ضرب العراق

عاد الحديث يدور مرة أخرى عن خطط أمريكية لضرب العراق، وتصفية حكم الرئيس صدام حسين، والأحاديث متشعبة، هل هى ضربة جوية كعادة الولايات المتحدة فى تكسير البلاد وإحالة حياة العباد إلى كرب؟ وفى النهاية يفشل دائما هذا النوع من الضربات فى تحقيق الأهداف المرجوة.. ويجب ألا نستثنى الحالة الأفغانية من هذا الفشل رغم سقوط طالبان، لأن النجاح على الأرض لم يكن من صنع الأمريكيين، لأن التحالف الشمالى هو الذى كان يقاتل طالبان فعلا قبل الحرب الأمريكية فى بلاد الأفغان، وهو الذى حقق انتصارا على الأرض، بل إن كل المؤشرات كانت تدل على أن هزيمة طالبان لم تكن تحتاج إلى ضربات جوية، لكنها كانت تحتاج فقط إلى تقديم مساعدة عسكرية ولوجستية للتحالف الشمالى، مع وقف دعم باكستان السياسى والعسكرى لحركة طالبان.
لكن ظروف أحداث 11 سبتمبر، وحاجة الولايات المتحدة إلى تحقيق نصر عسكرى سريع، ولو ظاهريا، ليشفى غليل الأمريكيين، دفعهم بغرور القوة ورغبة رامسفيلد إلى معركة عسكرية بالطائرات، والضرب المستمر، لتصفية حركة طالبان، وبالرغم من النجاح الجزئى فى هذه المعركة بسقوط الحركة، وبدء حياة سياسية جديدة فى أفغانستان، فإن الأمريكيين فشلوا فى الوصول إلى ما كانوا يبحثون عنه، وهو بن لادن والظواهرى، وتنظيما القاعدة والجهاد، ولعل هذه المعركة بكل تداعياتها تصبح درسا واقعيا فى معرفة قدرة الأسلحة التكنولوجية والطائرات على الأرض فعليا، وتأكيد عجزها عن تحقيق الانتصار الحقيقى، كما أن التصفية الشكلية لدور الإرهاب والتطرف الدينى فى أفغانستان، لم تنه الحرب الطويلة والصعبة والشاقة على الإرهاب والمتطرفين التى تخوضها أمريكا وتحالفها العالمى حاليا، ومازالت الولايات المتحدة تعلن الحرب، وترغب فى توسيع رقعة مكافحة الإرهابيين فى كل أنحاء العالم، وتثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الحروب لن تجلب الأمن أو تحقق التغيير المنشود .
ولعل هذه الدروس وتلك المؤشرات تأكدت لدى الإدارة الأمريكية قبل أن تلجأ إلى الحل الأخير بالاندفاع برا وبحرا على العراق.
وكل الدراسات العسكرية تشير إلى حشد 250 ألف جندى أمريكى يطبقون على العراق برا.
وبعد أن تصدع التفكير الإستراتيجى باستخدام النمط الأفغانى لحملة عسكرية يتم القيام فيها بضربات جوية واستخدام العمليات الخاصة مع تحالف الجماعات المعارضة العراقية لصعوبة نجاح هذا المسلسل، حتى ولو جزئيا، لفشل الضربات الجوية فى التغيير داخل العراق الذى يحصن نفسه ضد الحرب الأمريكية، بالضربات بمثل هذه الكيفية، ولضعف المعارضة العراقية وعدم قدرتها على القتال.
ونحن هنا لا نهدد الأمريكيين كما يفعل البعض بقدرة النظام العراقى وبما يملكه من مخزونات الأسلحة وعدم سقوطه بسهولة، وبتكرار مسلسل الفشل العسكرى، لكن نريد من الأمريكيين تحكيم العقل، ومعرفة طبيعة المعركة القادمة، ودراسة آثارها النفسية والمعنوية على الشعوب، وقد نعترف بأن الأمريكيين يملكون القدرة العسكرية على إلحاق الضرر بالعراق وبشعبه، لكنهم لا يملكون إرادة التغيير، وفى هذه الحالة فإن هذه ستكون هزيمة معنوية شديدة لهم، بالإضافة إلى أن منطقة الشرق الأوسط ملتهبة بكل أنواع النيران والصراعات، ولا يمكن لأى مواطن عربى فى المغرب العربى وشمال إفريقيا ومصر والسودان والشام والخليج العربى بما فيها الكويت التى شكل احتلالها فى عام 1990 أزمة العراق الراهنة يقبل بهذا العدوان الأمريكى الجديد على العراق.
وقد يكون الأمريكيون فى حالتهم الراهنة لا يعطون الشعوب حقها فى التغيير الموضوعى، بل يضربون الحائط برغبات وطموحات الشعوب العربية لضعفها فى اللحظة الراهنة، ويركزون على القوة بكل تداعياتها، لكن تحذيرنا هنا ينصب تحديدا على أنهم لن يحققوا أهدافهم المعلنة، بل إن الفشل سيكون من نصيب الحملة العسكرية.
لكن خوفنا من الحروب والخسائر الجسيمة التى تتكبدها الشعوب، هو الذى يدفعنا إلى توجيه رسائل مستمرة إلى النظام العراقى، بضرورة استمرار العمل على التكيف مع النظام العالمى، ويصعّب اللجوء إلى الحل العسكرى على واشنطن، وذلك بالبدء فورا فى استكمال الحوار العراقى الخليجى، وتحديدا الحوار الكويتى العراقى، لتصفية ما تبقى من آثار الغزو، وتطمين المجتمع الدولى والأمم المتحدة بقبول لجان التفتيش الدولية، وإعلان خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل بكل أشكالها، لأن هذا الهدف إذا تحقق سيجعل لجوء الولايات المتحدة الأمريكية للحرب، والضرب بمثابة انتحار سياسى وانكشاف وضعف ومراهقة لحكومتها وإدارتها السياسية.
وأمام العراق فرص كثيرة لتفادى الحروب وهزيمة الولايات المتحدة ليس عسكريا بل سياسيا بتفريغ الحملة العسكرية من مضمونها وأهدافها المعلنة، ليكون الإفلاس الأمريكى ليس سياسيا فقط، بل أخلاقيا كذلك.
أمريكا تعيد التفكير فمتى نعيد نحن تفكيرنا؟
أمريكا تعيد النظر أو تفكر من جديد، هذا ما نلمسه من بعض الأحاديث الأمريكية الأخيرة، وقد استوقفنى حديث كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومى الذى لم ترفض فيه فكرة أن تكون أمريكا شرطى العالم القادم فقط، لكنها بررت أو فسرت السياسات الأمريكية بلغة جديدة، قد تكون مقدمة للتغيير الأمريكى، ولنتأمل هذا التغيير فى الشرق الأوسط، طالبت رايس الإسرائيليين بوقف قتل الفلسطينيين، وبالعمل علىتحسين ظروف معيشتهم، وطالبت الفلسطينيين بإصلاح مؤسساتهم، حتى تقوم الدولة الفلسطينية، ليس على الإرهاب، بل بمؤسسات ديمقراطية فعّالة، أما الحديث عن عرفات فقد تحفظت وقالت إن الأمريكيين يرفضون اختيار زعماء الشعب الفلسطينى، وأن الأهمية للقضية وليست لعرفات، لكن المشكلة تكمن فى أن الفلسطينيين يجب أن يجدوا قيادة ومؤسسات تسمح لهم بالتقدم إلى الأمام.
وحتى يتحقق ذلك يجب أن يتضمن ذلك نهاية الاحتلال الإسرائيلى، وأن تكون هناك مفاوضات جدية حول الحدود.
كل ذلك كان محاطا بالرأى الأمريكى فى أنهم مشغولون بحرب الإرهاب وحماية الإسرائيليين وظهور قادة موثوق بهم لإيجاد حل لهذه المشكلة.
وتقول كوندوليزا رايس، لقد قلنا للإسرائيليين. إنه حتى يتم قيام الدولة الفلسطينية تجب إعادة حرية الحركة وإتاحة فرص عمل للفلسطينيين فى إسرائيل لإعادة الحياة الاقتصادية، على أن يأخذ كل القادة الفلسطينيين والعرب موقفا واضحا ضد الاعتداءات الانتحارية، هناك مهمة يجب إنجازها ومبادرات يجب اتخاذها.
هذا النهج مع وجود خطاب بوش فى 4 إبريل الماضى عن مسئولية كل أطراف المنطقة فى إحلال السلام، يجب أن يغير لغاتنا وأحاديثنا فى الشرق الأوسط، حول السلام والدولة الفلسطينية، وأن نتمسك بخيوط التغيير ونتجه صوب تحقيق الأهداف، وألا يكتفى بعضنا بتوجيه الاتهامات واللوم فقط مع إبداء العجز فى الحركة ننحو التغيير السياسى.
ما يطرحه الأمريكيون يعنى أن هناك تغيرا جوهريا يراعى مصالح الفلسطينيين، وإضاعة الفرصة هذه المرة دون الإمساك بها واستثمارها، لا يعنى ضياع الحق الفلسطينى، لكن يعنى أن هذا الجيل قد أعلن عن إفلاسه السياسى وعدم قدرته على النجاح، وترك المسئولية للأجيال القادمة، فى ظروف أصعب وأسوأ، وهذا ليس شيمة الرجال والسياسيين، الذين يراعون مصالح شعوبهم ومستقبلهم، لكنه شيمة الجبناء الذىن يهربون من الدنيا ويتركون لأبنائهم هزائمهم بدون حلول