مقالات الأهرام العربى

الانفلات

الأخطاء أو حتى الجرائم لا تبرر الانفلات، ولكن توجب التحرك السريع والمواجهة الحاسمة.

وقد شهدت القاهرة حادثاً أهوج، نتج عن تصرف طائش بعيداً عن الحكمة وجرياً وراء الإثارة برؤية قاصرة أو لنقل بثقافة شعبان عبدالرحيم، الذى اتخذه بعضنا أو جميعنا قدوة ورمزاً للغناء لأنه قال ˜أنا بكره إسرائىلŒ.

وعلى نفس المنوال وجدت صحيفة مستقلة ضالتها المنشودة فى شريط فيديو يباع سراً مثل أشرطة الإباحية المهربة، لتحوله إلى مادة صحفية ساخنة أو هكذا تصورت لكى تنقل صور الشريط الفاضحة ولغته الهابطة والرخيصة إلى الرأى العام، مما جعل هذا النشر مادة لكى تشعل قلوب بعض الشباب، الذين تصوروا أن هذه الصحيفة ˜الصغيرةŒ تعبر عن أحد، أو أن وراء هذا النشر قصداً للإساءة، وتعكيراً للصفو بين المسلمين والمسيحيين، فى  حين أن هذا الأسلوب فى النشر لا يسىء فقط للمسيحيين، أو للكنيسة أو للرهبان، ولكن لكل المصريين مسلمين ومسيحيين.

وبالرغم من أهمية الاعتراض أوالرفض لكل ما هو خطأ إلا أنه يجب أن نضعه فى إطاره الصحيح، حتى يعمينا الخطأ عن رؤية الحقيقة، واتخاذ الموقف الصائب والناضج الذى يعبر عن المعترضين والرافضين للأسلوب الهابط.

فيجب أن نضع كل شىء فى  حجمه الصحيح، حتى لا نكون مثل المهولين، الباحثين عن حدث، حتى لو كان جريمة رخيصة، لنصنع منه مادة مثيرة لاهتمام الشارع وحديث الناس فى يوم وليلة وكأنه حادث يستحق كل هذا الاهتمام، والبحث والتدقيق.

فما لجأت إليه صحيفة ˜النبأŒ من نشر فاضح لجريمة أحد الرهبان السابقين لارتكابه جريمة مخلة بالشرف أو فاضحة يجب أن يكون فى حجم الصحيفة، وفى حجم راهب سابق، وقد أصبح مواطناً عادياً، يسرى عليه ما يسرى على كل من يرتكب جريمة، ويقدم للمحاكمة العادلة.

ليس هناك أحد فوق القانون، حتى ولو تخفى فى قداسة الدين ولا ننسى أن المزواج السوايركى ارتكب جرائمه بحثاً وراء شهواته متخفياً بالحصانة الدينية، فكُشف وقدم للمحاكمة.

وإذا كانت هذه الجريمة الأخيرة المثارة قد كشفت فى حينها بكل وضوح أمام الرأى العام، عندما استخدم شقيق هذا المتهم شريطاً فاضحاً لتهديد امرأة فى شرفها لمحاولة إخضاعها لرغباته المشبوهه، أو لوضعها فى موقف ضعف لابتزازها مادياً أو جنسياً، كل هذا لا يبرر النشر الفاضح والمخل بكل القيم المجتمعية والمهنية، ولا يعفى صاحبها من أنه استغل حادثة قديمة وأعاد نفخ النار فيها لإشعال فتنة داخل المجتمع وإثارة إخوة أعزاء علينا. تصوروا أن هذا النشر، قصد به الإساءة إلى الكنيسة أو إلى المسيحيين المصريين وإخوتنا فى الوطن.

هذه القضية بكل ملابساتها وتفاصيلها، فجرت أوضاعاً كثيرة كان مسكوتاً عنها، ويجب ألا تكرر على الإطلاق وفى مقدمة ذلك الصحف الفضائحية والإثارة أو التشويه فيجب أن يكون هناك رادع كاف لها ولا نتركها لتعيث فى الأرض فساداً، كما أن الحرية لا تعنى الفوضى، خاصة إذا كانت تقتص من حريات الآخرين وتسىء إليهم، وهذا يعنى أن المؤسسات والنقابات والقضاء عليها، وعلينا جميعاً أن نتحرك سريعاً لمواجهة أى خطأ يرتكب باسم الحرية منعاً للفوضى، وتغييب القانون وفرض البلطجة، والرؤى الأحادية المتسلطة على الأكثرية.

كما أن القضايا التى تتهم الأفراد أو الجماعات بدون محاكمة جادة أو سؤال قضائى محدد، يجب أن نضعها فى حجمها الصحيح كتساؤل يحتمل الخطأ أو الصواب، حتى يخضع الفرد لتحقيق موضوعى يكشف حقيقته، وإلا أصبح أى فرد صاحب سلطة اتهام ينوب عن المجتمع كبرلمان أو قضاء لأنه صاحب صحيفة أو محطة إذاعة أو محطة تليفزيون.

وفى هذه الحالة سوف تتحول حرية الصحافة والإعلام إلى نقمة على المجتمع ككل، وسيلجأ كل سياسى أو رجل أعمال إلى إصدار صحيفته أو مجلته أو محطة تليفزيون لتكون ناطقة باسمه وحامية لمكانته فى المجتمع، لأن سلطات المجتمع عجزت عن إيصال الحقوق إلى أصحابها، فقرروا أن يحصلوا عليها بأيديهم أو بأموالهم وهذا خطر على الحرية وعلى الاستقرار.

مؤسسات المجتمع يجب أن تعمل كلها بكفاءة واقتدار حتى تصل الحقيقة كاملة للشعب بوضوح وبلا مواربة، فهناك تساؤل ملح يطرح على الرأى العام والمعركة ناشبة بين مختلف فئاته وأحزابه والاتهامات تطال شخصيات عامة ليل نهار، وبلا تحقيق أو تحديد للمسئولية وصولاً للحقيقة، حتى يصبح ما ينشر كأنه الحقيقة، ماذا يفعل هؤلاء حتى يبرئوا أنفسهم أو يدانوا ويقدموا للمحاكمة؟ فلا يجب أن نجعل الشخصيات العامة عرضة للتشويه والقيل والقال، بلا حسم وكأنه كتب على الشخص العام أن يكون مشوهاً أمام نفسه وأمام أسرته أو مجتمعه أو أن هذه هى ضريبة العمل العام حتى يهرب كل الشرفاء ويتركوا الساحة لأصحاب الجلود السميكة.

هذه القضية التى شغلت الرأى العام كشفت عن قصور حاد لدى مختلف المؤسسات خاصة الإعلامية التى لا تطرح قضايا جادة قادرة على التأثير فى الرأى العام وتوجيهه نحو تحقيق مصالحه فى تغيير حقيقى، يشرك كل مواطن فى المسئولية، ويلقى عبء التغيير والتطور والنمو وتطوير كل مجالات الحياة عل كل المواطنين وليس مجموعة محدودة من المسئولين، أصبحوا عاجزين عن إحداث أى تغيير ملموس فى حياة البشر، وفتح مجالات جديدة أمامهم لصناعة مستقبل أفضل لأنفسهم ولوطنهم ولا نتركهم فريسة ضعيفة لكل عناصر الإثارة والفوضى ويصبح خروجهم من هذه الحالة بكارثة.

حالة الاكتئاب المجتمعى لن يكون الخروج منها بالمخدرات فقط، ولكن بالعمل الجاد وإشراك الجميع فى المسئولية بكل وضوح وشفافية وعمل جماعى ولغة جديدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى