مبارك القدرة وتجاوز العقبات الكبرى

أردت أن أرسل بطاقة تحية للقائد المصرى، الرئيس حسنى مبارك بمناسبة عيد ميلاده فى هذا الوقت الحساس والصعب من تاريخ العرب، ولأن الزمن والعقبات الكبرى يمتحنان معدن القائد ليكشفا عن قدرته وصلابته على تجاوز المحن، فإن استخلاص مسار حسنى مبارك أظهر لى تماما أن الزمن ادخره لعالمنا لنتجاوز به وبقدرته وحكمته وعمق انتمائه عربيا، أخطاء وتراكمات أدت إلى إضعاف العرب عالميا، بل أوقعتهم فى براثن أعدائهم، وانتزعت هذه الأخطاء القرار من أيديهم إلى أيدى من يخططون للإيقاع بهم، وتهميش دورهم، لجعلهم أضعف الشعوب، فتلاحقهم الهزائم، وذلك لأنهم لا يستخدمون عقولهم، ويقعون دائما أسرى للأهواء والعواطف.
وحتى نكون محددين ففى العصر الحديث الذى شهد حكم الرئيس حسنى مبارك لأكبر بلد عربى هو مصر، مرت بمنطقتنا ثلاث كوارث كبرى أثرت على أوضاعها.
الأولى كانت حرب 5 يونيو 1967، ونتائجها الكارثية على المنطقة العربية التى أدت إلى احتلال إسرائيل لكامل التراب الفلسطينى الضفة الغربية والقدس وغزة، المناطق التى نتفاوض حولها الآن. وأراضى الجولان من سوريا، وسيناء وهى ثلاثة أضعاف دولة فلسطين كلها قبل الاحتلال، هذه الكارثة وقعت فى أثناء ما كان حسنى مبارك ضابطا فى سلاح الطيران المصرى، ولم يكن مسئولا عن شىء، وإن كنا لا نريد أن نخوض فى مسئولية الهزيمة، فإننا نرى أن دور القائد برز بعد الهزيمة التى لم يكن مسئولا عنها، فكان أحد صناع النصر، الذى اجتازت به بلادنا الهزيمة، وقبل أن يكون فاتحا باب النصر بأكبر ضربة جوية، زلزلت كيان إسرائيل، وفتحت الطريق للعبور الصعب الشاق باختراق حاجز قناة السويس، وتدمير خط بارليف، وإعادة الجندى المصرى إلى الضفة الشرقية للقناة، كان حسنى مبارك قائدا للكلية الجوية، مصنع الطيارين البواسل، الذين قادروا سلاح الطيران للنصر، وكل من يحكى عن تلك الفترة، يتذكر قائد الكلية الجوية، الذى أعاد الانضباط إلى هذا المكان الحيوى، الذى لولاه ما استطعنا النصر، فالطيران كان السلاح الأول الذى هزمنا فى 67 عندما ضربت طائراتنا ومطاراتنا وقواعدنا على الأرض، بينما كان القائد الأعلى فى ذلك الوقت يتحدث تليفونيا عن قدرته ويتنبأ بميعاد المعركة. والقائد التنفيذى يسهر مع أركان حربه، وهناك القصص الكثيرة التى تحكى عن 1967، وكأنه زمن انتهى فى حين أننا نعيشه، ولم ينته، وبالرغم من أننا لم نحرر بعد التراب كاملا.
صحيح اجتازت مصر 1967 حربا وسلاما، وقاتلت بقواتها المسلحة، وفرضت النصر، بعد أن جعلت التخطيط والعلم نبراسها وطريقها واستطاعت فى خمس سنوات إعادة بناء قواتها المسلحة، واتخذت قرارا صعبا للتحرير، ومضت فيه بشجاعة الجنود وبسالة الضباط، وحكمة وعبقرية القادة الذىن صنعوا النصر على عدو يملك كل الأسلحة وتدعمه أمريكا بأحدث التكنولوجيا والعالم بكل مؤسساته كان ولايزال يؤمِّن وجود إسرائيل، التى أنشئت بقرار من الأمم المتحدة، وبدعم أمريكى أوروبى، ومع الاتحاد السوفيتى، وكانت ومازالت تلك الدول تستفيد من أخطاء العرب لصالح إسرائيل.
وأزمة 1967 أو كارثة ذلك العام ماثلة أمامنا الآن، فالأرض التى نتطلع إلى تحريرها كانت تحت أيدينا. تلك الهزيمة وهى أرض دولة فلسطين فى المستقبل.
وإذا عدنا إلى الوقت الحاضر فسنجد أن دور الرئيس حسنى مبارك فى هذه الكارثة الصعبة التى مرت على منطقتنا لم يقتصر على صناعة النصر فقط، بل واصل إدارته للتحرير، فعندما تولى مسئولية القيادة استطاع أن يحصن حدود مصر مع إسرائيل باستكمال انسحابها من التراب الوطنى كاملا، وبرفع أعلامنا بامتداد حدود مصر.
وللمرة الأولى فى تاريخنا الحديث يتم تأمين حدود مصر بصرامة مع عدو تربص ويتربص ببلادنا، ويدعى هذا العدو أن حدوده من النيل إلى الفرات، واستطاع مبارك أخيرا أن يحصل على اتفاقية تتضمن حدودا، حتى من خلال الحرب والسلام، والتحكيم حتى آخر نقطة فى طابا، وكانت معركته فى طابا حتى النفس الأخير اختبرت فيها البلاد حكمة السياسى وقدرته، بعد أن اختبرت قدرته العسكرية الفذة فى أكتوبر 1973، واستطاعت أن تسهم فى النصر وتحققه مع رفاقه، وللمرة الأولى تشهد بلادنا قائدا عسكريا يحقق النصر، ويحصل على نيشان المعركة وليس قائدا أو قادة يتحدثون فقط عن المعارك، لكن لا يدخلونها حقيقة.
أما الكارثة الثانية التى مرت بمنطقتنا فقد كانت بعيدة عن حدودنا، لم نصنعها ولا نتحمل مسئولياتها، لكننا شاركنا فى الحد من أخطارها الصعبة، وأعنى حرب تحرير الكويت بعد احتلالها من العراق فى 2 أغسطس 1990، ولن نتحدث عن تلك الحرب، وما زرعته من شقاق بين العرب ، وما كانت تستهدفه من تمزيق النظام العربى كله، وانتقالنا إلى مرحلة من الفوضى الشاملة.
وقد كان الرئيس حسنى مبارك فى هذه الحرب وتلك الأزمة الصعبة بارزا، وبذل جهدا خارقا لتجنيب العراق الضرب أو المواجهة، لكنه لم يستطع، وتحملت منطقتنا أخطارا فادحة، قللت من قدرتها على مواجهة عدونا الرئيسى الذى يتربص بنا دائما.
لكن يحسب للرئيس مبارك فى المعركة أنه كان حريصا على الاستقرار العربى، وحماية النظام العربى من الانهيار، وأدار تلك الأزمة بحنكة واقتدار أنقذ المنطقة من خلال تحجيمها حتى لا تمتد إلى بقية العالم العربى، وتعود به إلى مرحلة ما قبل الاستقلال.
أما الأزمة الثالثة فقد خلقتها أزمة التطرف وظهور الجماعات الإرهابية فى منطقتنا، وصولا إلى أحداث 11 سبتمبر الكارثية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهى أزمة تعادل مقارنة بالكوارث العالمية وما نتج عنها من تغييرات جذرية، سقوط الاتحاد السوفيتى، وسقوط النظام العالمى ثنائى القطبية، وظهور مفهوم القطب الأوحد، فى تلك الأزمة المأساوية حدث تغيير جذرى عما كان عليه العالم قبل وقوعها بالنظر إلى أنها عرضت مصالح وهيبة القطب الأوحد للخطر، وفى هذه الأزمة أيضا كانت حكمة الرئيس حسنى مبارك سابقة عليها، فهو الذى حذر من الإرهاب، فبداية واجهه فى مصر بالقانون والعمل الدءوب على كشف أخطاره للمصريين والعالم، فاستطاع الحد من خطورته بمواجهته بخطة طويلة، لم تستدع القتال، أو إعلان الحرب مثل الدولة العظمى عندما واجهت هذه الظاهرة الصعبة، هذه الأخطار ترتب عليها الكثير بالنسبة للعرب ومكانتهم فى كل الأحوال، لكن إدارة مبارك لهذه الأزمات، خلقت واقعا يتسم بالحكمة والرؤية البارعة على تجاوز الأخطار، بل خلقت واقعا جديدا، وإن كانت أوضاع الغير تؤثر علينا.
تذكرت كل ذلك ونحن نعيش الأزمة الراهنة التى تواجهها منطقتنا بعد العدوان الإسرائيلى على الأراضى الفلسطينية، لكى أرصد حكمة الرجل والقائد وعمق صبره على تحمل أخطاء الآخرين، وتجاوزها بسياسات أخرى مختلفة لا تصحح الماضى فقط، بل تنشىء واقعا جديدا للمستقبل.
بالرغم من أن مبارك لا يتحمل أوزار السياسات الخاطئة التى أوقعت منطقتنا فى مشاكل عديدة، لكنه يرى أنه من الضرورى أن يعمل بجد وإخلاص على أن يصل بالمنطقة العربية كلها إلى بر الأمان، وليس مصر وحدها، فهو الذى تدخل عندما وجد أن إسرائيل تتربص بلبنان، وذهب إلى هناك ليعلن أن الاعتداء عليها هو اعتداء على مصر، لهذا تحمل إصلاح ما أفسده العدوان الإسرائيلى على الشعب اللبنانى لتتتضمن رسالته إن مصر بالرغم من توقيعها اتفاقية سلام مع إسرائيل، فإنها لن تتخلى عن أى شقيق عربى.
ومبارك هو القائد الذى تدخل لحماية سوريا عندما نشبت الأزمة مع تركيا، وكان التدخل السريع معنى موجه إلى تركيا للتأكيد على وحدة الأراضى العربية.
وفى فلسطين فإن رؤيته ومتابعته لمعرفة جذور الأزمة يضعنا على طريق الحل بمعايير العصر الذى نعيشه، فهو الذى كان وراء المفاوض الفلسطينى منذ أن عادت السلطة الفلسطينية إلى الأراضى المحتلة عقب اتفاق أوسلو.
ولتكن كل الحقائق واضحة، فإن مبارك هو الذى كاشف الأمريكيين بأخطائهم وتجاوزاتهم عندما استغلت إسرائيل حرب الإرهاب لتمتد شرورها إلى الشعب الفلسطينى، فإذا كانت الحملة الدولية ضد الإرهاب تهدف فى المقام الأول إلى حماية الإنسانية من شرور الإرهاب، وتهدف فى الوقت نفسه إلى القضاء على أسبابه الكامنة من نزاعات سياسية واختلافات فى الرؤى الاقتصادية والاجتماعية، فإن الرئيس مبارك هو الذى كشف فى خطابه الأخير للأمة فى عيد العمال عن أنه مع رفضنا القاطع لتوظيف أحداث 11 سبتمبر فى إطار الصراع بين الحضارات، فقد أظهرت تداعيات هذه الحملة واقعا جديدا يناقض تماما كل التأكيدات التى سارع الجميع من خلالها إلى طمأنة العالمين العربى والإسلامى إذا كان من المتوقع بعد أن نجحت الحرب على الإرهاب فى تحقيق أهدافها أن يتحول الجهد الدولى بنفس قوة الدفع نحو إيجاد تسويات عادلة ومنصفة للمشكلات القائمة وعلى رأسها مشكلة الشرق الأوسط.
ولعل إدارته لما حدث فى منطقتنا خلال الفترة الماضية وتجاوزه صعابها تجعله فى مكانة سامية وعالية، لأنه يقود مسيرة، ويتحمل أخطاء الآخرين.
ولعل آخر مبادراته العميقة مطالبته العرب بظهور نظام للأمن الجماعى العربى تجعله أكثر توافقا مع التغيير الذى طرأ فى العلاقة بين الأمن الدولى والأمن العربى من جهة، والعلاقة بين الأمن العربى ككل والأمن القومى لكل دولة عربية من جهة أخرى.
رؤية مبارك تستحق من العرب الاهتمام، فقد أثبتت الأيام والمحن التى مرت على منطقتنا قدرته الفذة على القيادة وتجاوز الصعاب، وأنه الحكيم القادر على اتخاذ القرار وتجاوز الصعاب.
تحية احترام وتقدير لهذا القائد فى عيد ميلاده، وكل عام وسيادتكم بخير، فلنا ولأمتنا فى قيادتك الأمان وضمان المستقبل.