دولة بابل في أوج مجدها عندما أعاد نبوخذ نصر بناءها، وأقام أسوارها الشهيرة، وأساطير بابل تحكي عن دولة عظمي في زمانها، أقامت الحدائق المعلقة إحدي عجائب الدنيا السبع، وعرفها الإغريق مكانا للمسرات، وعرفها العبرانيون مهدا للحضارة، فمن بلاد الرافدين جاء إبراهيم عليه السلام جد يعقوب إسرائيل وأحفاده بنو إسرائيل هذه القصص الأسطورية يحكيها متحف بغداد الذي سرق، والذي يضم آثار حضارة ما بين النهرين ما حدث للمتحف الوطني مأساة حضارية تكشف جريمة الغزو الأمريكي للعراق،

وأنها ضد الحضارة بل كأن الغزو جاء لطمس معالم التاريخ القديم واختلاق هوية جديدة للعالم القديم، وهي جريمة لا يمكن لها أن تتم إلا في عقول الجهلاء والحمقي ولصوص الحياة والتاريخ، لأنها ستنكشف ولن تدوم كما إن ما فعله المغول الجدد في المكتبات العراقية يشكل جريمة حضارية أخري، لا يمكن تجاوزها أو التقليل من آثارها،

فإضرام النيران في المكتبات العراقية بما تحتوي من مخطوطات، خاصة المكتبة الإسلامية التي تحتوي علي نسخ من المصاحف والمخطوطات الدينية لا تقدر بثمن، لأنه لا يمكن استرجاعها، وهي تعيد الذاكرة إلي ما فعله المغول في عام 1258م، بحرقهم الكتب، وتحويلها إلي معابر في دجلة والفرات للجنود الغزاة، كما أن الناهبين لم يتركوا شيئا داخل المتحف الوطني العراقي من كنوز الآثار القديمة البابلية والسومرية والآشورية، والمخطوطات النادرة من الحقبتين العثمانية والعباسية، ومجموعات من المقتنيات التي تؤرخ لدور المنطقة كمهد للحضارة قبل آلاف السنين كما أنه لا يمكن قبول اتهام البريجادير بروكس ممثل قوات الاحتلال الأمريكية، الذي اتهم  الشعب العراقي فلا يمكن أن يتصور أحد أن تنهب ثروات العراق من قبل شعب العراق،

لأن هذه المقتنيات التاريخية لم يسرقها هواة، بل سرقها محترفون، يعرفون قيمتها وهؤلاء خططوا لهذه الجريمة البشعة لأنهم يعرفون طريقهم إلي دول كبري أو متاحف عالمية، وحتي يخططوا جريمتهم لصالح أجهزة استخبارات لدول مستعمرة وكبيرة لكن أين ذهبت صورة ­ نبوخذ نصر ­ والعبرانيين وكيف اختفت؟ إنها جريمة كبري، سوف نكتشف أن العصابات التي سرقت المتاحف ودمرت التراث التاريخي لها أهداف استعمارية،

وهي طمس الهوية، وسرقة التاريخ، لأنهم تعودوا أن يسرقوا ويزيفوا التاريخ، فهي عصابات قدمت من أمريكا وإسرائيل، خططت لهذه الجريمة الكبري علي التاريخ الحضارة، لأنهم ببساطة  أشدالمستفيدين من هذه الجريمة، التي لا يمكن أن يرتكبها عراقي، وحتي ولو كان من المجرمين وهذه الجريمة تستحق البكاء، ولكن علينا أن نجدد دعوتنا إلي كل المتاحف العالمية، وخبراء الآثار أن يرصدوا بعين فاحصة، حجم الكارثة ويساعدوا علي تلافي آثارها بتعقب المجرمين والمتواطئين علي التراث الحضاري الإنساني، لأن آثار العراق وحضارتها ليست ملكا لها وحدها أو للعرب،

فهي تراث للإنسانية، وحافظة لتاريخ الإنسان علي مر العصور، ولا يمكن أن نقبل بهذه الجريمة، التي تعيد الإنسان المعاصر إلي العصور البربرية، هذه مسئولية عالمية ولا ينبغي أن يتخلي أحد من مسئولياته، لأنه سوف يسأل عنها جورج بوش وتوني بلير أمام الضمير الإنساني، بل أمام شعوبهما التي لن تقبل هزيمة الحضارة، وخزي الإنسان أمام بربرية وهمجية العدوان والوجه القبيح السافر للحروب، وتلك مسئولية لا يمكن أن تتنصل منها دول الاحتلال بعد  أن  دمرت البلاد وشلت قدرتها  علي حماية حياة الإنسان، فكيف يمكن أن نحمي الإنسان، وتاريخه وحضارته، عندما خطي أول خطواته لبناء حضارة إنسانية تكاملت بين الشرق والغرب، لكن الشرق عادة ما يقع ضحية بربرية الغرب وهمجيته، رغم ادعائه الأخير الحضارة، وحفظ التاريخ، وحماية حقوق الإنسان قديما وحديثا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى