مقالات الأهرام العربى

العرب يتغيرون

لم يكن من السهل على العرب والفلسطينيين ورئيسهم ياسر عرفات أن يبتلعوا سخافات شارون وحكومته حين منعت الرمز الفلسطينى من حضور قداس عيد الميلاد المجيد فى كنيسة المهد ببيت لحم، لكنهم يتغيرون وينظرون إلى حقائق الأمور وليس هوامشها، وقد تنتفخ أوداج شارون وجماعته، ويتصورون أنهم حققوا شيئاً واستأسدوا على الشعب الفلسطينى، وعاقبوه وحرموه من مشاركة الأقباط الفلسطينيين أعيادهم فى كنيسة السيد المسيح، مثلما استأسدوا على الفلسطينيين المسلمين، طوال شهر رمضان وحرموهم من الصلاة بالمسجد الأقصى فى القدس..

هذه انتصارات وهمية، وقد أصبحت حديث الملايين كما وصفها شيمون بيريز وزير خارجية شارون حين قال إن منع عرفات من زيارة بيت لحم بات حديث عيد الميلاد فى العالم المسيحى.

لقد نجح عرفات تماماً فى أن يجسد بشخصه ضعف شارون، وقلة حيلة حكومته أمام الرأى العام الإسرائيلى الذى انتخبه وطالبه بالأمن والسلام والاستقرار للشعب الإسرائيلى، فإذا به يثبت أنه قائد صغير، وزعيم يتسم بالضعف، لأنه لا يلجأ لهذه الأساليب الصغيرة والتافهة إلا من كانت شخصيته وتركيبته تتسم بهذا الترهل والضعف.

ونجح عرفات أيضاً فى اجتياز هذا الاختبار الذى يتناسب مع طبيعة شارون، ونجح فى تجسيد ضعف رئيس الوزراء الإسرائيلى أمام الرأى العام العالمى الذى كان يشيع شارون خلاله أن قيادة عرفات قد انتهت وأنه غير قادر على إدارة الفلسطينيين وحماية شعبه، فإذا بعرفات يثبت أن شعبيته كبيرة بين المسلمين والأقباط.

ففى عيد الميلاد الخاص بالمسيحيين، كان الأمر ذاته فى عيد الفطر للمسلمين إذ توحد الفلسطينيون خلف قيادتهم، وزاد الاحترام للرئيس الفلسطينى والاحتقار والإزدراء لرئيس الوزراء الإسرائيلى.

ومثلما تغير عرفات وأدرك الفخ الذى ينصبه شارون نجحت حماس ­ وقد ظننتها لن تنجح ­ فى قرارها التاريخى بوقف العمليات الاستشهادية داخل الأراضى المحتلة احتراماً لقرار الرئيس الفلسطينى وتأكيداً لوحدة الفلسطينيين دولة ومنظمات سياسية، فالمؤسسة المتماسكة هى التى تتخذ القرارات الكبيرة وتعرف متى تطلق العمليات ومتى توقفها، فقد فوتت الفرصة على المتطرفين الإسرائيليين وشارون وحكومته اليمينية لإلصاق تهم الإرهاب بهم وتوصيفهم بالميليشيات غير المنظمة والتى ليس لها قيادة.

وأثبتت حماس قدرتها السياسية بعد أن عرفنا قدراتها العسكرية وصمودها فى وجه الاحتلال وأنها منظمة تعمل من أجل تحرير فلسطين والفلسطينيين، وتأخذ المنظور السياسى فى قراراتها وذلك يعلى من تقييمنا لها واحترامنا المتزايد لقياداتها.

وكما نجح الفلسطينيون أخيراً، كان مجلس الجامعة العربية بكل وزرائه موضع احترام لأنهم أعلوا من قيمة العمل السياسى، وعرفوا ­ بتقييم علمى وصحيح وموضوعى ­ أن الخطابة وتسجيل المواقف لن يخدما القضية الفلسطينية، فكانت حركتهم على المسرح السياسى، وفى الأمم المتحدة عاقلة وقوية، مكنتهم من الحصول على قرار من الجمعية العامة.

يؤكد تدخل المجتمع الدولى بإرسال مراقبين للأراضى المحتلة، ليكشفوا  حقائق الأوضاع على الأرض، بدلاً من أن يظل الموقف أو القرار رهناً بما يصدر من إسرائيل.

وسط هذا المناخ الإيجابى أتطلع لأن يفهم العراقيون ما يدبر لهم فى كواليس السياسة الأمريكية، فالبعض يدبر ما يطلق عليه المحامون الدوليون ˜سبب الحربŒ، أى كل ما يبرر الحرب ويتخذ ذريعة لها، وهى ليست مسألة ربط صدام حسين مباشرة بأحداث الحادى عشر من سبتمبر، بل إن الجدل يدور حول أن صدام يكدس أسلحة الدمار الشامل، وأن الإرهابيين من أمثال أسامة بن لادن وغيره، ممن سيأخذ مكانه فى المستقبل، يريدون مثل هذه الأسلحة لاستخدامها ضد الحضارة الإنسانية.

وصدام ونظامه له تاريخ من التعاون مع هذه المنظمات، تلك هى المبررات التى يمثل من خلالها صدام حسين ونظامه تهديداً مباشراً، غير مقبول من الولايات المتحدة وغيرها، بل على جيران صدام من العرب، وبالتالى فإن أمريكا لا تحتاج إلى الانتظار، فقد ذكر بوش الابن أخيراً أن الإرهابيين يحاولون ضربنا مرة أخرى ويمكن المبادرة بـ ˜قتال العدوŒ من أجل حماية أنفسنا وأطفالنا من العيش فى عالم من الخوفŒ.

بل إن المبررين للغرب يقولون إن احتواء صدام حسين لم يعد كافياً لضمان أمن الولايات المتحدة والغرب، والموقف الآن لم يعد موعد الضرب أو متى تكون الضربة القادمة، ولكن المشكلة بالنسبة للمخططين هى التوصل إلى خطة مقنعة للقيام بهذا العمل، ولقد اشتكى أخيراً كولين باول وزير الخارجية الأمريكى ­ الجنرال السابق ­ إلى بيل كيللر من نيويورك تايمز قائلا ˜لم أر خطة موضوعة لإخراجه من النظام ـ يقصد صدام حسين ـ فكلها مجرد أفكار من مواقع مختلفة لضربة موجعةŒ. والجنرال باول على حق لأن الضرب وحده لا يفيد.

وما أطرحه هنا هو قدرة العراق على تعقيد الموقف أمام أمريكا وهذا لن يتأتى إلا باستخدام الذكاء والقدرة على المناورة، والتعاون مع الأوروبيين لإنجاح خططهم الرامية إلى الضغط على الأمريكيين للاكتفاء بعودة المفتشين الدوليين إلى العراق.

وأذكر المسئولين العراقيين والأمريكيين معاً بأن السؤال عن أسوأ ما يمكن أن يفعله بك عدوك، أجاب عنه الشاعر الفارسى ˜الفردوسىŒ قبل ما يزيد على عشرة قرون حين قال ˜إن أسوأ ما يمكن أن يفعله بك عدوك هو استدراجك إلى مستوى الغدر الذى يتسم بهŒ، لن أغفر له، كان الملك كيخورسو يصرخ عندما أجبر على قتل حاكم عدو فى ميدان المعركة قائلاً إنه دفعنى إلى إهدار دم إنسانŒ .

هذا هو الدرس الذى يجب أن تضعه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون فى الاعتبار وهم يدخلون فى المرحلة الفعلية من حملتهم ضد الإرهاب العالمى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى