مقالات الأهرام العربى

عرفات ليس السادات أو الملك حسين

يتعّض الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات لحملات إسرائيلية منظمة تمهد الطريق لتصفيته، وتحميله مسئولية انهيار عملية السلام الفلسطينى ـ الإسرائيلى، وكأنما عرفات هو كبش الفداء الذى تقدمه الزعامات الإسرائيلية، التى فشلت فى تحقيق السلام والأمن، قربانا لشعبها، فهى تحمّله أوزار الأرض جميعا، فهو المسئول عن أى عملية فدائية، وهو زعيم العنف والإرهاب.

ومنذ أن صعد شارون إلى السلطة فى إسرائيل وهو يشن حربا على عرفات، ويطالب المجتمع الدولى بمقاطعته، ويقف حجر عثرة أمام دعوته للبيت الأبيض، ويريد أن يسحب من الرئيس الفلسطينى عرفات الاعتراف الدولى والذى حصل عليه بكفاحه الطويل من أجل شعبه، الذى كرّسه أخيرا بقدرته على التفاوض والانتقال بمنظمة التحرير الفلسطينية إلى سلطة حقيقة، أصبحت تتحمل مسئولية شعب وطموح أمة، وحصلت على الاعتراف الدولى خاصة الأمريكى والأوروبى واليابانى، ليضاف إلى ما سبق أن ما حصلت عليه من اعتراف من العالم الثالث ومن قبله العرب بشرعيتها فى تمثيل الفلسطينيين، إلى أن جاء شارون يتهمه بالإرهاب، ونسى شارون أنه هو الإرهابى الفعلى، فراح يردد عباراته الجاهزة، عرفات الإرهابى، والمسئول عن كل ما يحدث فى إسرائيل وفى فلسطين، ويرى أنه المطالب بقمع الانتفاضة، وعودة الهدوء بالشروط الإسرائيلية، وبدون مراعاة أوضاع الشعب الفلسطينى وإحباطاته لطول المفاوضات بلا نتيجة، ولانهيار أوضاعهم الاقتصادية، ولعمليات القمع والقتل المنظم للفلسطينيين، وهدم منازلهم، فالشعب الفلسطينى بشهادة العالم، يتعرض لأبشع حرب منظمة من تشريد وإبادة و قتل للأطفال والنساء، ولا يريد له الإسرائيليون أو الأمريكيون أن يعترض أو يرفع صوته بالاحتجاج، فهم يطالبون عرفات بقمع شعبه، والقبض على قياداته وإيداعهم السجون، لأنهم إرهابيون، ويعرضون أمان ورفاهية واستقرار الإسرائيليين للخطر، وهم بذلك يطالبون عرفات بقيادة بلاده إلى الحرب الأهلية، ومن غير المعقول أن يقبل الشعب بالهوان والعزلة اللذين تفرضهما إسرائيل، ولا يقاوم الاحتلال، ولا يحلم بالاستقلال وتقرير المصير.

ولم يكتف الإسرائيليون بحملة شارون الشعواء على عرفات للتمهيد لتغييره أو تصفيته أو لتحميله مسئولية عدم قدرة إسرائيل وقياداتها على حسم خيار السلام والقبول بالاعتراف بالفلسطينيين وحقهم فى تقرير المصير، بل يحاولون طردهم من بلادهم وهم الذين يجب عليهم تعويض الشعب الفلسطينى على ما تحمله من غبن وطرد من أرضه وتهجيره وتحويله كاملا إلى لاجئين أو مواطنين فى أدنى الدرجات، تمارس عليه إسرائيل العنصرية والتمييز فى زمن سقطت فيه العنصرية والتمييز، وتنزع الشعوب إلى التحرير وإقرار حقوق الإنسان بدون تمييز لا فى الدين أو الجنس أو الكون.

فإذا بالسيد إيهود باراك رئيس الوزراء السابق يمارس نفس سياسة شارون، ففى حوار له ناقش خلاله لماذا فشلت مباحثات كامب ديفيد بينه وبين عرفات فى حضور كلينتون. فبدلا من ممارسة سياسة النقد الذاتى، والاعتراف بأخطائه، وعدم قدرة إسرائيل على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية والتسليم بها، وجدنا باراك لا يقول إلا الأسباب نفسها التى يطرحها شارون من أن أزمة السلام تكمن فى عرفات، والفارق الجوهرى بين باراك وشارون هو فى اللغة فقط التى يتحدث بها، فباراك يرى أنه لا أمل فى السلام فى ظل وجود عرفات فى السلطة، لأنه حسب شعوره أصبح يدرك أن عرفات ليس ˜سادات أو ملك حسين فلسطينŒ وقد تحول عرفات إلى العنف بعد كامب ديفيد.

بحجة أن العنف سيكسبه تعاطف العالم.

ويضيف باراك ˜ظالماŒ عرفات أنه اعتقد أن صور الفلسطينيين الشباب فى مواجهة الدبابات الإسرائيلية قد تعوض فشله، مصورا القائد الفلسطينى لا مباليا بالضحايا من شعبه، وهذه قمة المأساة، فلو كان الفلسطينيون مجتمعا ديمقراطيا، من وجهة نظر باراك لكانوا قد استبدلوه بشخص آخر.

وما لا يفهمه باراك أن عرفات لا يحب أن يكون السادات أو الملك حسين، لأن عرفات سعى إلى تحرير شعبه واقتناص حق وجوده وتحرير بلاده، لكن الرئيس السادات والملك حسين فهما كانا يتفاوضان على حق واضح ومشروع ومحدد، ووراءهما دولة وكيان، ولا يجب أن يكون عرفات شبيها بالسادات، أو الملك حسين، لكن وجه الشبه بين الثلاثة، هو شجاعة الاعتراف بالآخر، بالإسرائيليين والقبول بالتفاوض والسلام، وقد قبل عرفات بشجاعة ـ رغم صعوبة وضعه ـ بالإسرائيليين وتفاوض معهم، واتخذ قرارا بالسلام بين الشعبين.

وكان على باراك أن يمتلك شجاعة الاعتراف، ولا يلقى بالاتهامات والمسئولية على عرفات لفشل طموح السلام، بل أن يعترف بمسئولية زعماء إسرائيل الحاليين فى مقدمتهم باراك نفسه ونيتانياهو وشارون، وأنهم غير قادرين على قيادة بلادهم فى زمن السلم، فهم جنرالات لا يملكون رؤية بيجين أو رابين لمستقبل إسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط فى ظل سلام إقليمى.

وقد كشف باراك عن شخصيته الضعيفة وغير القادرة فى حديثه عندما وافق على رؤية شارون بأن القمع والإرهاب هما الوسيلة الوحيدج أو عين الصواب لتأديب الإرهابيين، بالرغم من أنها تؤذى المدنيين، فلا حيلة أمام إسرائيل إلا هذا الأسلوب، وأن إسرائيل ليست أمامها فرصة للتعايش مع الفلسطينيين إلا بالفصل أو القتل والإبادة.

وعندما يتحدث عن القدس أو المسجد الأقصى أو كما يسميه ˜جبل المعبدŒ، فإن عقله القاصر لا يرى إلا السيادة الكاملة، فما يطرحه عرفات أو الفلسطينيون من وجهة نظره عبارة عن التخلص من إسرائيل، وهكذا تؤكد إسرائيل وقيادتها على عدم قدرتها على فهم لغة السلام ورفضها للتعايش وإصرارها على العنصرية، واستخدام سياسة اللعب بورقة السلام لتبييض وجه إسرائيل العنصرى فقط أمام الرأى العام العالمى.

ولا يسعنا إلا أن نقول إن عرفات مظلوم، وأنه بين فكى الرحى، شعب يطلب الاستقلال والحرية، ونظام عالمى تقوده أمريكا غير قادر على التغيير وإجبار إسرائيل على احترام تعاهداتها واتفاقياتها، ومجتمع عنصرى يفرز قيادات إرهابية وعسكرية وضعيفة كشارون وباراك، مما يفرض وضعا ينزع إلى إعلاء قيم الجهاد والمقاومة المضادة للاحتلال، فى حين أن عرفات يريد أن يقف بين كل هذه التيارات راغبا فى التعامل بلغة العصر، مطالبا بالحرية والاستقلال عبر التفاوض وحفظ الحقوق وإعلاء قيم الحق والعدل.

زعيم مثل عرفات يجب أن ينصفه العالم، ولعل القدر يفرض انتصاره، وإنا لمنتظرون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى