عام الصراع والحلم المستحيل

ونحن نودع عام 2002 ونتطلع إلى العام الجديد، لا نستطيع أن نصف العام الراحل، إلا بأنه عام الصراع، متفقين مع تشخيص مجلة تايم الأمريكية فى أن نجمى العام كانا من المتشددين فى الشرق الأوسط، الأول من إسرائيل هو آرييل شارون، أما الثانى فمن فلسطين من منظمة حماس، الشيخ عبدالعزيز الرنتيسى، وإن كنا نرى أن رجل حماس مظلوم، لأنه لا يمثل إلا رد الفعل، غير أنه يجب أن نضيف إلى نجوم هذا العام بوش الابن، الذى أدار حرب الإرهاب فى أفغانستان. والآن يستعد لنقلها إلى بغداد، ويشاركه فيلم البطولة فى المعركة القادمة الرئيس صدام حسين فى قلب الخليج، محور الأحداث فى مطلع العام القادم، كما أن رجل القاعدة الهارب أسامة بن لادن مازال فى بؤرة الأحداث، فنجوم العام لا يختلفون إلا فى الاتجاهات السياسية، لكنهمن يجتمعون على فكرة أن الصراع لا يحل على مائدة المفاوضات، لكن فى ساحات الحروب ، وأن الصراع لا يمثل لهم نقطة بداية فقط، بل بداية ونهاية، ومثل هؤلاء الرجال لن يصنعوا عالما إلا من الدماء والحروب.
وإذا كنا سنتوقف عند طابور المتشددين من شارون إلى الرنتيسى، ثم بوش وصدام حسين، وقبلهم أسامة بن لادن، فإننا سنجد العام المنصرم مترديا وكئيبا، تضيع فيه الحقائق، لأننا تركنا مقاليدنا إلى أسوأ عناصر فينا، وفى العام الجديد يجب أن تبزغ فيه نجوم جديدة تحرك المشاعر، وتنشر الدفء فى ربوع الإنسانية.
غير أننا إذا ألقينا نظرة سريعة على نقاط التوتر والصراع، وتركنا لأنفسنا فرصة لالتقاط الأنفاس، ومعرفة المخرج من المأزق الراهن، لوجدنا الآتى.
فى البؤرة الفلسطينية الملتهبة كان عاما قاسيا على الفلسطينيين، حيث تعرضوا إلى حرب إبادة، قتل فيها الإسرائيليون وجيشهم 1500 فلسطينى فى حرب ليست لها نهاية، وما لم تكتبه الصحافة العالمية أن حرب فلسطين فى عامى الانتفاضة، شهدت صورة مؤلمة للحروب البشعة، حيث كنا نشاهد عبر الشاشات جيشا يقابل شعبا أعزل، يزيل البيوت، ويجرف المخيمات التى تعنى رمزا للإهانة، ليس للشعب الفلسطينى، لكن للمجتمع الدولى، وإسرائيل تستكثر أن تترك للفلسطينيين مخيمات يعيشون فيها بعد أن طردتهم من وطنهم الأصلى منذ عام1948.
وإذا كنا لا نرى للمقارنة التى وضعتها الصحافة العالمية محلا من الإعراب بين المقاوم الرنتيسى، الذى يقولون إن جماعته قتلت 169 إسرائيليا فى الانفجارات الانتحارية أو الاستشهادية ، التى بلغ مجموع ضحاياها من الإسرائيليين 423 قتيلا، فإن كل هؤلاء يتحمل مسئولياتهم، رئيس الوزراء الإسرائيلى آرييل شارون، فهو الذى صاغ فلسفة القوة، وأعطى للإسرائيليين وللجيش الأوامر لتصفية السلطة الفلسطينية، وقتل مفاوضات السلام، ووضع اتفاقيات مدريد وأوسلو على الرف، وأعاد المنطقة إلى نقطة الصفر، وتصور أن القوة ستجلب للإسرائيليين الأمن والسلام معا، فأضاع السلام، والأمن عليهم، وأفقد الفلسطينيين أى طريق للأمل والاستقرار، ولم يترك لهم عمليا إلا الموت والاستشهاد، فقد جعل حياتهم أقرب إلى الموت. فوجدوا فى الاستشهاد طريقا كريما، وإن كنا لا نتفق معهم فى ذلك حماية لهم وللمنطقة وللسلام من الانهيار، لكننا نحمل شارون والمجتمع الدولى وجورج بوش مسئولية كاملة لهذه الأوضاع المتدهورة فى منطقة الشرق الأوسط.
لكن يبدو أن الصورة القاتمة لم تصل بعد إلى الإسرائيليين، فمازال شارون 74 عاما يتربع على السلطة، ومازال يمثل مكانة عالية بينهم، وترشحه كل استقصاءات الرأى العام أن يحصل حزبه الليكود على أعلى الأصوات فى انتخابات 28 يناير القادمة، لأن العنف فى العامين الماضيين دفع الإسرائيليين إلى مزيد من اليمينية والتشدد.
وعلى الرغم من أن الأوروبيين منزعحون من غزوات شارون العسكرية فى المدن الفلسطينية، فإن الإسرائيليين يرون فى شارون رجل السياسة الأكثر قدرة على قيادتهم نحو الحرب، وإذا كان الرنتيسى هو الوجه الذى اختاره الإعلام الأمريكى للتعبير عن تشدد العرب تجاه الإسرائيليين، فهو يصف شارون حقيقة بأنه عدو الإنسانية الرنتيسى الآن 55 عاما، يلعب دورا رئيسيا فى التنسيق بين الفصائل الفلسطينية وفتح. وقد ترون هذا الرجل المتشدد يلعب دورا لصالح السلام والاستقرار فى المنطقة، لكن ذلك يحتاج إلى تجاوب إسرائيلى لن يجده.
وإلا بماذا تفسرون رد الفعل الإسرائيلى على مبادرة القمة العربية فى مارس 2002، حيث اعترف العرب بالإسرائيليين، بل قرروا إقامة علاقات كاملة معهم، ولم يطلبوا إلا حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته، والعودة إلى حدود 1967، وكان الرد الإسرائيلى باستمرار العدوان على الشعب الفلسطينى.
أما أكثر القضايا جدلا فى عام 2002 وسوف تستمر فى 2003 فهى القضية العراقية، ويبدو أن المتشددين ودعاة الحروب، سوف يدفعوننا إلى مجابهات أو حروب غير محسوبة ستدفع بتحويل العراق إلى ساحة حروب أهلية وخارجية، تجعلها مثل البوسنة والحل السياسى الغائب سيشكل كارثة على المنطقة.
وسنظل نترقب ردود الفعل الأمريكية والعراقية للخروج من المأزق الراهن. بالكثير من الترقب والخوف الإقليمى المستمر.
أما حرب الإرهاب فستدخل عامها الثالث وسيظل لغز اختفاء زعماء طالبان والقاعدة وبن لادن والظواهرى والملا عمر مستمرا من عام إلى عام آخر، لكن خطورة الحرب وتدهور العلاقات العالمية وتوسيع شقة الخلاف العالمى بين الشرق والغرب تطال الجميع، فقد أصبح الإسلام متهما، والمسلمون مطاردين ولم يستطع الغربيون والأمريكيون الفصل بين الإسلام الإرهابى والإسلام المتشدد، والإسلام المعتدل، لكنهم يضعون الجميع معا، ويدفعون العالم إلى حروب مستمرة، ويؤدون إلى تدهور فى العلاقات بين الشعوب وكأنهم يريدون تحقيق نبوءة صراع الحضارات، وتخويف العالم من الإسلام، وليس من الإرهابيين، والبشرية والإنسانية تترقب نتيجة هذا الصراع المخيف.
وأصبحت الإنسانية فى حاجة إلى دعوة لظهور طائفة من العقلاء، تسمح بالتمييز وإبراز الصورة الحقيقية، وإنقاذ الإنسان المعاصر من حروب لا تنتهى.
إذا كان عام 2002 هو عام الصراع، فهل نطمع أو نحلم بأن يكون عام 2003 عام إطفاء الحروب ودخول الإنسانية عالما جديدا للتعايش بين الشعوب فى سلام لتسود العدالة الإنسانية بين الجميع، أم يبقى ذلك حلما مستحيلا؟