مقالات الأهرام العربى

المدنية والبربرية

فجر صموئيل هانتنجتون منذ ثمانى سنوات نظريته حول ˜صدام الحضاراتŒ فى هارفارد، رداً على نظرية نهاية التاريخ لـ ˜فوكوياماŒ، أو ما تصوره عن تغييرات جذرية فى العالم، كانت قد خرجت إلى النور على أطلال حائط برلين فى 1989، وسقوط الاتحاد السوفيتى بعد ذلك، حتى كانت أحداث نيويورك وواشنطن فى 11 سبتمبر 2001، وكانت لهذه الأحداث المروعة تداعيات وصلت إلى شن حرب شبه عالمية، صدام محتمل لم تعرف أبعاده بعد، ولا عجب عندما يعجز السياسيون والعسكريون عن أن يعرفوا ويرصدوا الأحداث بدقة، فيلجأوا إلى هانتنجتون والمفكرين من أمثاله، ويتساءلوا هل تحققت فى الحرب الراهنة نبوءاته؟ وهل دخلنا فعلا نفقا مظلما؟

وهل استطاع أسامة بن لادن من مواقعه فى جبال وكهوف أفغانستان حقا أن يجعل من عام 2001 عام الصدام، وليس عاما للحوار بين الحضارات كما اقترح الرئيس خاتمى، واعتبرته الأمم المتحدة اقتراحا مهما وجديرا بالمناقشة؟

أو ماذا يحدث الآن، وبالتحديد من القادر أن يوقف هذه الموجة من العنف والحروب التى انجرفت إليها البشرية؟ موقف العرب والمسلمين الذين لا يواجهون فقط خطر الحروب، لكنهم يواجهون أيضا خطر الإقصاء والتهميش، بعد أن استمروا سنوات طويلة يعانون العدوان الإسرائيلى والأمريكى والغربى، والمتمثل فى ضرب الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم، ومحاصرة العراقيين عشرة أعوام، وجعلهم يدفعون ثمنا باهظا عن أخطاء لم يرتكبوها، وكذلك محاصرة دول عربية كثيرة، ناهيك عن حملات التشويه التى تعرضت لها الشخصية العربية المسلمة فى الإعلام الغربى لسنوات طويلة، حتى أصبح العربى المسلم نموذجا للإرهابى والمتخلف، وصولا إلى الموقف الراهن. حيث يدفع العرب ثمنا باهظا عن جريمة لم يرتكبوها، حتى وإن كان ارتكبها نفر من المسلمين والعرب، فمن المفترض أن يُقتص ممن فعلها فقط، ويجب ألا يدفع ثمنها الإسلام والمسلمون والعرب جميعا فى أوروبا وأمريكا، وفى مطارات العالم، ويجب أيضا ألا يدفع ثمنها أبرياء أفغانستان، وأطفالها الذين يتعرضون للقصف اليومى، أو دولة باكستان التى تكاد تتمزق بفعل المظاهرات، ويضع قادتها أيديهم على قلوبهم، خوفا من أن يكون انهيار باكستان الخطوة اللاحقة فى هذه الأجواء، ويبدو أن المسلمين ينهارون جميعا، بفعل لعبة الدومينو الحالية، أو خوفا من عدم الرضا الأمريكى والغربى.

فلم يكتف الإعلام الأمريكى بعمليات الضرب والقتال المستمرة بواسطة الطائرات الأمريكية ضد الأفغان، والتى لم تصب إلى الآن المتهمين الرئيسيين، ˜طالبان وتنظيم القاعدةŒ، لكن القصف الجوى الصاروخى يلاحق الأبرياء والأطفال والنساء، ونسمع عن هذه العمليات فى عصر ˜العولمةŒ وننام ونصحو عليها، وكأنهم لم يكتفوا بأن يلهبوا ظهورنا وقلوبنا وجعا، ولم يكفنا شارون خلال عام ونصف العام.

ونحن ننام ونصحو، وفى خيالنا أطفال ونساء فلسطين، الذين أشبعهم شارون قتلا، والذى قرر أن يجعل نساء وأطفال فلسطين يدفعون دماءهم وأرواحهم ثمنا، لأن شعبهم رفض الاحتلال، وانتفض بحثا عن الاستقلال.

وكنا ننتظر من الدولة العظمى أن تصل إلى المجرمين الذين قتلوا أبرياء نيويورك وواشنطن خلال شهر أو شهر ونصف الشهر، فإذا بها تقتل مزيدا من الأبرياء، وتعجز عن ملاحقة المجرمين، وتصمم على أن تسمم حياتنا بسفك مزيد من الدماء البريئة، ونحن ننتظر الشهر الكريم ­فنراهم يعلنون علينا بلا خجل أنهم مصممون على القتل والتدمير وحرق المنازل ­ حتى نتجه فى صلاتنا وصيامنا لكى ينقذنا الخالق من هذا الظلم، الذى يحيق بنا، ويكاد يصم آذاننا، ويلاحقنا أينما كنا.

وهم لم يكتفوا بالقتل والتدمير، لكنهم يلاحقوننا بالإهانات والشتائم فى  صحفهم ومجلاتهم، وينعون علينا الديمقراطية التى لا نعيشها ويعيشونها..

ولم يعودوا يهاجمون قياداتنا فقط، لكنهم الآن يهاجمون شعوبنا، ويتهموننا بالانحطاط الأخلاقى، وأن الفساد فى صميم شخصيتنا وهويتنا.

نعود إلى هانتنجتون كما بدأنا به، والذى لا يطالب بالحوار بين الحضارات، لكنه يرى أن الصدام الحالى هو صدام بين الإسلام والغرب، وما يحدث هو حرب مع شبكة إرهابية ممتدة فى عدد من الدول، وقد وصف ما يحدث بأنه صراع بين ˜المدنية والبربريةŒ، وإذا تحول إلى صدام بين الإسلام والغرب، فسيكون نصرا غير عادى لأسامة بن لادن.

وسنتوقف هنا بالخوف التوجس، ونحن نرى عمليات الضرب العشوائى للمسلمين فى أفغانستان وفلسطين، واضطهاد العرب والمسلمين فى أوروبا، لنرى أن الغرب يدفعنا إلى الصدام والخوف، ويفتح باب انتصار الإرهاب والعنف، وانفجارها فى كثير من العواصم العربية والإسلامية.

وإذا كانت الدول الإسلامية قد سمحت للأمريكيين بضرب أوكار الإرهاب، فإنها لم تعطهم صكا بضرب المدنيين أو دفع الدول للانهيار، ولعل الأخطاء الأمريكية والأوروبية تدفعهم إلى وقف الضربات العشوائية للمدنيين، وإعطاء أنفسهم فرصة لمحاصرة الإرهابيين فى أفغانستان ­ خلال شهر رمضان المبارك والتفكير بعمق فى كيفية محاصرة طالبان وتنظيم القاعدة وحدهما ­ مع حماية الشعب الأفغانى وحماية استقرار باكستان، ووقف قمع الإسرائيليين الذين يقتلون الفلسطينيين، لتجفيف منابع الإرهاب، وتضميد الجروح، وجعل مشاركة العرب والمسلمين فى مكافحة الإرهاب والإرهابيين ذات جدوى وتدعمها الشعوب، لأنه لا يمكن محاصرة الإرهابيين والشعوب، تشعربالظلم والاضطهاد، وفيما نراه أن الحملة الغربية تأخذ الكافة، وتتهم الجميع، وتجعل بن لادن وشراذم الشر، يشعرون بلذة الانتصار، لأن حماقة القوة وغرورها تدفع الجميع إلى الانتحار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى