مقالات الأهرام العربى

كيف انتصرت الانتفاضة؟

عندما ينتصر العرب يجدون دائما من يحاول أن يقلل من النصر، حدث ذلك عبر تاريخنا كله، حتى فى الانتصارات الباهرة رغم قلتها، ولا أقول إنهم يجدون دائما من يحاول أن يسرق النصر ويعيد تصدير اليأس والهزيمة إليهم. ونحن نعيش الآن، ومنذ أن خرجت إلى النور انتفاضة الشعب الفلسطينى انتفاضة الأقصى نصراً عربياً جديداً ومؤزراً، تواصلت فصوله على مدار الأشهر العشرة الماضية، معبرة عن قدرة الفلسطينىين على التصدى للاحتلال، تعبيراً عن حقوق شعبهم وهويتهم. لقد كشفت الانتفاضة عن بطولات مذهلة فى كل طفل وامرأة وشاب وشيخ فلسطينى وصاغت فى مجملها ملحمة من النضال وثورة نبيلة فجّرها شرفاء يرفضون اليأس والهزيمة، وهم لا يملكون سلاحاً، فالفلسطينيون أطفالاً وشبابا ونساء ـ يقاتلون بشجاعة فى مواجهة قوات الاحتلال المدججة بالطائرات والدبابات والصواريخ التى تضر بهم فى الشوارع وليس فى ساحات قتال وصواريخ تطلق على الأطفال والنساء فى العمارات والشقق السكنية، إن قوات الاحتلال تحاصر الفلسطينيين وتعزلهم فى كانتونات صغيرة. وتقيم الحواجز بين الشوارع وعلى الممرات، بل تمنع عنهم الماء والغذاء، وتحاول أن تجعل الحياة جحيما وجنازات، فإذا الفلسطينيون الرافضون للاحتلال والمقاومون للقوة الغاشمة. والأسلحة الحبارة يحولون جنازات الشهداء إلى قوافل للفداء وحب للوطن. وإذا رصدنا ما يحدث فى فلسطين من انتصارات وروح جديدة تخلق على الأرض، فسوف يحسب للفلسطينيين أنهم غيرّوا خريطة المنطقة ورسموا شهادة صمودها، وأعلنوا للعالم ـ بلا افتخار بالقوة ـ أنهم صنعوا من الضعف قوة، وأجبروا القوى المتخندق خلف أسلحته وعتاده على الخوف والحذر، وأصبح الإسرائيليون يعرفون جيدا أنهم رغم قوتهم المفرطة وتسلحيهم حتى النخاع غير قادرين على هزيمة الفلسطينيين، رغم عدم تسلحيهم ومحاصرتهم إقليمياً وعالمياً، وعليهم اليوم ـ أى الإسرائيليين ـ أن يعيدوا حساباتهم من جديد إذا أرادوا أن يجتازوا أزمتهم، وأن يعيشوا فى منطقة الشرق الأوسط.

تذكرت الثورة النبيلة والانتصار الفلسطينى وأنا فى طريقى إلى حوار تليفزيونى فى أبوظبى شحذت ذهنى.. لأصل إلى إجابة عما تحتاجه هذه الثورة حتى تستكمل انتصارها، وتحقق أهدافها وصولاً إلى الدولة الفلسطينية، هل تحتاج إلى قمة عربية جديدة لمواصلة دعمها أم أنهما فى حاجة إلى عمل جديد يتناسب مع ثورة أبطالها وانتصارهم الكبير على قوى البغى والقوة؟ فتبادر إلى ذهنى أن شارون وحكومته فى إسرائيل يشعرون بالأزمة، ويلاحقهم العار فى كل مكان وأخذت أستعرض مجموعة مقالات فى صحف أجنبية، والتى ظلت طويلاً تطبل لإسرائيل وعسكريتها المنتصرة وديمقراطيتها، وحفاظها على حقوق الإنسان فانقلب العالم عليها وأصبحوا يكتبون فى هيرالد تريبون عنوانا كبيراً ˜بالاغتيالات وإسرائيل تخسر الكرامة وتفوز بعدم وجود الأمنŒ حيث يسخر الكاتب من إسرائيل الدولة التى رفضت عقوبة الإعدام كمسألة مبدأ فيما عدا استثناء واحداً هو أودلف إنجمان مهندس معسكرات الموت النازية، لذلك فإنه من السخرية أن تنتهج هذه الدولة ما يطلق عليه الدفاع النشط أى تنفيذ عقوبات الإعدام بدون تدخل المحاكم. وهو الاغتيال المستهدف للفلسطينيين، الذين يعتبرهم الجيش أو الشرطة إرهابيين على أساس تقارير المخابرات، فإذا بهما يقتلان طفلين وصحفىا زائراً فى هذه الهجمات بما يعد قدراً محزناً لأناس أبرياء لا حول لهم ولا قوة. ويطالب الكاتب بأن يتحرك الرأى العام بشكل متزايد نحو المطالبة بعقوبة عن جرائم الحرب من الدول الغربية التى ظلت طويلاً مؤيدة وصديقة لإسرائيل.

ويصف كيف أن قاضيا بلجيكيا ينظر الآن فى قضية شارون فى مذبحة معسكرات اللاجئين فى صبرا وشاتيلا، والدنمارك لا تريد سفيراً لإسرائيل لأنه كان رئيسا سابقا للبوليس السرى، يرى أن التعذيب عملية مفيدة، ويصف الكاتب الأمر أنه صدمة لا يصدقها عقل لإسرائيل بماضيها ومثالياتها المزعومة ـ وأن اتهامها بجرائم ضد الإنسانية يأتى من قبل أناس ليسوا بأى حال من الأحوال من أعدائها، وهذا أيضا جزء من التغيير العميق الذى يحدث ولنقلها بكل صراحة إن القتال الدائر فى الأراضى المحتلة لن تفوز فيه إسرائيل حتى بالأمن، ولندع الكرامة جانباً.

وكاتب آخر وهو السفير الأمريكى فى إسرائيل الشهير مارتن أنديك الذى يطالب بدور حاسم للولايات المتحدة، وينتقدها على التأخر فى إنقاذ الموقف كما يطالب بفريق أمريكى قادر على مراقبة وقف إطلاق النار أسوة بما حدث فى جنوب لبنان منذ 1996 وحتى الانسحاب الإسرائيلى العام الماضى.

وها هو السفير ريتشارد ميرفى مساعد وزير الخارجية السابق يقول ويكتب كلاماً جديداً يطالب فيه بدور لمجلس الأمن بإعلان والاعتراف بدولة فلسطينية للتخلص من حالة الحصار الذهنى الذى يسيطر على الفلسطينيين والإسرائيليين، ويصيب تفكيرهم بالشلل مصوراً، احتلال إسرائيل لبيت الشرق بأنه خطأ جسيم كشف للفلسطينيين عن أن إسرائيل تريد سحق كل طموحاتهم القومية لكننى أقف أمام الاقتراح الجديد وأعتبره تغييراً فى الاتجاهات الأمريكية جديراً بالدراسة والبناء عليه، فهو يتوقع من مجلس الأمن تغيير القرار 242 والعودة إلى الأرض مقابل السلام، وأن توافق أمريكا على إصدار قرار من مجلس الأمن يسمح بقيام دولة فلسطينية قابلة للنمو والسيادة على الأرض فى الضفة الغربية وغزة من حيث ستنسحب إسرائيل والعودة إلى حدود خطوط الهدنة قبل 1949 على أن تستأنف المفاوضات بشكل عاجل لتحديد كم الأراضى التى تنسحب منها إسرائيل مع ضمان أمنها.

وىتصور مىرفى أن إدارة حملة أمرىكىة من أجل تفعىل قرار مجلس الأمن.. للكشف عن الهدف الكلى للمفاوضات الفلسطىنىة ـ الإسرائىلىة.. قد ىعىد تأكىد الزعامة الأمرىكىة لكن بطرىقة تدعو إلى التعاون الدولى.. وىرى مىرفى أن إسرائىل ىجب أن تعىد التزامها بالحصول على السلام.. بالانسحاب من الأراضى المحتلة.. كما انسحبت من مصر فى 1979 بعد كامب دىفىد.. وانسحبت كلىا من الأردن ولبنان. وكما أعلن باراك استعداده للانسحاب من الجولان والتدرج فى الانسحاب من الأراضى الفلسطىنىة مع وجود ترتىبات أمنىة ناجحة مع كل الأطراف على الأراضى التى تنسحب منها.

وهكذا جاءت مقالات لا نهائىة لتكشف عن تغىىر جوهرى فى مسار الإعلام العالمى، أحدثته انتفاضة الشعب الفلسطىنى وتغىىر سىحدث على الأرض وفى أمرىكا وداخل إسرائىل.. فكل شىء مهتز والصورة تتغىر وكل هذه المتغىرات. أوجدها شباب وأطفال الانتفاضة الفلسطىنىة الباسلة والمنتصرة.

نرىد لهم دعما وعملا عربىا متواصلا.. ىتسم بالذكاء والقدرة على الحركة بفاعلىة.. فالانتفاضة مازالت فى حاجة إلى الدعم الاقتصادى، والذى ىجب أن ىكون متواصلا. ومن كل الفئات سواء من المجتمع الأهلى أم الجمعيات غىر الحكومىة أم الرأى العام العربى، فضلا عن الحكومات.

وتحتاج عملا عربىا متواصلا لإنشاء مؤسسة عربىة لإدارة الصراع السىاسى مع إسرائىل، وفى قلب الولاىات المتحدة وأوروبا عن طرىق الاتفاق مع عدد من الخبراء والمتخصصىن فى الإعلام.. والعلاقات العامة الدولىة.. لأننا نملك قضىة منتصرة وعادلة وتحتاج فقط إلى من ىعبر عنها وىنقلها إلى كل إنسان على الأرض بصدق وبصورة واقعىدة للإعلام العالمى وبتكىىف ىلىق بنضال الفلسطىنىىن، عندها سىحدث تغىىر جوهرى على صعىد الرأى العام العالمى. ىنتقل صداه فوراً إلى متخذى القرار فى كل العواصم. وستكون نتىجته الأكىدة فى صالح الشعب والقضىة الفلسطىنىة العادلة.

حان الوقت لإنقاذ القضىة الفلسطىنىة وتحقىق نتائج الانتفاضة على الأرض بضغط قومى عربى جماعى متواصل بعىدا عن المزاىدات أو الشعارات العنترىة.. التى لا تغنى ولا تسمن. وفى نفس الوقت لا تنقذنا من الهمجىة الإسرائىلىة المتوحشة، أو نترك الساحة لمبادرات جهادىة أصولىة قد تلقى شعبىة من الشارع المتعطش للانتقام.. لكنها تسقط أى قىمة للعمل السىاسى.. وتلحق الضرر الفادح بنبل الاستشهاد الفلسطىنى وبعدالة القضىة.

إننى أرى أنوار النصر قادمة، وراىات الدولة الفلسطىنىة مرتفعة، مهدت إلىها أرواح الشهداء، وقلوب المخلصىن وعدالة القضىة التى تحرسها عىون الحق التى لا تغىب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى