الشقراء التى تبحث عنها إسرائيل

شغلت المرأة الشقراء التى تبحث عنها وزارة الخارجية الإسرائيلية الاهتمام أكثر من انشغال العالم الآن بكأس العالم!
وتلك المرأة ذات مواصفات خاصة، أهمها أنها شقراء وجميلة وحسنة النطق، تدخل القلوب بسرعة، وتعطى انطباعاً إيجابياً منذ اللحظة الأولى.. كانت مواصفات تلك المرأة هى إحدى التوصيات المهمة التى اقترحها أحد مكاتب الاستشارات الإعلامية، فى إطار خطة إعلامية تهدف لتحسين صورة إسرائيل أمام العالم، فى أعقاب التدهور الذى أصابها بعد الاعتداءات السافرة ضد الفلسطينيين، والانهيارات التى أصابت أوضاعها الاقتصادية.
الدبلوماسية الإسرائيلية كثفت اتجاهاتها فى البحث عن المرأة المطلوبة داخل مكاتب وزارة الخارجية، فلم تجدها، وكان الهدف التالى هو البحث عنها فى الخارج، مع وضع ميزانية جديدة للدعاية، وتناست الحكومة أن الأزمة فى ظل وجود المرأة المطلوبة لن تتغير، فحجم الخسائر التى أصيبت بها إسرائيل فى ظل حكم شارون كبير، ولا يمكن تجاوزه بالشقراء المطلوبة، حتى لو وضعت كل مساحيق الأرض لإخفاء عيوبها القاتلة، فالتجميل مهما بلغت دقته غير قادر على تغيير أو إخفاء الأوضاع والوجوه القبيحة.
ولو أرادت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن نصارحها القول، فالأفضل لها أن تواجه الأزمة الحقيقية، التى وضعها فيها آرييل شارون واليمين المتطرف، ليس فقط لإنقاذ أوضاعهم الداخلية المنهارة أو سمعتهم العالمية المتدهورة، ولكن أيضاً لإنقاذ مستقبل إسرائيل نفسه وإنقاذ شعبها، وأقصر الطرق لذلك هو الاعتراف بخطيئة الاحتلال، والتسليم بحق الفلسطينيين فى دولة مستقلة خاصة أن الظروف العالمية مهيأة لتحقيق تلك الأهداف، فالعالم من حولنا اكتشف أن مصدر التوتر العالمى يكمن فى إسرائيل، وأن وجودها فى قلب الشرق الأوسط بسياساتها الراهنة سبب تدهور مناخ الاستقرار الإقليمى والعالمى، بل كان السبب المباشر وراء بروز التيارات الإرهابية والمتطرفة، فالتطرف الدينى الإسرائيلى داخل الأرض المحتلة، أشعل ظاهرة التطرف التى ظهرت فى بلدان الشرق الأوسط، وأدى ظهور دولة دينية إسرائيلية متعصبة إلى تشجيع التيار الإسلامى المتطرف وأعطاه مبرر وجوده، بل خلق استحقاقه، فالتطرف حسب وجهة نظرهم لا يواجه إلا بتطرف مثله، وأصبح هذا هو الشعور الإقليمى فى منطقتنا، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة، وظهور النزعة العالمية لمواجهة ما أسموه بالتطرف الإسلامى، فلماذا لا توجه أمريكا والغرب اهتماماتهما للحد من غلواء التطرف الدينى اليهودى، باعتباره السبب الرئيسى فى انتشار العداء وعدم التعايش السلمى فى منطقة الشرق الأوسط وأنه السبب الرئيسى فى الاضطرابات الإقليمية الراهنة، بل امتدت نيرانه إلى إسرائيل نفسها، وباغتيال إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، الذى أبدى مرونة تجاه الحق الفلسطينى وطالب بالتعايش بين الشعبين، وقطع خطوات فى طريق السلام.
ولم يكتف التيار الإسرائيلى الدينى المتطرف والمتعصب بارتكاب جريمة القتل المباشر، بل استولى على السلطة بكل غلوائه، فيما ظهر العالم الجديد بقيادة الولايات المتحدة فى صورة المواجه لظاهرة التطرف الدينى الإسلامى وإرهابه، بينما وياللغرابة يقف عاجزاً بل مبرراً للتطرف والتعصب الدينى الإسرائيلى البغيض.
وبينما كانت الدول الإسلامية نفسها تصحح وتعيد هيكلة أعمالها وسياساتها بعد سقوط طالبان فى أفغانستان، كان التطرف الدينى الإسرائيلى يتخفى بخبث فى ثياب المقاتلين ضد الإرهاب، ليمارس الإرهاب بوجهه البغيض والمتعصب ضد الشعب الفلسطينى المحتل، وتصور اليمينيون الإسرائيليون أنهم من الممكن أن يخدعوا العالم طويلاً ويخفوا وجوههم القبيحة والبغيضة عن الجميع بحجة أنهم مقاتلون فى خندق الحرية والعدل وتخليص العالم من الإرهاب..
ونسوا أنهم ارتكبوا ـ ضمن ما ارتكبوا ـ ثلاث جرائم فى وقت واحد، الأولى فى حق من يقاتلون فعلاً ضد الإرهاب فشوهوا الحرب المشروعة، بل لطخوا ثيابها ببقع الإرهاب والتطرف اليمينى البغيض، والأخطر أنهم أعطوا الإرهابيين مبرراً لوجودهم أمام الشارع العربى مما نجم عنه قلب الحقائق وإضعاف الحرب المشروعة ضد التطرف والإرهاب.
وثانى الجرائم أنهم كرسوا ازدواجية العالم وتعصبه وأنه يكيل بمكاييل عديدة فهو قوى وأسد شرس ضد إرهاب المسلمين، وقط غرير وضعيف ضد الإرهاب وتعصب اليهود، بل بلغت وقاحة المتطرفين فى إسرائيل حداً لا يطاق عندما حاصروا كنيسة المهد، ولفقوا الادعاءات ضد المسلمين والمسيحيين معاً، ففضحوا النظام العالمى الجديد وعدم أخلاقيته دفعة واحدة، ليس أمام العالم هذه المرة، بل أمام أقطابه أنفسهم، فلأول مرة يعجز الأوروبيون عن أن ينظروا إلى أنفسهم فى المرآة، واندلعت المظاهرات في كل العالم، وظهرت حقيقة التطرف الدينى فى إسرائيل ولأول مرة يخاف العالم الغربى، أن تقارن إسرائيل وحكومتها فى هذه اللحظة بحركة طالبان فى أفغانستان، وكان الضمير الأوروبى والأمريكى يتحدث فى السر، بأن هناك أهدافاً مشتركة للمتطرفين فى كلا الجانبين، وأن مصلحتهما مشتركة وهى إشعال النيران والحرائق فى كل العالم لأسباب غير معروفة، إلا لشهوة التدمير فى النفوس المريضة، وبالتالى انكشف المستور الإسرائيلى.
وأصبحت المقارنة واضحة بين دولة دينية متطرفة في أفغانستان بزعامة طالبان ودولة دينية متطرفة فى إسرائيل بزعامة شارون، وحركة الليكود بعد أن سيطر عليها أكثر التيارات المتشددة رفضاً للتعايش والسلام الإقليمى.
أما ثالثة الجرائم.. فكانت ضد إسرائيل نفسها بعد أن وجدت طريقها بعد 54 عاماً من التخبط والتطرف والاستيلاء على حقوق الغير، ففى اللحظة المناسبة التى نالوا فيها اعترافاً عربياً وعالمياً بالتعايش الإقليمى فى ظل سلام عادل وشامل، واعتراف بحقوق العرب والفلسطينيين وقيام دولتهم، قفز المتطرفون إلى السلطة وخدعوا الإسرائيليين وصوروا لهم أن طريق الاستقرار لا يمر إلا عبر الدماء الكثيفة وسيكون لهذه المغالطة أو الجريمة ثمن فادح ستدفعه إسرائيل، ليس للعرب وحدهم أو للفلسطينيين ولكن للعالم كله، فإذا كان العالم من الممكن أن يتغاضى عن الكثير من الجرائم، فإنه لا يمكن أن يتسامح فى جريمة إرهاب مركبة مزدوجة، ففى الوقت الذى يواجه فيه إهاباً، يعرض حياة البشرية ووجودها للخطر، فلن يتناسى أن المتطرفين الإسرائيليين والمتعصبين اليهود وقفوا ضد هذه الحقيقة، بل أسهموا فى إشعال نيران إرهاب وتعصب وتطرف إضافية، تلك الحقيقة أو الخديعة، من يدفع ثمنها!؟ هل سيدفع ثمنها المتطرفون الإسرائيليون، وقد يكونون قلة!؟ أم كل يهود العالم!؟ وعددهم 14 مليون نسمة، يأخذون نصيباً كبيراً من الثروة والنفوذ فى عالم اليوم، فمثلما دفع مليار مسلم ثمناً باهظاً لقلة من المتطرفين المسلمين، فسيدفع كل اليهود فى العالم، ثمن قلة من المتطرفين الإسرائيليين استولوا على السلطة فى بلادهم، وقفزوا بالصراع العربى ـ الإسرائيلى إلى المجهول، فى الوقت الذى اعترف فيه العرب بوجودهم وقدموا لهم مبادرات سلام متتالية.. أى موقف غريب وضع فيه المتطرفون الإسرائيليون بلادهم ومستقبلهم فيه، فى ظرف صعب ودقيق وحرج!؟
تلك هى المرأة الشقراء التى يبحث عنها الدبلوماسيون الإسرائيليون، والتى تركت إسرائيل هرباً من الجحيم والحروب التى وضعهم فيها الفريق الذى قفز إلى السلطة فى إسرائيل فهل يستيقظ العقلاء سواء هناك أم فى العالم ليضعوا حداً لهذا التطرف ويوقفوا نزيف الدماء التى تسيل فى الشرق الأوسط، أم يهربوا بعيداً، ويختلقوا الحجج والأوهام والتبريرات حتى يمهدوا الأرض للتطرف والإرهاب الذى سيأكل الأخضر واليابس فى إقليمنا الضحية فهل يستيقظ العقل والضمير العالمى لنقول للتطرف والإرهاب ـ أياً كان دينه أو مصدره ـ كفى ولنفتح صفحة جديدة للشرق المنتظر!؟