مقالات الأهرام العربى

لحظة الحقىقة الغائبة

حانت لحظة الحقىقة. فعندما كنا نتكلم عن أن العالم قد تغىر، لم نكن نكرر كلمات تقال هنا أو هناك، فأحداث 11 سبتمبر فى أمرىكا لن تؤثر فى اقتصادىاتنا فقط، بل ستغىر العالم سىاسىاً، وهذا هو الأهم، وهناك من ىفهم، وهناك من ىتغاضى وىتصور أنه ىمكن أن تستمر الأوضاع كما كانت من قبل، وىساىرها بكلمات عابرة.. تشىر وكأنه ىتابع الأحداث أو تبرر هروبه.

وبرغم أن التغىر كبىر وىخص مجتمعاتنا ووجودها، فإن ما وصل إلىنا منه مازال قلىلاً، ولايزال بعضنا وههم كثىرون ىتكلمون باللغة السابقة نفسها.. وىلقون باللوم على أمرىكا وإسرائىل، بالرغم من أنهم هم الذىن صنعوا الإرهاب، ونما فى أحضانهم.. وهىأوا له المناخ من خلال غىاب العدالة.. وهذه حقىقة واقعة، ومعرفتنا بها لا تعنى أننا فهمنا المتغىرات، وأننا سنتعامل معها، ونصحح أوضاعنا، وننقذ بلادنا من مصىر مظلم، ومن شعور دائم بالهزىمة والغبن والغىاب عن المجتمع العالمى.

فبعض المحللىن ـ الذىن أصبحوا كثىرىن ـ ىثىرون، حتى المعتدلىن، وبعض من ىفهمون فى أمور دىنهم ودنياهم، صائحىن ˜أمرىكا ترىد لنا أن نغىر إسلامنا، وتقدم الإسلام البدىلŒ. وتلك كلمات، لن تضر أمرىكا وإسرائىل، لكنها سوف تعمق شعور العرب والمسلمىن بالهزىمة والغبن.. وتبعدهم عن فهم حقائق العالم الجدىد، الذى ىجب أن نعرفه قبل أن ىجرفنا طوفانه، وىفرض علىنا، من ىعرفون الأجندة المستقبلىة، قىادة المرحلة القادمة، ومع ذلك مازلنا بدون وعى وإدراك للعصر ومتغىراته الصعبة والقاسىة.

وحتى ندرك ما ىجرى ىجب علىنا أن نعرف أن أمرىكا انتقلت فعلاً إلى المرحلة الثانىة من معركتها ضد الإرهاب والتطرف، بعد إزاحة نظام طالبان.. وتنصىب حكومة جدىدة، وأن أفغانستان ستدخل مرحلة أخرى فى سىاستها، لن تكون مثل سابقتها.. ولكن ستكون حكومة مستقرة، تحظى بدعم سىاسى واقتصادى عالمى.. لىس له مثىل ولعل أهم متغىرىن ىجب أن ىلتقطهما العقل العربى والإسلامى، وهما.. الشرىط الجدىد، الذى أذىع على العالم، شرقاً وغرباً لأسامة بن لادن، فأمرىكا لم تكن ترغب فى تقدىم دلىل، فهى قبل شن الحرب كانت تملك الدلىل، كما أن أسامة بن لادن، اعترف بجرىمته أمام العالم وعلى شاشات التلىفزىون، وهو دلىل ضده ىمكن أن ىكون دلىلاً أمام المحكمة، لكن الشرىط كان ىُقدّم إلى العالم كله، عرباً ومسلمىن وغربىىن معاً، فهو ىرىد أن ىؤكد على أن الإرهابىىن قذرون وأبعد ما ىكون عن الإنسانىة، وذلك لاستمرار حشد العالم مع أمرىكا، لىعرف العالم بلا رتوش أو إخفاء للحقىقة أن الأمرىكىىن نجحوا إلى حد كبىر فى حشد الرأى العام العالمى فى أمرىكا وأوروبا والهند والصىن وروسىا والعرب ضد الإرهاب.. بهذا الشرىط الجدىد ىنتقلون إلى مرحلة جدىدة هى حشد الشارع، لكن الخوف، كل الخوف، أن ىكون هدفهم هذه المرة هو تشوىه صورة العرب المسلمىن وتعبئة العالم ضدهم.

لأن الصورة الراهنة تكشف عن عمق الهوة، التى خلفتها الأحداث الأخىرة على موقف العالمىن الإسلامى والعربى ككل عالمىاً.. فالهدىة الكبرى ـ التى أهداها أسامة بن لادن إلى أمرىكا ـ لم تكن ضد الإسلام فقط، بل ضد قضاىانا القومية الكبرى.. وفى مقدمتها القضىة الفلسطىنىة، التى أصبحت الخاسر الأكبر، فإن بن لادن وطالبان والمتعاطفىن معهما خطفوا الإسلام خطفاً حقىقىاً.. ودعنا نعترف بأننا جمىعاً فشلنا فى توضىح ما ىمثله الإسلام من تسامح، وحب، وبعد عن العدوانىة والبغضاء، وأن ما فشل فىه أعداء الإسلام نجح بن لادن وجماعته فى تحقىقه.. وإذا كان على العرب فى الماضى مواجهة المتطرفىن وغلاة الىمىن، وكارهى الإسلام، فإن عليهم فى الحاضر، مواجهة الصورة المشوهة التى ارتكبها بن لادن، وأصحاب الغفلة وضعاف النفوس والعقول من شعوبنا، الذىن أوهمهم بن لادن بأنه ىدافع عنهم.

وإذا كان علىنا أن نأخذ درساً من هذا التطور، فىجب أن ندرك، أن كل من ىشجع المتطرفىن والإرهابيىن وَىجمِّل أعمالهم متطرف مثلهم تماماً، فكل من ىبىح الإرهاب حتى لو كان من أجل القضاىا العادلة، متطرف وإرهابى وتجب محاكمته، وكل من ىسعى إلى إثارة الفتنة متطرف أىضاً، بل لن نتجاوز إذا قلنا إن كل من ىسعى إلى تسخىر الإسلام لمصالحه السىاسىة هو متطرف وإرهابى، وتجب مواجهته، لأنه ىدغدغ عواطف الفقراء، والضعاف، وىسلب لبهم سىاسىاً بالعاطفة الدىنىة، وفى رأىنا أن الإرهابى هو من ىبث الكراهىة للأدىان السماوىة، وىفتح المجال للغضب والعنصرىة، ومثله تماماً من ىحرض المسلمىن على الصدام مع الغرب. وأىضا من لا ىشجع السلام والتعاىش بىن الشعوب، فإن كل هؤلاء متطرفون.

ولن نغالى، إذا قلنا إنه إذا كانت حرب تحرىر الكوىت من غزو العراق، لم تنته، برغم مرور 10 سنوات علىها حتى الآن، فإن الحرب التى أطلق شرارتها بن لادن فى أفغانستان، لن تنتهى قرىباً، وأن أبعادها ومتغىراتها ضخمة، وىجب أن نفهم بدلاً من أن نكيل الشتائم ونصبُّ الغضب على الجمىع، أن هذا لن ىجدى، فى مناخ عالمى، أصبح فىه العالم العربى والإسلامى، فى موقف ضعىف، وىحتاج إلى تغىىر صورته بشكل جاد، فالصورة فى الشرق الأوسط تحتاج إلى تغىىر، فمازال عبء صدام حسىن فى العراق جاثماً لىس على قلب العراق وحده، ولكن على قلب العالم العربى كله، وأىضاً على القضىة الفلسطىنىة تحدىداً، ونحن لا نبرىء أمرىكا من عدم إىجاد حل لها، فقد أنساها الانتصار فى أفغانستان، والتفكىر فى جذور الإرهاب ومسبباته، حل القضاىا الأساسىة العالقة فى عالمنا، وفى مقدمتها قضىة فلسطىن، والفقر، والمرض، وضرب حقوق الإنسان فى العالم الثالث ككل، لكن فى ظل هذه الصورة القاتمة التى ىتزاىد فىها الظلم، واستخدام القوة، كىف سننجو، ونحن لا نملك قىادات حكىمة تسبق الزمن، وكل سىاستها تأتى دائما رد فعل للأحداث؟

أولاً : القضىة الفلسطىنىة.. تحتاج إلى رؤىة جدىدة، لىست من عرفات فقط، وقد بدأها بالفعل بعد أن تأخر كثىراً، لكن من  القىادات الفلسطىنىة الأخرى، التى تسابقت فى التعاىش مع القضىة، ولىس البحث عن حلها، ونسوا أننا أمام عدو شرس، ىحظى بدعم لا مثىل له من القوى الكبرى، فنحن نحتاج إلى التطهر، والتخلص من عقد الزعامة والبطولة والعنترىات، ونؤمن بأن أمامنا فرصة نادرة لقىام الدولة والتحرىر، وعلى القادة أن ىنتهزوا الفرصة قبل أن تضىع، خاصة أن الفرىق الذى ىحكم الآن فى إسرائىل هو عدو لدود لهذه الفرصة، وىرىد تدمىرها.. وىجب ألا تساعده القىادات الفلسطىنىة المتصارعة وغىر العاقلة.

ثانىا : القضىة العراقىة.. ومستقبلها، والضعف الشدىد الذى ىعىشه العراق فى الداخل، سىعطى فرصة للتدخل الخارجى، وهو تدخل مقىت ولا ىضر بالعراق وحده، بل العالم العربى كله.

إن العرب جمىعاً، علىهم أن ىعىدوا النظر فى أوضاعهم الداخلىة وأن ىتجهوا صوب إنقاذ أوطانهم من حالة الجمود المزمن، إلى الانفتاح على العالم، ومشاركة الغرب، وآسىا، والصىن، والهند، وروسىا، وإشاعة الدىمقراطىة والنمو الاقتصادى.. وأن تقوم كل الحكومات الراهنة فى المنطقة العربىة بالتطور والنمو بجدية كاملة، ولا تكرس تلك الصورة البائسة، التى نُقلت عنا، من أننا مجتمعات منظمات العنف ˜الجهادىŒ، التى دل تنظىم القاعدة وطالبان، على أنها توشك على خطف المنطقة وإرهاب أنظمتها، وصرف مجتمعاتها عن أحوالها المعىشىة المتردىة، لإلهائها بشعار محاربة الكفر المطلق..

.. وأعتقد أن لحظة الحقىقة قد حانت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى