لا نكره أمريكا ولكن

هل يشعر العرب عشية انهيار طالبان ومحاصرة أسامة بن لادن حقيقة بالحزن لهزيمة التطرف ومحاصرة الإرهابيين فى أفغانستان كما يحاول أن يصورنا الإعلام الأمريكى والغربى؟
أزعم ونحن مسلمون ومؤمنون وحريصون على صلواتنا ونربى أولادنا وفق القواعد الإسلامية أننا نحن أغلبية الشعب العربى أيضا لم نؤمن على الإطلاق بأيديولوجية الإرهاب، ولم نسلك طريق التطرف، بل إننا طالبنا دائما بالحد من إقحام الدين فى السياسة، ولا نبالغ إذا قلنا إن الأحزاب الدينية ظاهرة سلبية فى مجتمعنا، وأنها تحاول أن تزج بالدين فى السياسة، لكسب الشارع والحصول منه على الأصوات، دون وجه حق، وهذا لا يمنع من أننا نسعى وبكل الوسائل الممكنة إلى أن تكون مجتمعاتنا إسلامية، وحياتناتدور حول الشريعة والقانون، لكن لانريد أن يكون رجل الدين هو رجل السياسة، ففى هذه الحالة سيتحدث معنا بلغتين متناقضتين، ويفرض علينا آراءه الدنيوية، باعتبارها صادرة عن الله، وديننا الإسلامى يسمح لنا بتدبير شئون دنيانا، وليس فى الدين الإسلامى متكلمون باسم الله، فكلنا مسلمون موحدون ومؤمنون، وتقسيم المجتمع بين أحزاب إسلامية أو أحزاب باسم الله، وبين أحزاب أخرى، دنيوية تقسيم خاطىء، وضار، ويهدد الاستقرار الاجتماعى، بل إن هذا التقسيم ضال، وهدفه هو أن تكسب هذه الأحزاب المتحدثة باسم الله أصوات الناخبين، وتصل إلى السلطة من خلال تضليل الجماهير، بحجة أنها الأحزاب المسلمة والمؤمنة وحدها دون الآخرين، وهى لا تبذل جهدا لتحسين أحوال هذه الجماهير، مستغلة عفويتها ورغبتها الكامنة فى إعلاء شأن الأخلاق والقيم الأصلية، وبالقطع سوف تستهويها وتسيطر على رغباتها الأحزاب المتأسلمة أو المسماة باسم الله، وترى أن هذه الأسماء هى جواز المرور للأغلبية والسيطرة عليها، وقد تنبهت قوى كثيرة فى العالم العربى، فوقفت ضد هذه الأحزاب، بل منعتها فى كثير من البلدان من الوصول إلى السلطة، ونعتقد الآن أن هذا كان عملا إيجابيا، بل وديمقراطيا، لأن هذه الأحزاب إذا استطاعت الوصول إلى السلطة، ستكرر تجربة مريرة فى مجتمعاتنا، وهى وصول قوى متسلطة أحادية التفكير إلى السلطة، هذه كلها ضد التحديث والديمقراطية ولن تسمح بتفاعل الآراء والقوى داخل المجتمع، وصولا إلى ديمقراطية حقيقية وبناء مؤسسى أو حتى بنية أساسية للنظام الديمقراطى، لا تسمح بانهياره مرة أخرى، تحت سياط قوة عسكرية أو قوة دينية متسلطة تحكمه بالحديد والنار، الأحزاب المتأسلمة وتياراتها المختلفة، كانت تحديدا سببا مباشرا فى تأخير الإصلاح والتطوير والنمو السياسى فى كل مجتمعاتنا العربية، بل دفعتنا إلى ما يشبه التناحر والحروب الأهلية.
تلك مقدمة ضرورية لكى نرد على سؤال طرحته الإكسبريس الفرنسية التى استعرضت تطور الحالة فى العالم العربى، وشرحت باستفاضة شديدة كيف أن العرب يستهويهم بن لادن، وصدام حسين، أو نبى الإسلام الزائف، والطاغية العراقى، أو من يتخيلان أنهما وريثا صلاح الدين ، اللذين استطاعا مراوغة أمريكا، أو إلحاق الهزيمة بالإمبراطورية الكافرة والمتغطرسة.
ما كتبته المجلة الفرنسية لا ننكر أن بعضه حقيقى، فهناك الكثيرون الذين يشعرون بالمرارة من أمريكا والغرب، والبعض يرى فى بن لادن رجلا بسيطا ومتواضعا، وأنه محام للمتواضعين والمضطهدين فعلا، كما ذكرت المجلة أنه على الرغم من ثروته، إلا أنه يأكل البسكويت ويشرب الشاى، وبعض النساء يفتتن بنعومة نظرته، والكثيرون يشعرون بأن بن لادن وجماعته لم يرتكبوا الجريمة، بل إنهم والكلام للمجلة الفرنسية يلقون باللائمة على اللوبى اليهودى، وأن هذا الوهم وهو وهم حقيقى لم تؤكده الصحافة والإعلام، كما يصف التقرير الغربى، لكن أكدته رغبة هؤلاء البسطاء، وهذا الوهم لم ينتشر فى العالم الإسلامى من المغرب إلى أندونيسيا بلا سبب، بل هو نتاج خبرة 53 عاما من القهر الإسرائيلى والغربى للعرب والمسلمين والفلسطينيين بالسلاح والقوة الغربية.
ويجب أن نعترف بأن الأسلحة والعتاد الغربى، احتشدت لسنوات طويلة فى منطقتنا للوقيعة بين الشعوب العربية، لاضطهادها ونهب ثرواتها واسغلال العرب فى الحرب العالمية الثانية، لإلحاق الهزيمة بأعداء الغرب وهزيمة الألمان وانهيار الدولة العثمانية، وكانت جائزة العرب هى إعلان دولة إسرائيل، وتشتيت الشعب الفلسطينى، ورفض الاعتراف بحقوقه إلى الآن.
فماذا تطلبون من الشعوب العربية، هل تحزن لحزنكم، وأنتم الذين خذلتموها فى كل قضاياها، بالرغم من رفضنا للإرهاب والتطرف، وشجبنا لما حدث فى أمريكا، فلم يكن من الممكن ألا يشعر الشعب العربى، بعد كل ذلك إلا بالظلم من الموقفين الأمريكى والأوروبى، فكيف تطالبونه بالتعاطف المطلق مع أزماتكم، بدون أن يعلن بحرية تامة عن تحفظه، على ما ارتكب فى حقه من قهر ومعاناة وعدوان تعرض له الشعب الفلسطينى، بل تعرض لها الشعب العربى كله فى مصر وسوريا ولبنان والأردن من إسرائيل نتيجة الدعم المطلق من الغرب وأمريكا لها.
وإلا فبماذا تفسرون أن كل المثقفين كما تقولون وعلى رأسهم نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل، رفضوا الإرهاب، ومحفوظ نفسه تعرض له منذ سبع سنوات قبل أمريكا، لكنه يرى أن إستراتيجيات الحرب الراهنة جريمة مثلها مثل أى جريمة أخرى، حتى يوسف شاهين المخرج المستنير، قال إن شيئا ما فى نفسى منهم يتجاوز ألمى، فهم يستحقون ذلك.
وإذا كان الباحث الفرنسى أوليفيه روى يرى أن بن لادن استطاع أن يؤسلم مناهضة كامنة للولايات المتحدة، فإن هذه صورة كاذبة وخادعة، ليس بن لادن وطالبان هما اللذان خلقا هذه الروح المعادية لأمريكا وإسرائيل والغرب فى منطقتنا، بل إننا نرى أن الصورة من بغداد إلى غزة، ومن دمشق إلى الرياض لا تكشف عن ضغينة لأمريكا أ والغرب، لكنها ترى أن العدالة تقتضى مقاومة كل الإرهابيين، فبن لادن مثله مثل شارون.
وأن الصراحة وحق المكاشفة اللذين تطالبنا بهما أمريكا ليل نهار يجعلانا نقول لها كما قال وردد أكثر من مرة بشجاعة واقتدار الرئيس حسنى مبارك إن الاستياء الذى يجتاح العالمين العربى والإسلامى، قد يدفع أجيالا جديدة نحو الإرهاب، لذا فإن الأزمة الراهنة لن تنتهى بسقوط طالبان، أو تصفية أسامة بن لادن، لكن ونكرر، يجب أن تسودالعدالة، وتعترف إسرائيل أولا قبل أمريكا بعصر ما بعد الصهيونية كما يطالب الكاتب اليهودى توم سيجيف، وهذا يعنى أن تسير على النهج الذى اختطه إسحاق رابين عندما توصل إلى اتفاق مع ياسر عرفات أو حتى فى أثناء المناقشة التىفجرها باراك عن تقسيم القدس، ولم تقع السماء على رءوسنا، كما يقول سجيف.
إذا كان العقلاء من اليهود والأوروبيين والأمريكيين يرون الصورة بوضوح، فلماذا يدفعون العالم إلى الانهيار والصراع، ولا يضعون حدا للأشرار الجدد، الذين يفجرون العنصرية الجديدة والكراهية والبغضاء فى أبشع صورها، ويحققون العدالة؟