أمريكا بعد بن لادن

الصعود بفلسطين أو السقوط فى العراق
إذا كان لنا أن نفهم، فلنبدأ من رؤية تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا فى خطابه اللافت لتذكير العالم بأنه فى الحملة ضد الإرهاب، فإن الإخلاقيين والواقعيين شركاء وليسو أعداء.
وسواء اتفقنا معه أم اختلفنا، فتلك ليست القضية لكن الفهم هو الأهم، حتى نستطيع أن نتعرف على موضع أقدامنا، فمع التحولات الدرامية على أرض أفغانستان فإن الشهور القادمة ستنقل المشهد إلى الشرق الأوسط.
حيث من المتوقع ـ كما تجمع التقارير الاستخباراتية والسياسية ـ أنه بحلول الكريسماس قبل نهاية العام ودخول الشتاء أو الصقيع الأفغانى سيتم قتل أسامة بن لادن، وتابعيه الأمينين، وهما هنا خلصاؤه من تنظيم القاعدة، ومن تبقى معه من مجموعة الملا عمر من الطالبانيين المندمجين فى تنظيم بن لادن، أو هروبهما من أفغانستان، وفى كلتا الحالتين سيتم اختفاؤهما وخروجهما من المسرح، لأن هذا ما يخطط له فى كل الاتجاهات فى الولايات المتحدة والأمم المتحدة وفى بون وكابول، وهناك جهد إنسانى ضخم على الرغم من الشتاء، لإقامة نوع من الانسجام السياسى فى أفغانستان، ستلعب فيه قوات الائتلاف دوراً مؤثراً ولكنه ثانوى، حيث يخطط للإقامة حول أفغانستان كقوة حليفة مدعمة بقوات حفظ السلام، ولذلك فإن مخاطر الفشل محدودة، لأن إقامة دولة أفغانية بحكومة موسعة، تتلقى مساعدات دولية سخية، سيكون أمراً محفزاً على الاستقرار، ودافعاً للقوى السياسية لتقليل صراعاتها والاهتمام بإقامة أفغانستان جديدة.
ولكن الاهتمام سينتقل إلى العراق، أو الدولة المارقة فى الشرق الأوسط، كما تسمى
وهنا على العرب وتحديداً العراقيين أن يتعاملوا بحذر ودقة، لأن منطقتنا يجب أن تتجنب إشعال حرب على هذه الجبهة، لأن هذا الإشعال سيكون بديلاً عن حل المشكلة الفلسطينية خاصة أن قلب الصراع مفتوح على مصراعيه، وهو هنا فى فلسطين.
وإذا كانت فلسطين هى الكلمة الرهيبة التى أدخلت جاك سترو وزير الخارجية البريطانى فى مشكلات مع الإسرائيليين منذ عدة أسابيع، وذات الكلمة أصبحت متكررة الآن على لسان الرئيس الأمريكى جورج بوش، بعد أن كانت مختفية قبل الدوامة الأخيرة، كما تحدث بلير وكولن باول، واللذان أعلنان مبدأ، كانت منطقتنا تنتظره من القوى الكبرى فى العالم، وهو قبول كامل لدولة فلسطينية، بعد أن قبلت المنطقة وفى مقدمتها الفلسطينيون كاملاً بالدولة الإسرائيلية.
وفى ظل هذا المناخ الإقليمى المضطرب، نرى الإسرائيليين يتعاملون مع هذا الموقف الدولى المتغير بمنتهى الهمجية فيقتلون الأطفال ويستهدفون القيادات بالاغتيال المتعمد، ويمارسون عدوانهم بشكل متزايد كقوة محتملة، بل يفضلون، بدلاً من الدخول فى مفاوضات شاملة للحل الشامل، المساومة مع قادة الضفة الغربية على مدينة ـ مدينة، واستمرار هذه السياسة الشارونية ستؤدى إلى حرب دموية، سوف يدعمها الشارع العربى وستقلل حتماً من النجاحات والانتصارات الجزئية، التى تتحقق ضد الإرهابيين فى العالم، وربما تعيد المنطقة إلى المربع رقم واحد، وستجعلنا هنا نختلف مع بلير عن التوافق بين الواقعية والأخلاقية، وتكشف عن الوجه القبيح للقوى عندما ينتصر، وستؤدى إلى تراجع القيم والعدالة، بما يعنى أنهم يفتحون الطريق من جديد لتربية وتهيئة الظروف للموجة التالية للإرهاب الدولى، وتلك خطورة المأزق الراهن.
ولنعى جيداً أنه من وجهة النظر التاريخية، فالإرهاب هو الوجه النقيض للدبلوماسية، وعندما تفشل الدبلوماسية يتولى الإرهاب زمام الأمور، وأن إسرائيل التى أخضعت الفلسطينيين لكل أشكال القهر العسكرى والاستبعاد الاقتصادى كبديل عن الإبادة الجماعية التامة، وجعلت من إرهابها فناً وحشياً يصلح للتدريس، ستكون ـ هى ذاتها ـ درساً نتطلع أن تعيه أمريكا؟
فالعرب والفلسطينيون لن يقبلوا طويلاً، أن يظل الفلسطينيون مشردين، يتعرضون للقتل والتصفية، وأن يظل الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء الصلاة أيام الجمع مغامرة غير مأمونة أو مضمونة النتائج، فلا ينجح فى اجتياز الحواجز المتعددة والتسلل إلى الحرم، إلا من نذروا أنفسهم لمهمة استشهادية.
ولن يقبل العرب والفلسطينيون تحقيق هدف إسرائيل شارون من التصعيد بقتل الأطفال واغتيال القادة الفلسطينيين بالطائرات والدبابات والعبوات الناسفة، وهى الممارسات التى يمتنع الفلسطينيون حتى الساعة عن الرد عليها.
كما لن يقبلوا أن تقتصر مهمة المبعوثين الأمريكيين القادمين للإعداد لمبادرة أمريكية جديدة، على وقف إطلاق النار أو الضغوط باتجاه التنازل عن الانتفاضة قبل قيام الدولة.
ونتصور أن الخطوة القادمة لبوش، ليست كما تحاول إسرائيل أو اليمين الأمريكى أن تكون العراق، لأن العراق وصدام حسين تحديداً لا حول له ولا قوة، كما أنه له عنواناً ثابتاً، وليس مثل أسامة بن لادن، وكذلك يمكن الاستدلال عليه وردعه فى أى وقت.
ولكن الخطوة القادمة، يجب أن تكون استكمال ما تحقق لمنطقة الشرق الأوسط وللعالم بعد حرب الخليج 1991، حيث جرت الجهود لإعادة بدء عملية السلام وعقد مؤتمر مدريد الذى أنهار العام الماضى فى كامب ديفيد، وإذا كان الحظ لم يمهل بوش الأول أن يكمل ما بدأه، فإن بوش الثانى أصبحت لديه فرصة، وفى يده نصر جديد ليثبت أن البراجماتية والأخلاق يشكلان شراكة حقيقية، وعلى بوش أن يترجم ما يقوله بمبادرة سياسية تلزم إسرائيل بتسليم الأراضى العربية المحتلة، وتعترف بالدولة الفلسطينية الجديدة، بدلاً من الهروب بحرب عبثية جديدة ستؤدى إلى انهيار ما تبقى من المصداقية الأمريكية أمام العرب والمسلمين.
ودعنا ننتظر الصورة القادمة بين الارتباط ما بين التحدى من قبل العراق والتراجيديا فى فلسطين فهما بؤرتا الاهتمام فى الجولة التالية من هذه الحملة.