مقالات الأهرام العربى

غضب الشعب

إذا كان الفرنسيون قد أدركوا غضب العالم الديمقراطى عندما انتخبوا لوبان، لينافس شيراك فى الجولة الأولى للانتخابات، ثم حدثت الهبة الفرنسية للدفاع عن الجمهورية، ومحاصرة أنصار لوبان فى 18 من أصوات الناخبين وانتصرت الجمهورية فى محاصرة التطرف، فإن القادة العرب فى منطقتنا يجب أن يدركوا غضب الشعب العربى من المحيط إلى الخليج.

غضب الشعب له أسباب عديدة، وإن كان ينصب فى البداية على ترك الفلسطينيين فريسة لشارون السفاح، فإن له أسباباً أخرى، ولكن علينا أن نعترف بأن من حق الشعب أن يغضب فهو ليس مسئولاً عن ضعف الحكومات وعدم قدرتها على التدخل السريع والحاسم بأى شكل من الأشكال ضد قمع شارون ووضعه فى حجمه الطبيعى، وحماية الشعب الفلسطينى الأعزل، من آلة القمع العسكرى الإسرائيلية.

فالمرأة الفلسطينية والطفل الفلسطينى وأهالى مخيمات جنين ورام الله وباقى المدن الفلسطينية، والمصلون فى المسجد الأقصى، والمصلون فى كنيسة المهد، كل هؤلاء ليسوا مسئولون عن ضعف القادة أو حتى أخطائهم، ولكنهم يدفعون الثمن دائماً.

غضب الشعب ـ إذن ـ يجب أن يكون له كل الاحترام، فكلنا مسئولون عن الكارثة التى حلت بفلسطين وبالسلطة الفلسطينية، ولكن الشعب الفلسطينى ليس مسئولاً، كما أن الشعوب العربية التى شاهدت كارثة الفلسطينيين على الهواء مباشرة ليست مسئولة، كل هؤلاء تضرروا، وشعروا من داخلهم بأن لهم حكومات ضعيفة، لا تستطيع أن تتحمل المسئولية، وأن أخطاءها متراكمة ومتكررة وأنهم لا يخططون على المدى الطويل، ولكنهم يتنافسون على أشياء صغيرة، وينكرون حقائق التاريخ، وأخطاؤهم تتكرر، فالشعب الفلسطينى كان دائماً ضحية أخطاء العرب، وكذلك أخطاء سلطته، لأن الجميع تركه فريسة لعدو وحشى لا يرحم، يزرع الكراهية والبغضاء، يستأسد على شعب أعزل، ويستغل أخطاء قادته لا ليهزم القادة، ولكن ليهزم الشعب ويقمعه، فاستحق هذا العدو ازدراءنا وكراهيتنا.

لكننا لا ننسى أخطاء من أوصلونا إلى هذا الموقف الحرج ألا وهو ضعف القادة، وعدم قدرتهم على تلمس الأخطاء قبل أن تصبح كوارث واستهتارهم بمصائر شعوبهم وضعفهم وانهيارهم وتهافتهم على السلطة والمصالح الصغيرة، وعدم إدراكهم لكيفية استخدام القوة وممارسة السلطة، وأوراق الضغط الكثيرة التى فى أيديهم  وأنهم أغبياء يكررون أخطاءهم ولا يتعلمون منها.

والفلسطينيون ليسوا أول شعب يدفع ثمن أخطاء لم يرتكبها، فالعراقيون أيضاً يدفعون ثمناً باهظاً لجرائم يرتكبها قادتهم وزعماؤهم ولكن مشكلة الشعب الفلسطينى أكثر عمقاً وعدلاً لأنهم فى صراع مع عدو يكن لنا الكراهية العميقة، ويسعى ليبذر بذور الشقاق واقتناص الفرص لأخذنا بأخطائنا وسوء تقديرانا، وعادة نحن نقع أسرى أنفسنا، ونكرر أخطاء الماضى، ونمد العدو دائماً بالوقود لكى يحرقنا ويهزمنا، بينما يخرج هو نظيفاً أمام الرأى العام مبرراً أخطاءه وجرائمه وشارحاً كيف أننا عنصريون، نسعى لإبادته ولا نحترم ديانته، وأن تخلفنا وراء ضعفنا وتآمرنا، وعادة ما يرتكب قادة الرأى عندنا الخطأ والخطيئة بتملقهم الشارع، وحتى يكسبوه يجب أن نشتم العدو ونحقر دينه، ونستخدم كل صغيرة أو كتابة أو رأى من أعماق التاريخ لكى نسبه، وبذلك نرتكب الخطيئة مرتين، عندما نسب الرأى العام ونحقر الأديان فى حين إنه يجب أن تحترم الشعوب كل الأديان، فيكسب العدو مرتين، الأولى فى اقتناصنا وأخذنا بأخطائنا، فى الاستئساد على شعوبنا، ثم تبرير جريمته أمام الرأى العام العالمى، يجب أن ننتبه إلى أننا يجب ألا نخطىء وأن نحافظ على احترامنا للرأى العام سواء فى بلادنا أم حتى فى بلاد العدو، وفى العالم من حولنا، لكى نكشف جرائم التطرف والإرهاب التى تقوم بها إسرائيل، ونكشف حكومتها العنصرية، يجب أن نبرىء الأديان ونجعلها خارج الصراع ونبرىء الشعوب من جرائم الحكومات، حتى نكسب احترام الشارع فى كل مكان.

غضب الشارع مبرر، فهو ليس مسئولاً عما يحدث وهو يسمع دائماً لغة تزيده اشتعالاً، لغة سطحية تغذى النيران ولا تنير الطريق، كيف يمكن له أن يجتاز لحظات الهزيمة ويعبر الطريق نحو الاستقرار، وأن يكون مثل شعوب الأرض.

شارعنا العربى، تعرض لمعركة قاسية، شاهد أمامه دبابات وطائرات وصواريخ ومجانين يركبونها ويتجولون فى الشوارع، يضربون الآمنين فى بيوتهم، يعتدون على المساجد والكنائس، يقتلون أطفالنا ونساءنا، يدخلون على الفقراء فى بيوتهم المتواضعة ويهدمونها على رءوسهم، شارعنا العربى شهد جريمة متكررة ومزدوجة، معركة المخيمات ومجزرة جنين التى أثخنت الضمير العربى وأعادت جراح كارثة 1948، أمام أعيننا، إسرائيل وأمريكا استكثرت على أبناء المخيمات، مخيماتهم بعد أن سرقت منهم بلادهم.

الإسرائيليون يعيشون فى بيوت جميلة ويسرقون حدائق العنب والكروم، ويستأسدون بدبابات الدولة العظمى، لكى يقتلوا سكان المخيمات بعد أن طردوا من بلادهم، ماذا يفعل الشارع العربى أمام هذه الفاجعة الكبرى، يجب أن يغضب، ويخرج عن وعيه، ويتهم الجميع، وله فى ذلك كل الحق، هذا الشعب فى حاجة لكى نفهم غضبه، ونسعى لكى نستجيب إليه، ليس برد فعل أحمق تبريرى يدمر، وينسى الحقائق على الأرض، ولكن بعمل طويل معمق يحترم إرادة الشعب فى التغيير ويعطيه حقوقه ويعزل الجبناء، ويفتح الطريق أمام تطوير الأمة، وبعثها من جديد.

شارعنا العربى، تعرض لضربات متتالية ومتكررة أصابته فى مقتل فلم يكد يخرج من مأساة 11 سبتمبر فى أمريكا، والتى اتهم فيها العرب والمسلمون بلا تحقيق، حتى ولو كان هناك نفر منهم ارتكب هذه الجريمة البشعة، ولم يثبت ذلك حتى الآن، فإن الشارع العربى والإنسان البسيط فى الحقل والمزرعة والمصنع والجامعة، ليس مسئولاً عن جريمة المتطرفين والإرهابيين، ولكنه ظلم الأقوياء، يأخذون الكل بجريرة نفر من المتطرفين كانوا أول من أعلن الحرب على شعوبنا نحن، لكى يجعلونا جميعاً مثلهم، نأكل ونلبس ونفكر ونعمل، كما يعملون ويفكرون، وعندما رفضنا التطرف والإرهاب خرجوا علينا تحت سمع وبصر العالم الذى وقف موقف المتفرج على كوارثنا، وحملنا المسئولية، لأننا لا نملك الديمقراطية وحقوق الإنسان ولا نملك اقتصاده ورفاهيته وتعليمه المستنير، وعندما خرج هؤلاء الإرهابيون على العالم، وارتكبوا جريمة 11 سبتمبر، لم يدفع الإرهابيون والمتطرفون ثمن الجريمة وحدهم، ولكن دفعها كل فرد من الشارع العربى، حيث تلاحقنا جميعاً، لعنة التطرف والتخلف، ومسئولية الجريمة الشنعاء، لم نكد ننتهى من أحداث أفغانستان والتطرف والإرهاب، حتى كانت أحداث فلسطين وجريمة إسرائيل الكبرى التى هى جزء من الثمن الذى يجب أن ندفعه كما يزعم الغرب الديمقراطى.

وإذا عدنا إلى الوراء لاكتشفنا أن الشارع العربى منذ عقد تقريباً، لم ينته ولم يفق من الحروب والكوارث منذ حرب الخليج الثانية، التى أفقرت الأغنياء ودمرت العراق، وقبلها بقليل كانت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران التى دمرت الجذور، وشغلت الوجدان وخلقت المرارات بين المسلمين وفجرت الطائفية بين السنة والشيعة داخل الديانة الواحدة.

وقبلها وخلالها، حروب لبنان الطائفية الطويلة ومراراتها وبينها جميعاً غياب حق الشعب فى العمل والتنقل والتعليم، وحرية الرأى وممارسة الحياة الطبيعية فى أرجاء منطقته التى تأكلها الحروب والسياسات الخاطئة.

ماذا يفعل الشارع العربى، هل إذا طالبناه بالحكمة والتعقل؟ نكون حكماء أم مخطئين؟ لا نملك إلا أن نطالبه بذلك مع أن أى خطأ يرتكبه حكامنا لا يدفعون ثمنه، ولكننا نحن وحدنا الذين ندفع الثمن، لذا فإننا لا نملك إلا أن نتحلى بالحكمة، ونتمسك بأهداب الفضيلة ونطالب حكامنا بتضميد جراح الشارع العربى وتحمل كل ما أصابه من حالات الخروج عن الوعى أو عدم القدرة على فهم ما يحدث حوله، فهو أكبر من طاقته على التحمل.

أو لنقل مع صلاح عبدالصبور..

طال الكلام .. مضى المساء لجاجة طال الكلام

………….

ويظل يسعل والحياة تجف فى عينيه إنسان يموت والكتب والأفكار مازالت تسد جبالها وجه الطريق وجه الطريق إلى السلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى