مقالات الأهرام العربى

من يدفع ثمن جرائم شارون؟

أحداث ديسمبر فى القدس وحيفا، أعطت شارون فرصة وشرعية ليواصل مهمته المحددة والصريحة، والتى جاء من أجلها وهى تدمير التسوية مع الفلسطينيين. فى وقت صعب ودقيق. شارون فى واشنطن ليحبط مهمة مبعوث السلام الجنرال زينى ورفيقه الدبلوماسى وليم بيرنز، اللذين وصلا، وأمامهما أهداف محددة، وهى تفكيك الألغام التى تواجه تنفيذ ورقة ˜تينيتŒ لوقف إطلاق النار، والتى تشكل مدخلا عمليا إلى تقرير ˜ميتشيلŒ، رغم قصوره، لكن إذا أضيف إليه خطاب كولن باول ˜فى كنتاكىŒ وتصريح بوش حول الدولة الفلسطينية، وتعهدات بلير فى الشرق الأوسط، فهو موقف جديد يقدم بلا جدال نقطة انطلاق، فهو يعطى الفلسطينيين والإسرائيليين معا مبررا وفرصة جديدة للدخول فى رحلة مختلفة لتغيير المواقف والسلوك. كل المبادرات من قبل المسئولين فى أوروبا وأمريكا وفى الأمم المتحدة.

ليست عمليات ˜نصب سياسىŒ فلا مبرر للنصب، فالغرب يملك أمام الرأى العام فى بلاده شرعية ضرب الإرهاب، ومشاركة العالم الإسلامى أو العربى قد تفيد، لكنها لن توقف الحرب ضد الإرهاب، فمبررات الحرب موجودة وقوية، بل إن العالمين الإسلامى والعربى أكثر حاجة للمشاركة فى الحملة العالمية ضد الإرهاب والتطرف، ليثبتا أن فيهما عقلاء يقفون ضد تخريب العالم. وهزيمة الحضارة الإنسانية.

لذا يجب الاعتراف عمليا بأن التغيير فى السلوك العالمى خاصة الأمريكى والأوروبى تجاه القضية الفلسطينية حقيقى، ومبنى على معطيات قائمة تؤكد أنه من الضرورى الوصول إلى العدالة مع الشعب الفلسطينى، حتى يستقر النظام العالمى، بعد الحرب الراهنة، التى أحدثت قلقا وخوفا واضطرابا هائلا فى العالم سياسيا واقتصاديا، وفتحت ملفا شائكا من الصراع، كان من المتصور أن التحضر الإنسانى والتطور سيتجاوزه، فإذا بهذه البؤر والبثور القديمة تفتح من جديد وتهدد كل المتغيرات العالمية بصراع لن ينتهى، سيتضرر منه الجميع، الأغنياء والفقراء، والمتقدمون وغيرهم، بل إنها تعبد طريقا للفوضى اللانهائية ونهاية بائسة لحضارة معاصرة صنعها الجميع، ولم يصنعها الغرب وحده، واستفاد منها الجميع، رغم بؤر الصراع والتوتر، وغياب العدالة هنا أو هناك، وكلها تحتاج إلى  عمل متواصل وإبداع إنسانى وتكاتف عالمى لتجاوزها، وليس عملا إجراميا وإرهابيا، يهدم المعبد والتطور والبناء على رءوس الجميع بلا تمييز أو رؤية، بل إن هذه الأعمال الإجرامية والإرهابية ضد الإيمان والعقيدة أيا كانت، فالخالق لم يطلب من الإنسان تدمير الحياة وإفقار الشعوب، لكنه طالب بالتعمير والبناء، حتى الرمق الأخير، وتلك مهمتنا الإنسانية، بل إن هذا هو مبلغ إيماننا وعقيدتنا الإسلامية.

نعود إلى القضية الفلسطينية وتطوراتها الدرامية، وهى مبعث همنا، وطموحنا أن يرى جيلنا الذى عاصر صراعا داميا طوال 50 عاما من عدم الاستقرار للمنطقة ككل، وظلما لشعب اضطهد من العالم ومن الإسرائيليين، هو الشعب الفلسطينى شريد القرن العشرين، وضحية الألفية الجديدة منذ يومها الأول حتى الآن، وطموحنا أن نرى الفلسطينيين فى دولة مستقلة حرة وعاصمتها القدس، يتحركون فيها بحرية وديمقراطية، ويبنون دولة ديمقراطية متقدمة فى الشرق الأوسط، تنافس إسرائيل وتسبقها فى البناء الاقتصادى والديمقراطى، ورفع مستوى معيشة الإنسان الفلسطينى، وترقية حياته، وأن تسهم فى استقرار منطقتنا، وتكون بؤرة تقدم ونمو، وحتى يتحقق هذا الهدف السامى، يجب هزيمة نظرية شارون فى الأمن والسياسة، القائمة على قمع الشعب الفلسطينى بالرغم من فشله الكامل فى تحقيق الأمن للإسرائيليين، كما وعدهم فى مائة يوم بعد انتخابه، بل إن فى عهده تحقق الرقم القياسى من العمليات الفلسطينية، فلم ييأس شارون عندما حاصره المجتمع الدولى لإعداد نهاية درامية تليق بمهمة زينى، ونجح إلى حد ما فى إعداد أجندة تستلزم ردا فلسطينيا يمكن توظيفه سياسيا ودبلوماسيا بغية الإيحاء بأن عقدة العنف والتصفية تكمن فى الموقف الفلسطينى الذى فجر الوضع مع وصول الوفد الأمريكى إلى المنطقة.

وفى هذا السياق تم تصعيد مسلسل الاغتيالات التى حصدت الأطفال والطلاب الفلسطينيين فى خان يونس، وقتلت أحد القيادات السياسة، وإضافة إلى إغلاق المكاتب الفلسطينية فى العيزرية والسماح بالبناء فى مخيمات الخليل، وتهيئة الأرض، ليأتى الرد الفلسطينى متزامنا مع وجوده فى واشنطن، ومع وجود الوفد الأمريكى، وحدثت عملية ˜العفولةŒ فى شمال إسرائيل، فى وقت كان فيه شارون يحلق بطائرته مع زينى لمدة 4 ساعات على طول الخط الأخضر بين إسرائيل والضفة الغربية، ليثبت لضيفه أن إسرائيل لا تستطيع الاستغناء عن الضفة ˜أرض الفلسطينيينŒ، باعتبارها حزام إسرائيل الأمنى.

ونسى شارون أن يقول لزينى فى الطائرة إن الجغرافيا والأمن التى يتحدث عنها من فوق بالطائرة، ليست هى الحقيقة على الأرض من تحت، فالخاصرة الضيقة الإسرائيلية ليست نتيجة الضفة التى طرأت على الجغرافيا الفلسطينية، بل نتيجة إسرائيل التى طرأت أساسا على هذه الجغرافيا، أى على فلسطين والشرق الأوسط.

ولكى لا يحقق شارون أهدافه وسياساته الإرهابية، يجب أن تلتف الفصائل الفلسطينية خلف قيادة الرئيس عرفات، وأن تتفهم الولايات المتحدة أن عرفات يبذل أقصى ما يستطيع، وأن الذى يحبط سياساته هو استمرار الاحتلال الإسرائيلى وسياسات العنف الشارونى وغياب الرؤية لدى حكومته لمستقبل بلاده والمنطقة، وأن السلطة الفلسطينية المتهمة مباشرة من حكومة شارون والمعلن عليها الحرب الإسرائيلية المباشرة، وبالسكوت الأمريكى أو بالضعف أو كليهما معا، هى الباب الوحيد للسلام، بل إن الرئيس عرفات هو الفرصة الأخيرة لمنطقة الشرق الأوسط للاستقرار والخروج من المأزق الراهن، والبديل عنه، فوضى واضطراب تصيب نيرانه إسرائيل نفسها، بل مستقبلها، وإننا جميعا فى المنطقة سندخل نفقا مظلما بغياب عرفات أو بإضعاف وتفكيك السلطة الفلسطينية، ويبدو أن ذلك ما يخطط له شارون، وستدفع أمريكا ومنطقة الشرق الأوسط بكل شعوبها، بل العالم كله ثمن جريمة شارون، حتى بعد غيابه، وسيكون على إسرائيل أن تدفع ثمنا فادحا لما ترتكبه الآن من جرائم فى حق السلام وحق الشعب الفلسطيننى، الذى قبل بوجودها وهو الذى يستحق التعويض الإسرائيلى ومكافأة المجتمع الدولى جزاء ما قدمه ثمنا للسلام والاستقرار العالمى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى