فارس بجواد

لأننا نبحث عن فارس حقيقى ينقذنا، ويغير مسار منطقتنا، شغلنا فارس الفنان محمد صبحى الذى يظل يبحث عن جواده خلال شهر رمضان، علي شاشاتنا التليفزيونية بلا جدوى، ذلك المسلسل الذى شغل الدنيا، لأن أصحابه سربوا سواء عن قصد أم غير قصد أن مسلسلهم يتناول أبعاد الحركة الصهيونية مستنداً إلى بروتوكولات حكماء صهيون، فكانت أزمة ما بعدها أزمة.
أراد فيها الإعلام وأصحاب النفوذ العالمى الداعم للحركة الصهيونية اختبار وزنهم وقدراتهم النافذة عالمياً على المنطقة العربية، فى اختبار فريد من نوعه، ليس لأن الأول ولكن لظروفه المختلفة وزمانه الراهن العجيب، فقد جاء بعد 11 سبتمبر الأمريكية، وأصحاب هذا الاختبار من اللوبيات العالمية يتصورون . وهذا على عكس الحقيقة.، أن الموقف العربى فى مواجهة الحركة الصهيونية وتغلغلها عالمياً هو موقف ضعف، فراهنوا على رضوخ العرب.
فتصور أصحاب هذا الرهان . وهذا عكس الحقيقة أيضا. أن العرب الآن خائفون، سواء من ضرب العراق أم احتلاله، وبالتالى تغيير الخريطة العربية ككل، وفرض نفوذ أجنبى طويل المدى، على المنطقة، أقصد ليس سياستها فقط، لكن على اقتصادها واحتياطاتها النفطية وتوجيه هذه الاحتياطيات لخدمة المصالح السياسية الأمريكية، لأن المنطقة فى لحظة الاحتلال، لا تملك إرادة القرار السياسى والاقتصادى، والأخطر، أنهم يتوهمون أن السوبر ماركت السياسى والاقتصادى الأمريكى، سوف يبيع للمنطقة كيمياء الديمقراطية الغائبة عنها، بما يسمح بتغيير جوهرى ليس فى السياسة والاقتصاد فقط، ولكن فى الثقافة والاجتماع كذلك، بما يعنى أن مساراً أو ثورة جوهرية ستحدث شرق أوسطياً، وأن ما نحتاج إليه هو حماية قوات الاحتلال الأمريكى، لأن الذين أوضحوا للأمريكيين والأوروبيين عموماً وتلك خطيئة كبرى ارتكبها بعضنا صوروا لهم أن ما يعوق حركة المنطقة وانطلاقها نحو آفاق الديمقراطية والتحرر السياسى والاقتصادى هو الديكتاتوريات العسكرية والحكام التقليديون، وهى رؤية غير صحيحة بالمرة، وبذلك لجأ هؤلاء الناصحون إلي التسطيح والسذاجة، ولم يقولوا إن ما يحدث نتيجة ظروف تاريخية عميقة الجذور، لها تأثيراتها المتشعبة، فضعف البنية الاجتماعية الأساسية للنظام الديمقراطى فى مجتمعاتنا أكبر مما يتخيل الأمريكيون، أو حتى أكبر من قدرتهم على الرصد والتحليل، أو حتى التجسس، بل إن سيطرة القوى التقليدية الرافضة للتغيير فى الشارع أكبر من قدرات الحكومة على التغيير والتحديث.
فهناك قوى غير ديمقراطية وتقليدية كثيرة تقف كلها وراء تأجيج الصراعات مع الغرب فى منطقتنا، ومازالت الفجوة كبيرة بين ما يفكرون فيما يخططون له، وبين الشارع العربى عموماً.
لذا فإن التغيير المرتقب فور وجود قوى أجنبية حاكمة فى المنطقة ليس حقيقياً، كما أنه لم يحدث فى التاريخ على الإطلاق أن انطلقت أى مجتمعات نحو التحديث والديمقراطية فى ظل وجود قوات احتلال، على العكس تماماً كانت قوات الاحتلال دائماً عائقاً لهذا التحديث، بل إنها ستخلق قوى معاكسة جداً، وستنمو فى مجتمعاتنا، خلايا وطنية ضد الاحتلال، وستفتح صفحة جديدة كانت قد أغلقت لمكافحة الغرب، وستقفل صفحة الحوار بين الشرق والغرب، وهذه حقائق لم يتنبه إليها أحد من القوى التى يسيل لعابها لتعيد سيرة الاستعمار القديم للسيطرة على منابع النفط فى الخليج، والتحكم فى قراره لمد النفوذ إلى كل خريطة الشرق الأوسط، حتى على القوى الوليدة فيه، لأن مفاتيح التقدم والنمو واستمراره، ومرهونة بمن يسيطر، ونحن نعرف أنهم مسيطرون بحكم أنهم كبار المستثمرين، والمتحكمون فى الإنتاج والنقل.
واليمين الأحمق فى هذه اللحظة الفريدة لا يريد أن يترك لأصحاب الأرض حتى لو كانت نسبة محدودة غير مؤثرة فى السيطرة على ما بقى من ثروات، إذا نفذت هذه الخطط، فهذا اليمين يريد فتح باب الضعف والثورة وتدمير منطقتنا لحسابات خاطئة، سرعان ما سوف يكتشفون خطأها وتكلفتها الاقتصادية المرعبة لهم ولنا.
نعود إلى الفارس، الذى شغل الدنيا تليفزيونياً محمد صبحى، أو حافظ نجيب ( فارس صبحى أو نجيب) كان اختياره قبل المسلسل مثيراً للجميع ومحبطاً لمن عارضوه، فقد اكتشفوا أن الضغوط التى مورست ضد المسلسل قبل إذاعته فشلت تماماً، بل إن هذه الضغوط أكسبت المسلسل مناعة وقوة وسرعة انتشار، وذلك طبيعى فى ظروف التحدى، والمنطقة العربية عكس كل العالم يكسبها التحدى مناعة، حتى الهزيمة لا تردعها، وقد تزيدها قوة، أظن أن تاريخنا الحافل بذلك دليل على ما نقول، لكن الخوف على منطقتنا ليس من الهزيمة بل من النصر، وهذا ليس غريباً علينا، فقد ذقنا مرارات الهزائم المتلاحقة، لكننا لم نتلاش أو نضعف، بل زادتنا الهزائم مناعة، وعادة ما تظهر فى هذه الحالة قوى متماسكة ومكافحة المحتل والاستمرار فى مقاومته بكل الوسائل والأساليب، لكن النصر عادة ما يجلب الاسترخاء وقد تعقبه الهزيمة.
ومادامت الحال كذلك، فإن ما نريده الآن هو تهيئة المناخ الصحى للحوار بين الشرق والغرب، حوار يحفظ مصالحهم، كما نحصل به على مصالحنا، فالصراع ومناخاته لن تحقق أهدافهم أو أهدافنا، فنحن فى عالم الحوار والعقل والقياس.
وفارس صبحى أو حافظ نجيب تم عرضه وأحبط من حاولوا اختبار قدرتنا بالاعتراف بالضعف والفشل لمنع المسلسل لمجرد شائعة أنه يتناول حقبة تاريخية تكشف ممارسات أو تسلط الضوء علي بروتوكولات لم تثبت صحتها تاريخياً، وكان جزءاً من اللعبة العالمية، التى مارسها الأوروبيون مع اليهود، ما بين الحربين العالميتين، لإضعافهم تاريخياً، تمهيداً لتصفيتهم، بعد ظهور النازية، تم كل ذلك بينما كان العرب بعيدين عن تلك اللعبة الخبيثة ولم يشر أى مرجع ثقة إلى أن العرب لعبوا ضد اليهود أو غيرهم، والأدق أنهم كانوا الملاذات الآمنة لحماية اليهود، وقت انتشار العداء ضدهم عالمياً، وبالرغم من توفير هذه الملاذات لليهود فإن العرب كانوا ثمن المصالحة أو الهدنة التى أعقبت الحرب العالمية الثانية، فحصل اليهود على وطن فى منطقتنا على حساب الشعب الفلسطينى، فاغتصبت أرضه التاريخية، فظل طريداً ومشرداً ومشتتاً فى كل بقاع العالم، وفى أوضاع إنسانية فى غاية السوء، سوف تثقل ضمير البشرية لأجيال قادمة، لأنه شعب دفع ثمن جريمة ارتكبها غيره، ودفع بها وطنه وأرضه وشبابه ومازال يدفع، ظل الضمير الإنسانى غائباً تماماً، وترك آلة الحرب العسكرية، وأحدث تكنولوجيا التسليح والجيوش تتعامل مع هذا الشعب هو مجرد شعب مدنى لا يملك أية آلة عسكرية، ويعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة، يواجه الآلة العسكرية الإسرائيلية التى استباحت كل شىء فى طريقها، لفرض إرادة (شعب وجنس ودين ) على شعب آخر ودين آخر وجنس آخر، وفى منطقة هم أصحاب الأغلبية فيها والحق أيضاً، والجميع يشاهد هذه المهزلة، التى تكشف عن تسلط القوة ومهانة الضعف، ولكن الذى لا يعرفونه هو أن للضعف قوة وأن للمهانة إرادة وأنها تتحين الفرصة للانفجار، وانفجارها صعب وقاس، على من أشعلوها وفجروها ولم يعطوا للعقل أو للضمير فرصة للتفكير.
نعود لفارس صبحى أو حافظ نجيب الذى بلا جواد، ونقول إننا بعد أن شاهدناه عرفنا جيداً أنه ليس فارسنا المنتظر، فهو فارس فالصو، وبلا جواد وأحبطنا مثلما أحبط من أثاروا معركته قبل إذاعته، استناداً إلى تسريبات أنه يحكى قصصاً وأساطير وخرافات، وتلك القصص لا تصنع فارساً حقيقياً، لكنها تصنع فارساً من ورق، قد يسلينا، ويبعث الدفء فينا بعد الصيام، ولكنه لا يشبعنا، ولا يعبر عنا، فالقصة ضعيفة والتشخيص بدائى، يركز علي البطولة الفردية، فالممثل هو الكاتب وقد يكون هو المخرج، لأن البطل هنا لا يعرف للفريق روحاً وتستهويه البطولة الفردية، أن يظل هو بطلنا الوحيد على الشاشة طول الوقت ويستهويه تغيير الشخصيات والوجوه، ليظل ملازماً لنا، حتى نمل ونبحث عن البديل.
مع ذلك شكراً لفارس صبحى أو حافظ نجيب، وكفى المسلسل هدفاً أنه فجر فينا القوة للبحث عن الفارس الحقيقى، لكنه يجب أن يكون بجواد عربى أصيل، ونعتقد أننا لا نريد فارساً فرداً، لكن نريده مجتمعاً وشعباً يتحول إلى مؤسسة أو مؤسسات كبرى تتطور سياسياً واقتصادياً، وتملك التنظيم والفاعلية والمكانة والقدرة، على البناء ورفع مستوى المعيشة والتعاون، والتعليم والتدريب فى كل المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لأن ذلك هو الفارس الحقيقى، وأدوات العصر وتكنولوجيته والتعليم أدوات الجواد الحقيقى، وكفانا استرخاء وضعفاً، ولنتجه إلى حوار حقيقى فعّال مع كل الشركاء فى عالمنا بلا خوف أو ضعف، لأن فارسنا بجواد عربى أصيل.