مقالات الأهرام العربى

مبارك عين الصواب

هذا وقت تموج فيه منطقة الشرق الأوسط بكل المزايدات والصراعات، التى تعوق الوصول إلى وحدة الهدف لإنقاذ الشعب الفلسطينى من المخطط الذى ينجرف إليه الجميع بسرعة متناهية، والذى يركز على تفتيت السلطة الفلسطينية وضرب بنيتها الأساسية وإصابة الاقتصاد الفلسطينى فى مقتل، ليتحول إلى اقتصاد لا يستطيع أن يعيش إلا بالمساعدات والمنح والهبات، لتتم خلخلة البنيان الفلسطينى الذى تكون عبر سنوات المفاوضات منذ أوسلو 93 وحتى الآن.

وبعد أن فشل العرب ـ فى قمتهم الأخيرة فى عمان ـ فى وضع حد للحرب الباردة بين شعوبهم والتى نشبت بعد حرب الخليج الساخنة فى عام 1990 عقب احتلال العراق للكويت.. وما استتبع ذلك من تدخل خارجى وحرب شاملة فى المنطقة، ستظل آثارها التدميرية على شعوبنا لسنوات طويلة ستدفعها الأجيال الحالية والمقاومة. وتجاوزها سيكون صعبا.. بل يحتاج إلى مجهودات مضاعفة.. خاصة بعد أن أضاع النظام العراقى فرصة ذهبية فى القمة الأخيرة أعادتنا جميعا إلى المربع رقم واحد.. بدلاً من تركيز الجهود العربية لتخليص العراق من الحصار وتوجيه الأهداف إلى قضية العرب المركزية وهى قضية فلسطين، خاصة ونحن نرى كفاح الشعب البطولى الذى يقاوم الاحتلال عبر انتفاضة يمر شهرها السابع بنضال أصبح يحظى باحترام العالم وتقدير شعوبه، وجلب على إسرائيل نقمة العالم وكشف العسكرية الإسرائيلية التى تستخدم جيشاً بكامل عتاده وطائراته ودباباته وجرافاته وكل ما أوتى من تكنولوجيا أمريكية لضرب شعب أعزل سلاحه الوحيد الحجارة والشجاعة وسلطة تحاول أن تبنى نفسها لإنقاذ المنطقة من الفوضى والانهيار.

هذه الصورة البطولية حققت للشعب الفلسطينى أعظم انتصار وضعت فى العسكرية الإسرائيلية وضع مخزٍ وعرت كل الدعاوى الإسرائيلية عن شعب صغير محاصر بالأعداء فأصبحت إسرائيل الدولة المعتدية الغازية هى التى تستقوى على شعب أعزل ضعيف يبحث عن سيادته وحقه فى العيش على أرضه.

هذا الوضع لا تستطيع إسرائيل أن تعيش به طويلا فهذه القوة الغاشمة قاتلة لأصحابها فى المقام الأول، وهذا الضعف الفلسطينى تحول إلى قوة شجاعة فى هذا العالم الذى يعيش فيه الجميع تحت مظلة إعلام ينقل كل شىء على الهواء مباشرة إلى الجميع فى كل مكان.

إسرائيل هى الآن المحاصرة وليس الشعب الفلسطينى الذى تحاصره بكل صنوف الأسلحة والعنف. تلك الحقيقة هى القوة التى سوف تمنح الفلسطينيين حقوقهم وتقيم دولتهم، إذا استطاع العرب فى كل مكان توظيفها، وكشف العدوان أمام الرأى العام فى أوروبا وأمريكا.

ولذلك يجب أن نشعر بكل الاحترام للدور البارز الذى لعبه الرئيس حسنى مبارك خلال الفترة الماضية، ومنذ أن بدأت انتفاضة الشعب الفلسطينى، فهو لم يهدأ أو يتوان عن العمل بذكاء وحكمة، ودون رعونة أو تشنج . بالرغم من أن البعض حاول جذبه إلى قضايا فرعية، لكن قمة نجاحاته كانت فى واشنطن أثناء زيارته الأخيرة لها ولقائه الأول مع الإدارة الجمهورية الجديدة ورئيسها ˜جورج دبليو بوشŒ فقد كانت الصورة هناك غائمة والاتهامات الموجهة إلى الرئيس الفلسطينى عرفات قاسية وغير منصفة، وكل الأصوات التى تخرج من واشنطن كانت تشير إلى أن المنطقة غير مؤهلة للسلام وأنهم لا يستطيعون أن يفرضوا على الطرفين شيئا وهما غير مؤهلين له متناسين أن العرب والفلسطينيين قبلوا بالسلام وبكل شروطه وأن التخاذل ورفض السلام والاستقرار جاء من طرف إسرائيل، فهى غير المؤهلة للقبول بالسلام ومازالت تستغل الأوضاع الإقليمية والدولية لفرض الاستسلام  ـ رغم الرفض الفلسطينى وفى بؤرته الانتفاضة ـ فمازال شاغل الفلسطينيين هو السعى إلى سلام عادل واستقرار إقليمى حقيقى، ولذلك لم يرفض الفلسطينيون العودة إلى طاولات التفاوض وهم يواجهون أقسى أنواع العدوان، ويكافحون بحجارتهم سياسة شارون الرامية إلى تركيع القادة وإذلال الشعب بكل الوسائل من إلقاء القنابل من الطائرات والدبابات إلى خطف وقتل رجال الأمن، وملاحقة القيادات والكودار الفلسطينيية.

واستطاع مبارك فى واشنطن أن يرد بوضوح على التساؤلات التى طالبته بعودة السفير المصرى إلى تل أبيب مستخدما هذا السلاح لحث الإسرائيليين والأمريكيين لإدراك خطورة الوضع فى المنطقة وتأثيره على مستقبل استقرارها، فقد وضع الرئيس مبارك أمام الأمريكيين موقف الرأى العام العربى المستفز من الاستخدام المفرط للقوة ومساعدة الولايات المتحدة لإسرائيل، خاصة عندما استخدمت الفيتو ضد إرسال مراقبين دوليين لحماية الفلسطينيين من الهجمة التتارية الإسرائيلية.

ونعتقد أن رأى الرئيس مبارك ودوره الفاعل فى واشنطن سيكون تأثيره كبيرا على السياسة الأمريكية التى ستكشف خطورة الموقف الراهن وتأثير ابتعادها غير المبرر عن عملية السلام على مصالحها فى منطقة الشرق الأوسط، وأنها ستؤدى إلى موجة من الغليان فى المنطقة لا يستطيع أحد تقدير ردود فعلها المستقبلية.

وإذا كانت حكمة الرئيس مبارك وعمق رؤيته للأمور السياسية فى منطقة الشرق الأوسط وحثه للأمريكيين لإزالة التوتر أثارت اهتمام الجميع، فقد توقف السياسيون والإعلاميون والرأى العام الأمريكى أمام مواقف الرئيس مبارك من قضية القدس لأهميتها للمسلمين وأنها طريق جهنم الذى تقود من خلاله إسرائيل المنطقة إلى الإرهاب فالقدس كما وصفها مبارك يمكن أن توقف كل شىء.

وبالنسبة للعراق شرح الرئيس أن إلقاء القنابل على العراق وحصار شعبه لا يخدم إلا الرئيس صدام حسين، ويزيد من شعبيته ويحصل على مزيد من القوة.

لقد كان الرئيس مبارك ببساطة فى واشنطن هو رمز الحكمة، وما قاله يمثل عين الصواب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى