مقالات الأهرام العربى

حتى لا تسرق إسرائيل الانتفاضة

كشف الرئيس حسنى مبارك بوضوح ودقة وجرأة خلاصة الموقف فى الشرق الأوسط، حيث لخصه قائلا إن شارون لا يعرف سوى القتل والحرب ولا حل فى وجوده، لأن فى إسرائيل حكومة تجيد القتل لا التفاوض، وهكذا كانت نتيجة الجولة الأخيرة لمفاوضات القاهرة مع شيمون بيريز وزير خارجية شارون، حيث التقى خلالها بالرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، هذا الموقف يفرض سيناريوهات جديدة على منطقتنا، فلا يمكن القبول باستمرار إسرائيل فى قتل الفلسطينيين والتنكيل بهم، وبأطفالهم وحصارهم المستمر الذى يشمل كل أوجه الحياة، والذى انتقل من القتل المخطط بالاغتيالات إلى  ضرب المدنيين بالطائرات إف 16 و˜الآباتشىŒ مع تدمير منازل الفلسطينيين، وقد شمل القتل والإبادة الأطفال قبل شباب الانتفاضة، الذين يقاومون الاحتلال بالحجارة.

ولذلك كان قرار إيفاد مراقبين دوليين أو حتى أمريكيين قرارا يصب فى المصلحة الفلسطينية، لأن وجود هؤلاء المراقبين هو الوسيلة الوحيدة لكشف العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى.

فقد نجحت إسرائيل مع الأسف الشديد فى إجهاض روح الانتفاضة الفلسطينية أمام الرأى العام العالمى، الذى نعول عليه كعرب وعلى دوره فى المستقبل للوصول إلى الحقوق الفلسطينية المشروعة، بتصوير الانتفاضة وكفاح شعب ضد الاحتلال، على أنه معركة بين جيشين أو دولتين، إسرائيل وفلسطين شبه المستقلة، لأن عرفات يتحرك عالميا كرئيس دولة، وترفع له الأعلام وتردد له الأناشيد، فى حين أنه رئيس سلطة تحت الإنشاء ولا يملك إلا وحدات صغيرة من الشرطة الفلسطينية، التى مهمتها حفظ الأمن والاستقرار داخل الضفة وغزة فقط، وقد صورت هذه القوات الشرطية المحدودة بأسماء الفرقة 17 وغيرها من المؤسسات العسكرية الفلسطينية الوهمية، وكأنها قوات تقاوم الجيش الإسرائيلى، واستطاعت إسرائيل استدراج الفلسطينيين وزعماء فتح وحماس والجهاد إلى تصريحات علنية فى الفضائيات ووسائل الإعلام، وكأنهم قادة لجيوش وميليشيات شبيهة بأسامة بن لادن، وغيرها من المسميات، كل ذلك من يدفع ثمنه؟ يدفعه الأطفال والنساء والشيوخ والأسر والشعب الفقير الذى يبحث عن العيش والحياة واسترداد حقوقه وحريته وأرضه وسيادته. الفلسطينيون رفضو ا الاحتلال ويقاومونه فى انتفاضة شعبية عارمة، وليس بقوات عسكرية أو ميليشيات وهمية يبحث قادتها عن البطولة والانتصار العسكرى فى التصريحات العلنية والعنترية، التى نجحت إسرائيل من خلالها فى تشويه روح الانتفاضة وإجاهضها، وبالتالى حصلت من المجتمع الدولى أو بعضه على صكوك شرعية بضرب الشعب الفلسطينى على اعتبار أن ذلك مقاومة مشروعة، ويعد ضربا للإرهاب وغطرسة القوة للتيارات الإسلامية التى أصبحت سمعتها عالميا يشوبها الكثير، نظرا لأن كل ما تمثله فىالعالم هو عمليات قتل وإرهاب للمدنيين وللمؤسسات وللسفارات وخطف وقتل النساء والأطفال والرهائن.

وبهذا الأسلوب استطاعت إسرائيل وإعلامها سرقة روح الانتفاضة ولم ينجح الفلسطينيون والعرب فى كشف العدوان الإسرائيلى على الأبرياء والشعب، بالرغم من أن كل ما يجرى فى الأراضى المحتلة هو فضيحة القرن، لأنه يكشف البربرية والنازية، ويحطم كل الأساطير السابقة عليها، فنازية شارون وأفعال الجيش الإسرائيلى مع الفلسطينيين ليس لها نظير فى تاريخ البشرية من حيث القتل والتعذيب والإبادة.

وسوف تلطخ تاريخ اليهود وإسرائيل، وستكون مضرب الأمثال طوال التاريخ الإنسانى القادم، فلأول مرة تنطلق مروحيات لتتعقب أسرة محدودة تركب سيارة لتقتلها بالصواريخ.

ولأول مرة تصدر محاكم فى دولة تسمى نفسها ديمقراطية أحكاما بتعذيب طفلة لإجبارها على الاعتراف على شقيقها، ولأول مرة على المسرح العالمى نرى دولة تمارس الإرهاب على الأطفال والبنات، وتسمح باغتصابهن فى السجون لإرهاب الآخرين، ولأول مرة نسمع عن جيش احتلال يستأسد على شوارع وبيوت ويبيد الحياة، ثم يتحدث قادته عن التفاوض والسلام مع المبعوثين الأمريكيين والروس والأوروبيين.

ولأول مرة يقتلون الأطفال والنساء، ويمثلون بجثثهم، لأنهم من الممكن أن يقتلوهم بالرصاص، فيقتلوهم إمعانا فى التمثيل بالصواريخ والطائرات، لكى يحدثوا أكبر كم ممكن من الخسائر فى الأرواح والممتلكات، والأهم عندهم أنه يتصورون أن القوة العسكرية العاتية تستطيع إخافة الشعب وإجباره على الاستسلام، وهذا هو التمثيل بعينه بالحياة وبالأرواح، بالإضافة إلى بث الرعب فى قلوب الأطفال والرضع والنساء، لكن العكس هو ما يحدث وروح التحدى تصيب الشعوب، عندما يصل القتل والإبادة إلى هذا المستوى الوضيع والوقح.

لكن ماذا يحدث الآن؟ هناك مراقبون دوليون أو أمريكيون لمحاولة تثبيت وقف إطلاق النار، وهو أيضا موقف مزعوم، استدرج إليه الرئيس ياسر عرفات الذى بهرته أضواء المعركة، فتصور فعلا أنه فى معركة، ونسى أن هناك جيشا للاحتلال يطلق النار بكل الأسلحة والطائرات والصواريخ والدبابات على شعب أعزل لا يملك جيشا أو أسلحة، لكن إسرائيل التى استدرجت عرفات، كما استدرجت الفلسطينيين بتصوير أن طلقات الهاون المصنع محليا قد أخافت اليهود والمستوطنين، لكى تشعل الموقف وتسرق الشعب المطحون ووسائل إعلام العالم العربى التى تطبل ليل نهار لا تملك هدفا محددا تسعى إلىتحقيقه، ثم كانت العمليات الاستشهادية داخل تل أبيب هى الأخرى وسيلة أو طوق النجاة لإسرائيل أمام الرأى العام العالمى، لكى تصور الشعب الأعزل بأنه عاد لتهديد إسرائيل وإبادتها، وبالتالى فإن إسرائيل حرة فى التصرف وضرب هذا الشعب بكل الأسلحة، كل ذلك من أجل إجهاض الانتفاضة وإفشال ثورة الشعب بحثا عن الحرية والدولة فى زمن حقوق الإنسان.

ونجحت إسرائيل وفشل العرب والفلسطينيون دوليا وعالميا، و بالتالى فالقضية الفلسطينية عادت إلى الوراء خطوات، بعد أن كانت الانتفاضة قد دفعتها إلى الأمام خطوات.

أمام هذا التغيير الحاد نحن فى حاجة إلى إستراتيجية جديدة ورؤية متغيرة نذهب بها من جديد إلى  المجتمع الدولى لكى نكشف العدوانية الإسرائيلية ونبرز كفاح الشعب ضد الاحتلال وقبوله بالسلام والتفاوض، حتى يمكن أن نصل إلى الدولة الفلسطينية، وكفانا عنتريات، ولندرس كل تجاربنا السابقة، وإخفاقاتنا المتكررة، وننسى ولو بعض الوقت التمثيل والكلام والتصريحات والخطب العنترية، فى حين أننا نفقد القضية مع الأطفال والموارد وتضيع الأراضى والحقوق، ولنركز صوب الهدف، وهذا لن يتحقق إلا بإنكار الذات وتغيير الواقع وقتل شهوة الحديث بلا فعل، أو الانتصار الوهمى، فى حين أن الإخفاق والهزيمة هما الحقيقة المرة.

نحن نملك ما هو أقوى من الجيوش والأسلحة والطائرات، نملك الحق فى كشف العدوان، نملك براءة وطهارة شعب أعزل يبحث عن الحرية والخلاص من الاحتلال، ادرسوا الموقف بلا انفعال أو عنتريات، وسوف تنتصرون بقوة الحق، وستكون معكم كل شعوب الأرض، ولا يستدرجكم شارون وحكومته إلى الأرضية التى يريدونكم أن تقفوا عليها، حتى يتمكنوا منكم، ويهربوا من جريمتهم الشنعاء، التى سوف تطاردهم وستنزل بهم العار والخيبة، مهما كانوا يملكون من قوة وعتاد أمريكى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى