كارثة مفزعة

يوم من أيام الحرب العالمية الثانية، كارثة عالمية مفزعة، نيويورك، واشنطن، أهم مدينتين فى العالم، تتعرضان لضربة مفزعة، لم تهز الولايات المتحدة، بل هزت العالم، برجا مركز التجارة العالمى، يسقطان ويعرضان الأمن القومى العالمى لهزة كارثية، البنتاجون الأمريكى يضرب هو الآخر بطائرة، الطائرات المدنية تحولت فجأة إلى قنابل مميتة، الضحايا بالمئات، أرقامهم تذكرنى بأيام الحرب العالمية، الجريمة الصعبة، حدثت فى الدولة الكبرى، لا أتوقع أن يكتشف مرتكبو هذه الجريمة العالمية بسهولة.
هذا الحادث الذى تعامل معه الأمريكيون باعتباره حالة حرب فى حين أن العدو غير معروف، بالرغم من أن وسائل الإعلام وبعض الجهات الأمنية يحلو لها أن تشير بأصابع الاتهام إلى قائمة متهمين جاهزة بدون تحقيقات، فتحميل المسئولية لأى أحد هو أسهل الأشياء، وتلك ستكون جريمة إضافية لا تقل عن جريمة الإرهاب، وتأثيرها على مستقبل الأمريكيين، بل على كل دول العالم.
وبعيدا عن الحادث، وعن سلسلة الهجمات التى وصفها الرئيس بوش الابن بأن الحرية تتعرض للهجمات، فإننى أشير بأصابع الاتهام إلى بوش وإدارته والذى عليه ألا ينسى أن غفلتهما منذ أن توليا السلطة عن لعب دورهما فى حماية المصالح الأمريكية واستقرار العالم، كانت وراء هذه الكارثة المفزعة.
وسوف تظل أرواح الضحايا الأمريكيين تطارد إدارة جورج بوش، وهو يقضى إجازته المستمرة فى منتجع تكساس، وكأنه نسى أنه الرئيس الأمريكى، الذى عليه أن يسهر على مصالح شعبه، كما أن عليه أن يحمى مصالح العالم من الإرهاب والاضطراب.
الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، أصبحت هدفا للإرهاب، تلك حقيقة عبر عنها الرئيس الأمريكى، وآمنت بها دول كثيرة.
لكن حماية الحرية، والنظام العالمى، لن تكون بنظام الدفاع الصاروخى، أو خلق أعداء لأمريكا فى كل مكان من العالم، أو حتى بالخروج على النظام البيئى العالمى، كرفض معاهدة كيوتو من أجل مصالح الشركات الأمريكية الكبرى.
لكن بالعودة إلى العدالة وحماية الاستقرار واحترام حقيقى لحقوق الإنسان بدون ازدواجية.
إن الجريمة الكبرى التى حدثت فى الولايات المتحدة الأمريكية كان من نتيجتها أكبر رقم من الضحايا الأبرياء منذ الحرب العالمية الثانية سواء أكانوا من راكبى الطائرات التى انفجرت فى الجو، تحت رحمة مجرمين تجردوا من كل القيم الإنسانية، وانتهكوا كل الحرمات، أم من العاملين أم الموجودين والمارين بمركز التجارة العالمى، ومن الضرورى أن تتحرى الأجهزة الأمريكية التى سوف تتولى التحقيقات الدقة، وتصل إلى المعلومات الصحيحة، حتى نصل إلى حقيقة المجرم العالمى الذى يهدد الاستقرار والرفاهية، ويريد أن يدخل الخوف إلى حياة كل إنسان معاصر، وأن يجعل الحياة المعاصرة كارثة مفزعة، وحالة من الاضطراب والخوف.
ونتطلع إلى الأمريكيين، لكى يعيدوا النظر فى سياستهم وألا يجعلوا من هذه الجريمة استمراراً للجرائم التى ارتكبت فى حقوق الشعوب المضطهدة فى العالم.
ولا نريد أن نذكر أن منطقتنا العربية تعرضت لأكثر أنواع الاضطهاد الأمريكى ـ الإسرائيلى سواء للفلسطينيين أم العراقيين أم غيرهما، حتى لا يتصور أننا شامتون فى الولايات المتحدة، فهذا أبعد عن أن يرد فى مخيلتنا، فنحن نشارك الأمريكيين أحزانهم، ونرى أن ضحايا الطائرات من السكان والعاملين الأبرياء تعرضوا لجريمة بشعة يجب معاقبة مرتكبيها حتى يستقر النظام العالمى.
لكن الدماء الغزيرة التى سالت والجريمة الغاشمة التى ارتكبت تستدعى أن تقود الولايات المتحدة نظاماً جديداً للاستقرار العالمى يحقق العدالة للجميع.
أولا: إن تتخلص من دور الشرطى وأن تكرس سياستها لتغيير شكل الأمريكى فى العالم وأن تعود أمريكا باعتبارها حامية للديمقراطية والنظام العالمى الجديد وهذا التغيير سيطالبها بإنصاف الشعوب التى اضطهدت طويلاً، وفى مقدمتهم الفلسطينيون الذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والاضطهاد وهم يرون بلادهم مفتوحة لكل المهاجرين اليهود من كل أنحاء العالم وهم ـ أى الفلسطينيين ـ أصحاب الأرض مشردون ولاجئون فى كل البقاع، والباقون منهم مشردون فى وطنهم ويسكنون المخيمات، وبيوتهم وحياتهم تنتهك يومياً، ويضربون بالطائرات والصواريخ، وهم لا يملكون أى أسلحة، وأطفالهم يقتلون ويشردون ونساؤهم يترملن وحياتهم مأساة دائمة.
والفلسطينيون يرون أنهم فعلوا كل ما يمكنهم، فقد قبلوا بالحياة مع الإسرائيليين، بل تركوا لهم 80 من بلادهم وهم لا يطالبون إلا بـ 20 من الأراضى الفلسطينية، لكى يعيشوا فقط إلى جوار الدولة المستأسدة إسرائيل، والفلسطينيون يشعرون بالمرارة لأن الدولة الكبرى والتى وضعوا كل ثقتهم فيها تدعم الدولة المعتدية بكل الأسلحة، بل تركت الفلسطينيين فريسة للإسرائيليين.
لا نريد أن نثقل على أمريكا فى هذا اليوم الصعب، وهذا الحادث الجلل فنحن نعرف أن الأمريكيين لم يتعرضوا فى حياتهم ومنذ نشأة دولتهم بالرغم من أنهم خاضوا حروباً كثيرة إلى حادث مفزع ومأساوى كما حدث صباح الثلاثاء 17 سبتمبر 2001.
وكل ما نأمله أن يكون الحادث هو الأخير، وأن تجتاز الولايات المتحدة أزمتها وأن تخرج من هذه الأزمة الكارثية بلغة جديدة وسياسة متغيرة، وأن تفتح صفحة جديدة مع العالم.
وأن يقف العالم كله ضد الإرهاب لأنه يصيب الجميع بلا تمييز، وكلنا متضررون من الإرهاب وأن تعى أمريكا أن القوة لا تحمى أمنها، لكن العدل والقيم السوية هى التى تبقى وتستمر وتجلب التعاطف والتسامح والأمان العالمى.