هل يصفِّى شارون عرفات؟

اكتملت الحلقات لكى تحكم قبضتها حول المتهم الذىأصبح يملك صحيفة سوابق لا تجعله يقضى بقية عمره وراء القضبان فقط، بل تقديمه إلى الكرسى الكهربائى، لاحظ أن طريقة إعدامه يجب ألا تكون بإطلاق الرصاص، لأنه وبالرغم من أنه كان عسكرىا، فهو لا يمت للعسكرية بصلة، فهو من زعماء العصابات الحقيقية، ومخططى الجرائم المنظمة، الذى لم يتوقف دوره إلى الآن، بل يتصاعد حاليا، وإذا كان الغرب قد رصده فى جريمة صابرا وشاتيلا فى لبنان عام 1982، وقدمته محطة الـ بى بى سى فى برنامج بانوراما، واكتشفه العرب فى حربى 67 و73 وقتله للأسرى الذين كانوا لا يملكون وسيلة للدفاع عن أنفسهم، فإن العالم سوف يكتشف أن شارون فى بداية الألفية الثالثة، لم يقتل الفلسطينيين فقط ـ عقب زيارته المشئومة إلى الحرم القدسى ـ لكنه قتل آمال السلام التى لاحت فى الأفق فى التسعينيات، والأهم الآن هو أنه يخطط لتصفية ياسر عرفات، رئيس فلسطين، لكى يستخدمه وسيلة للهروب، فيتهمه أولا بأنه هو الإرهابى، فإذا لم يتمكن من تحقيق ذلك فقد يلجأ إلى المقايضة لينجو بنفسه من الملاحقة، متصورا أن عرفات أسير لديه، وليس رئيسا تعترف به كل دول العالم ، ممثلا للشعب الفلسطينى، وما نعنيه هو أن شارون بدا فى خلال رحلته الثانية إلى واشنطن مصمما على توجيه كل الاتهامات إلى الرئيس الفلسطينى، ولم يجد إلا أن يلصق الجرائم المتهم هو بها ـ لكى يتهم بها عرفات، مدعيا بأنه رئيس عصابة إرهابية، ويجب على العالم أن يتعامل معه على هذا الأساس، متماديا فى حشد الرأى العام العالمى ضد عرفات، مشيرا إلى أنه إذا نظر العالم إليه كرئيس إلى عصابة من الإرهابيين، فإنه ربما يدرك أنه يتعين عليه وقف العنف، وفى الحقيقة أن شارون كان يجب أن ينظر إلى المرآة عندما يتكلم، فربما أدرك أنه هو نفسه المقصود بما يقول، وأنه سيواجه نفس مصير سلوبودان ميلوسوفيتش، أو بينوشيه، وإن كانت جرئمهم أخف وطأة من جرائم شارون وتزثيراتها.
لم تتوقف تهديدات شارون إلى عرفات بالهجوم اللفظى، بل كشف فى أحاديه فى واشنطن عن أنه بالفعل يخطط لتصفية الرئيس الفلسطينى، فقد استغل لقاءه مع بوش لكى يمارس نفس دوره، ووضع حاجز بين الأمريكيين والرئيس الفلسطينى، متهما عرفات بأنه وراء الموقف الأسوأ الذى تعيشه المنطقة الآن، فهو حسب وجهة نظره يسيطر سيطرة كاملة على الموقف، وأنه لم يعط أية تعليمات لمنع التحريض أو القبض على الإرهابيين المتورطين فى العمليات الأخيرة، مقدما عريضة اتهام عرفات، بأنه منذ أن وافق على وثيقة تينيت إطار العمل لوقف إطلاق النار الذى قدمه مدير المخابرات المركزية الأمريكية فإن إسرائيل واجهت 30 هجمة إرهابية قتل فيها 14 إسرائيليا و10 مصابين، ويزعم شارون بأن عرفات يلعب مع الإرهاب، ويقوم بتصنيع السلاح، وعندما يبادره أحد بالتساؤل هل تقومون بتصنيع الأسلحة؟ فيؤكد نعم مدافع الهاون.
وعندما يسأل هل عرفات شريك فى السلام؟
فيقول عرفات يحكم ائتلافا للإرهاب، ومنظماته الأمنية متورطة فى الإرهاب، بما فى ذلك الحرس الرئاسى، ويضيف ليبرر مخططاته المستقبلية إن عرفات يتعاون الآن مع حزب الله، الذى بدأ فى العمل داخل إسرائيل.
إذا رصدنا كل ما يقول شارون الآن عن عرفات فإنه يتكلم عن نفسه، فمن يحكم بائتلاف مع الإرهاب، أليس هو شارون؟ لكنه يقلب الحقائق ومحاولاته تشويه عرفات أمام الرأى العام يخلق واقعا مختلفا يبرر ما يخطط له شارون أمام المجتمع الدولى، ويعطى تبريرا واقعيا لتصفية رئيس السلطة الفلسطينية، وإذا استخلصنا كل الوقائع، فسوف نبرر الصورة بوضوح لما يرمى إليه شارون فى جريمته الجديدة التى يخطط لها ويمهد الأرض لتحقيقها، فيقول إن أهم أسباب المشكلة الراهنة هى أن عرفات اعتاد على المفاوضات تحت الإرهاب، وهو قد يرغب فى التفاوض تحت الإرهاب الآن.
وعندما يسأل عن أوسلو عملية السلام عام 1993 يقول إنها ماتت، وإنها لم تجلب السلام ولم تجلب الأمن.
ماذا يريد شارون إذن إذا كان يسقط شرعية السلام الأرض مقابل السلام؟ إنه يريد خلق شرعية جديدة، وصفها صديقه فريدمان الكاتب المتعصب لإسرائيل بوضوح شديد لا يقبل اللبس أو التأويل، بأنه إذا كانت التسعينيات أوسلو هى عصر صنع السلام فى الشرق الأوسط، فإن هذا العقد قد يصبح عصر وقف إطلاق النار، وهى فترة طويلة الأمد، أدنى ما نتوقعه فيها هو وقف إطلاق النار، وأقصى ما نتوقعه منها هو وقف إطلاق النار أيضا.
إذا كان هذا ما يبشر به الكاتب المتعصب فإن رئيس الوزراء الإرهابى يطرح مخططات جديدة تربك الجميع، فهو يطرح بوضوح أنه لا يريد عرفات، وأى شخص آخر سيكون بديلا أفضل فى المستقبل، وعندما يواجه بأن الفوضى ستحل عندما ينتهى الرئيس الفلسطينى الحالى، يقول وما الذى يحدث الآن؟
ويقول إن التوصل إلى اتفاقية مع شخص آخر سيكون أسهل، ويرى أن الشعب الإسرائيلى أدرك بذكائه أنه شخص ضد السلام، أو معوق له، ويطالب الولايات المتحدة بوضعه فى قائمة الإرهابيين.
وعندما يسأل هل من الممكن أن تعقد صفقة مع عرفات؟ يقطع الإرهابى شارون بأنه لا يمكن عقد صفقة مع منظمة إرهابية، والدليل أنه عندما يسافر يعطى تعليماته بقمع الإرهاب.
وهكذا أعطى شارون فى أحاديثه فى أمريكا عريضة اتهام طويلة ضد السلام وأصحابه فى فلسطين، وعلى رأسهم أوسلو، وزعيمها عرفات، فبعد أن أسقط شركاءه الإسرائيليين فى السلام، لم يصبح هناك عدو لدود له إلا عرفات، وسلام أوسلو، وكل ما يمثله.
والصورة الغائمة الآن، هى أن الضعف الأمريكى وصل إلى ذروته، وشارون ينتقل إلى التخطيط إلى جريمة جديدة، فهذه الشخصية الدموية التى يمكن أن تتوقف عن ممارساتها، فيتغذى على الإرهاب والدموية، وتخطيطه القادم هو تصفية عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية لكى يفتح الباب أمام المنطقة لجهنم الحمراء ويجر كل الشعوب إلى حروب طاحنة، ويدخل بنا إلى دوامة جديدة من العنف، ويقفل بابا فتح أمام الشرق الأوسط للخروج من أزمته.
وإذا ركزنا قليلا لاكتشفنا أن كل عوامل التطرف والإرهاب فى منطقتنا، فرحة بوجود شارون وممارساته، وأنه تنتعش الآن، فهى البديل الوحيد القادر على التعامل مع عملياته الإرهابية، حسب وجهة نظرها. وإذا كنا نتفق مع تحليل الباحث السياسى الإسرائيلى يارون إزراحى فى أن الصواريخ الإنسانية لا تدمر فقط ضحاياها، لكنها تدمر الشعب والأمة التى تشنها، لكننا نقول إنه يبدو أنها البديل الوحيد للتعامل مع شارون وأمثاله فى إسرائيل، مع عدم استعداد العالم للتدخل بطريقة حاسمة لتسوية الصراع، لأن ذلك يتطلب تكاليف سياسية، ليس هناك استعداد أمريكى أو أوروبى لدفعها.