الوزراء والحرية الغائبة

مناخ الحرية فى مصر يترعرع ويزداد قوة، وتلك حقيقة يجب ألا نتجاهلها، حصلت عليها فى البداية الصحافة، وتنتقل الآن عبر الفضائيات وشبكات الإنترنت، ولا يمكن أن نتجاهل أيضا أنه فى مناخ الحرية تحدث ويجب أن تحدث أخطاء وتصادم فى الآراء، واختلاف فى وجهات النظر، لكن يجب أن تحافظ الحرية على قيمة ألا تُستخدم هى نفسها كسلاح للتشهير والذم والقذف، كما أن المسئول المعاصر أصبح من واجباته أن يجيد لغة الحوار، وأن يتقبل النقد، ويقبل بالسؤال مهما كان قاسيا، أو حتى ساذجا، وصولا إلى الحقيقة، لأن السائل دائما يجمع ملاحظات وتساؤلات الشارع كمرجعية ينطلق منها، فهو وسيط ومعبر عن الرأى العام، ولذلك يجب على المسئول أن يعترف ويقر بأن كل فرد من حقه أن يعلم، وأن الأسئلة التى تتردد فى الشارع بلا إجابات تتحول إلى شائعات وتتراكم لتسبب الإحباط المجتمعى، وتؤثر علىمسار المجتمع، وتضعف كيانه، وإذا لم يجب المسئول ويتحمل تساؤلات الرأى العام، بل يقبل بالأسئلة التى تتهم، ويقدم معلومات جديدة وصحيحة ودقيقة يقبلها عقل السائل الذى أصبح يعرف كثيرا حيث تتدفق عليه المعلومات من كل الاتجاهات فإن المسئول لن يحصل على احترام الرأى العام، ولن يحقق عمله ـ مهما كان ـ الصورة التى يريدها، لأن الرأي العام فى عصر المعلومات أصبح شريكا فى العمل، وله رأى فيما يقدم، ويجب أن يعرف ويسمع جيدا ويُسمع له.
إن هذا يفرض على الحكومات أن تحترم قيمة الحوار، وتسلم بحق الإعلام فى أن يكون شريكا فى العمل العام، وشراكة الإعلام ليست للصحفيين والإعلاميين فهم الماكينة التى تدور عبرها هذه الميديا الهائلة، حتى تصل إلى جمهورها بل هى حق للجمهور الذى ارتفع وعيه وقدرته على هضم الآراء والمعلومات المتدفقة عبر الإعلام المسموع والمرئى والمكتوب، عبر الصحافة ـ محلية وأجنبية ـ والشبكة العالمية الإنترنت الذى أصبح لا يقبل من إعلامه أن يكون ضعيفا، أو غير مواكب للأحداث، ويرفض ـ وهذا حقه ـ إعلاما وصحافة مفصلة على مزاج السيد المسئول، ليتحدث ويتحدث عن إنجازاته فقط، لتحتل الصدارة وتستولى على العناوين، فى حين أن تساؤلات الناس والجمهور غائبة، أو تصيب السيد الوزير بالملل أو حتى التسلية، وربما تثير حنقه غير المبرر.
تلك مقدمة ضرورية لكى أتعايش جزئيا مع قارئى ومع السادة المسئولين، لكى نصل إلى رؤية مشتركة فى عصر الحرية، وعدم القدرة على إخفاء أى معلومات، بل طرح كل وجهات النظر، وكيفية التعايش مع هذا العصر، والتكيف مع متغيراته، وأن نعلى من قيمة احترام الرأى العام والاحتراف المهنى، حتى لو أغضبنا، لأنه من السهل أن أدخل فى نقاش، وأن أجعله حيويا، خاصة إذا كنت وزيرا محترفا وسياسيا، يعرف قيمة العمل ويقدره، ويحترم الحيوية والتفاعل، ولست وزيرا بيروقراطيا خاملا أريد أن أستمر فى موقعى حتى ولو لم يعرفنى أحد، وبالتالى لست مستعدا أن أتقبل دور الإعلامى المحترف الذى يخوض فى كل القضايا، خاصة الشائكة والصعبة.
لهذا أرى ـ كما هى الحقيقة ـ أن هذا الدور مهم وحيوى لعصر المعلومات، فهو الذى يخدم مجتمعه ويحافظ على قوة نظامه وتماسكه، فالحيوية والنقاش الفعال يزيلان الركود والجهامة والقتامة، ويجعلان النقاش صحيا وفى النور، وتلك هى الشفافية التى تعيش فيها المجتمعات الصحية.
ولذلك كانت صدمتى كبيرة عندما فوجئت برسالة الوزير أحمد ماهر وزير الخارجية على موضوع صحفى نشر فى الأهرام العربى العدد الماضى للزميل أشرف العشرى المحرر الدبلوماسى، حمل معلومات تطرحها وسائل إعلام أجنبية وإقليمية عن خلافات فى وجهات النظر بين الوزيرين عمرو موسى وأحمد ماهر.
وهذه المعلومات والخلافات لم تكن محض خيال المحرر الدبلوماسى، بل كانت سببا فى اجتماع عُقد فى الخارجية مع الوزيرين لنفى هذه الخلافات، وبدلا من أن يعطينا الوزير ماهر معلومات إضافية ويحدثنا عن أفكار غائبة عنا، يجب أن نعلمها حتى يكون رده وافيا ومحققا لغرض الرسالة، إذ به يتقمص صورة الكاتب الساخر ـ وكنا نتقبل ذلك منه ـ إذا لم يكن وزيرا للخارجية، ويجب أن تكون رسالته دبلوماسية وسياسية.
وسأترك للوزير بعد كل ما ذكرته سابقا تقدير أهمية التركيز على أن يحاور الرأى العام ويستمع إلى ممثليه وأسئلتهم، خاصة فى هذا الزمان الذى هو عصرهم، وأنه جاء بعد وضع قد تكرس، وكان ناجحا ومتميزا، ويجب عليه مواصلة البناء وتطويره.
ويجب أن أؤكد أن ما أعرفه من الخبرة السابقة والمعلومات عن كفاءة وقدرة الوزير أحمد ماهر، يجعلنى على يقين من تحقيقه معدلات إنجاز قياسية ومتميزة فى تخطيط وتنفيذ سياسة مصر الخارجية، وأنه سيكون علامة بارزة تضيف إلى سجل وزراءالخارجية المصريين إنجازات خالدة.
أما الحوار الساخن الثانى فكان مع د. إسماعيل سلام وزير الصحة فى هذا العدد، الذى أرجو أن يدرك أن أسئلة الرأى العام والصحفيين يجب ألا تجعله مستفزا، فهم يسألون وهو يجيب، وبيننا رأى عام واعٍ يدرك ويفحص ويقدر، لقد أعجبت بشجاعة د. سلام فى الرد على ما وجه إليه من اتهامات، وقدرته على التصرف بسرعة بإبلاغ الرقابة الإدارية ومطالبتها بإجلاء الحقيقة، لأن واجب الصحافة أن تطرح كل ما يدور من تساؤلات بين الناس، وما يدور همسا، وواجب المسئولين أن يردوا، ومهمة جهات الرقابة هى التحقيق والفصل فى القضايا، وبذلك نصل إلى الحقيقة، ونحقق الاستقرار المنشود، ونحافظ على حيوية المجتمع وفعاليته وتحقق الحرية أهدافها، وفى ذلك غاية الكمال.