مقالات الأهرام العربى

هزيمة الوجوه القبيحة

الوجوه القبيحة تدفع إلى العنف والحروب التى لا تستهدف وجودنا وحده فى الشرق الأوسط فقط، بل المصير العالمى ومستقبله.

والحروب أيضا لن تؤذى الضعفاء فقط، بل ستقتص من الأقوياء وتهدد أنظمتهم، مهما كانت حصينة، ومع بشاعة الحروب نرى المتطرفين فى عالمنا المعاصر ينفخون جميعا فى بوق واحد، يريدون أن يروا النيران تمتد فى كل اتجاه.

على الصعيد الأمريكى هناك تيارات ترى فى الحرب ملاذا آمنا، وعلى رأس هذه التيارات يأتى اليمين الصهيونى، وأولوياته تتمحور حول الانتصار الإسرائيلى على العرب وإذلال المسلمين، والسخرية من شعاراتهم الدينية والسياسية، هذا اليمين يريد الحرب فى فلسطين والعراق، ويضربون مثلا بأفغانستان، ويقولون جميع المسلمين كطالبان، ولا تفرقة بين الوسط واليمين واليسار بينهم، ويزعمون أن كل المسلمين متطرفون ويستحقون الإخضاع، وهناك تياران تبشيريان أحدهما دينى له عداء مع الإسلام كدين، ويسعى لنشر دين على حساب آخر، وهذا تيار متطرف، أما الآخر فتيار ليبرالى تبشيرى يتصور أن الديمقراطية سلعة تباع وتشترى فى السوبر ماركت الأمريكى، والعرب فى حاجة إليها، وهم لن يشتروها، لذلك يجب فرضها عليهم بالقوة، والطريق الوحيد لذلك هو شن حرب تسقط النظام العراقى، فيندفع العراقيون فى الشوارع رافعين الأعلام الأمريكية، والجنود الغزاة على الأعناق لأنهم جاءوا محررين، أما غير هذين التيارين فهناك قوى أخرى تديرها الشركات العالمية تطمع فى الاستحواذ على موارد المنطقة النفطية واتخاذ القرار فيها.

وتيارات غامضة أخرى ترى فى الحرب تغييرا للأنظمة العربية، التى تربى الإرهاب فى أحضانها، وأن تغييرها يعد طريقا لتصحيح سياساتها، حتى تتكيف مع المتغيرات العالمية، والاقتصاد الحر والديمقراطية، والتسامح، وبناء المجتمع المدنى، وبدون الحرب لن يكون العرب قادرين على التغيير والتصحيح، ويجب مساعدتهم على ذلك، فتلك مهمة العالم الحر. مساعدة الضعفاء على ضرب الفساد، وبناء نظام اقتصادى شفاف، ونظام سياسى ديمقراطى.

وفى عالمنا العربى ­ الإسلامى، فإن المتطرفين لا يقلون حماقة ـ ولله الحمد ـ عن الحمقى على الجانب الآخر، فهم يرون أن الاختراقات السياسية فى جسد الأمة أشد من أن تحتمل ويراهنون على قدرتنا على التضحيات الجسيمة، ومن رأيهم أننا يجب أن نموت جميعا، حتى ولو كان ذلك دفاعا عن الحماقة.

فهؤلاء المتطرفون يطرحون علينا الحلول الاستشهادية وتدمير أمريكا والعالم، وإعلان حرب لا تبقى ولا تذر، فإما النصر أو الشهادة.

أما العقلاء على الجانبين، فيحسبون كل شىء، فهناك أمريكيون يرون فى الحروب كوارث اقتصادية وسياسية، ويدركون أى عالم سيسود بعد أحداث 11 سبتمبر وتوابعها، وكيف سيعشيون مع انعدام الأمن، فالقلق ينتاب الجميع على وظائفهم وعلى أبنائهم الذين ربما لا ينشأون ويكبرون فى عالم مفتوح وسلمى، كما عاشوا هم فى العقود الماضية، فالأمريكيون الآن يعيشون فى قلق وخوف، ليس من العراق أو أسامة بن لادن، بل من انهيار أمريكا ذاتها فى المدى القريب، ويدركون أن الحرب القادمة قد تجعل العالم كله غابة، ويرون فى جورج بوش وحكومته الجمهورية مجرد مندفعين لإضعاف أمريكا، ويتساءلون متى يهزم جورج بوش والجمهوريون، ويعود الديمقراطيون مرة أخرى للحكم؟ فمعهم الأمان، لأنهم أفضل طريق لتقوية أمريكا؟

أما عن جانبنا العربى والإسلامى، فإننا نرى أن أمتنا لاتزال حية، ولا تنقصها التضحيات، فعندما نحتاج إلى تضحية، فإنه لا ينقصنا المضحون كما فى فلسطين، وحرب أكتوبر، كانت نموذجا حيا على قدرة الأمة على التضحية، إنما ما يلزمنا فى العصر الراهن هو العقلاء الذين يعرفون موازين القوة، فيجنبوننا عناصر الصراع، ويتجهون لإدارة مجتمعاتنا نحو التغيير الحقيقى للتكيف مع العصر بإرادتنا، وليس بالخضوع لإرادات الآخرين، حتى لا نندفع إلى مناطق الخطر، فنلبى رغبات المتطرفين على الجانبين، والتحدى الراهن بين خيار الانجراف نحو تدمير الذات أو إعادة بنائها بروح جديدة ومرنة.

ينبغى علينا قراءة اللحظة الراهنة وتفويت الفرصة على القوى المتربصة بنا، ويجب علينا أيضا أن نعلو على لحظة الغضب والتطرف، ونميز بين الأفكار المختلفة لنعرف أى الأفكار حقيقية وأيها مزيف، لكى نكتشف لأنفسنا طريقا للخلاص، يجنب أمتنا ويلات الانجراف، إلى صراع سياسى وعسكرى واقتصادى، لا يمكن مواجهته، فى ظل خلل كامل واختلالات جسيمة فى توازنات القوى.

هذا هو المظهر العام للصراع الدائر فى عالمنا العربى والإسلامى عقب أحداث 11 سبتمبر.

لكن إذا حددنا المعضلات العربية، فإننا نضع أيدينا على ثلاث مناطق ملتهبة.

عراقيا مازلت أرى أن الفرصة مواتية أمام النظام العراقى، لكى ينجو من الضربة القادمة فى نقطتين رئيسيتين، الأولى أن قبول المفتشين الدوليين ليس نهاية المشكلة، بل يكمن الحل الوحيد الذى يمنع الضربة القادمة فى تغيير طبيعة النظام، فإذا لم يستطع النظام العراقى الحالى أن يغير من طبيعته بسرعة، فإن الحرب ستكون واقعة لا محالة، ومن هنا سيتغير النظام رغماً عنه، وساعتها ستسلم السلطة لآخرين، لتجنب الحرب القادمة، وبدلا من ذلك عليه أن يتحرك بسرعة لتبرئة نفسه من تطوير أسلحة الدمار الشامل، وأن يقوم بتغيير داخلى كبير يستوعب كل العراقيين فى الخارج.

فلسطينيا فإن الأمور أصبحت واضحة، فالوحدة الفلسطينية وإصلاحات السلطة الفلسطينية، والاعتراض السلمى على الاحتلال، أصبحت طريقة ناجحة، تكسب كل يوم أرضا جديدة فى أمريكا وأوروبا، وتحرج الاحتلال الإسرائيلى، بل تحاصره وتدفع فى اتجاه قيام الدولة الفلسطينية بقوة، لتحظى باحترام دولى وبثقة كل الحكومات فى العالم، وتدفع الرأى العام العالمى لإقامتها.

أما بالنسبة لمجمل علاقاتنا بأمريكا والغرب، فنحن فى حاجة ماسة لمخاطبة القوى الحية والعاقلة والمستنيرة فى المجتمع الأمريكى، لشرح ما يجمعنا معهم، ونؤكد لهم أننا جميعا ضد التطرف بكل أشكاله، وأننا نريد عزل المتطرفين من كل التيارات والأديان على الجانبين، سواء كان تياراً يمينياً ودينياً فى أمريكا أم شرقيا أوسطيا، فهذه التيارات موجودة فى العالم العربى وفى إسرائيل وفى أمريكا، وهى التيارات التى تقف ضد السلام والاستقرار، فهى تيارات تدفع نحو الإرهاب والحروب، ونحن لا نريدها بل نريد حوارا حضاريا يقوده المستنيرون على الجانبين.

أما على  صعيد أمتنا العربية، فنحن فى حاجة إلى تغيير شامل وبناء بلادنا فى الداخل فى ثلاثة اتجاهات.

أولا. بناء بلادنا من الداخل، على أسس جديدة تقوم على الديمقراطية والحرية الاقتصادية والسياسية، تفتح الباب أمام الجميع بلا تمييز أو استثناء أو محاباة لأسرة أو دين، ثم خلق سوق عربية أو شرق أوسطية حرة تسمح بحركة رءوس الأموال والأفراد بحرية بلا تمييز.

ثانيا. أن نفتح المجال لإحداث ثورة تصحيحية داخلية فى التفكير، خاصة فى مسألتى التجديد والإصلاح الدينى، وإحداث ثورة ثقافية وتعليمية وعلمية تعلى من شأن العقل، لرفع شأن العرب والمسلمين فى البحث العلمى، وفى التصنيع والزراعة والخدمات التكنولوجية المتقدمة والخدمات الراقية، ليصبح للعرب والمسلمين شأن فى النظام العالمى الجديد، وكل ذلك لا يستطيع الأمريكيون أو الأوروبيون أن يدفعونا إليه بدون أن تكون تلك إرادتنا، فنحن وحدنا القادرون على بناء نظام اقتصادى يسمح لكل المواطنين بالمشاركة بلا تهميش لأحد، ثم نظام سياسى يختار أفضلنا لإدارة النظام السياسى بكل ديمقراطية وشفافية تعطى للكل نفس الحقوق والواجبات.

ثالثا. قدرتنا على بناء بنية  أساسية للنظام الاقتصادى من شبكات طرق وكهرباء ومياه، وبناء أسس لنظام سياسى حر وفاعل، من خلال أحزاب وجمعيات ومجتمع مدنى قوى يشارك فيه كل مواطن، وهى مهمة شاقة، ونحن فقط نملك قرارها، ولا يمكن أن نستوردها من الغرب، لأنها إرادة خاصة وقدرة داخلية يجب أن تنبع منا وحدنا، وعلينا أن نتكاتف جميعا فى تحقيقها، ليس بالشعارات أو الأوهام، بل بعمل حقيقى على أرض الواقع.

أعتقد أننا نملك كل الإمكانات والقدرة على تحقيقها، وعلينا أن نبدأ فورا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى