ليست أزمة كرة

ليست هناك نهاية للأزمات أو الخلافات إلا بتوقف حركة الحياة، بل إن هناك من يشير إلى حيوية منطقة ما وفعالياتها بكثرة الأزمة، ومنطقتنا العربية، تشتهر بكل أنواع الأزمات، التى لا تتوقف فيها الأزمة عند حدودها الجغرافية، لكنها تتفاعل من الأطراف إلى القلب مباشرة، حتى لو كانت أزمة كرة حدودها فقط ملعب كرة قدم، فى الدنيا، وفى العالم المتقدم هناك آليات، يتفق فيها الفرقاء لحلحلة الأزمات، ووقف تداعياتها، وهذا الأسلوب يتفق عليه، بأنه الهيكل أو البنية الأساسية للنظام، التى تكفل التفاعل، أى تفاعل أن يجد منطقاً للحل والتفاهم، لكننا مازلنا فى منطقتنا، فى الحالة الرمادية نترك الأزمة تتفاعل بين الأسواق والصحف والجمهور والمؤتمرات والندوات لتكون بؤرة المناقشة، ثم تنتهى مناقشاتنا بالتوجيهات أو الخطب الرنانة، ولا يعرف أحد، لمن التوصيات ومن سينفذها.. وبالتالى، فأزماتنا مستمرة ومتكررة ومزمنة، لأن التوصيات لم تنتقل إلى المرحلة الثانية، وهى آليات التنفيذ، التى تأخذ كل هذه الأفكار الجميلة، وتعرضها أو حتى تحاول أن تضعها موضع اختبار أو تنفيذ جدى، يكون مرحلة متقدمة فى حياتنا، ويعنى ذلك غياب الحسم، والأخطر القدرة على التنفيذ، كل هذه التداعيات، وصلت إلى عقب مشاهدة مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر، ورغم تحمسى لفريق أو دولة، فإننى عادة عقب المباراة، أحترم الفريق الذى يؤدى واجبه، حتى ولو هُزم، ولذلك عشت طوال عمرى أشجع نادى الزمالك، وأحمل عضوية النادى الأهلى، فمع حبى للفريقين لكن تشجيعى للزمالك كان هدفه كسر احتكار الأهلى للبطولات.
وفى مباراة مصر والجزائر كنت أتوقع عدم فوز الفريق المصرى، وأن التعادل أقرب نتيجة ممكن أن يحققها، لأنه فريق غير مكتمل ومتذبذب الأداء، ولاعبوه لا يملكون الحماسة الكافية التى تصل بهم إلى كأس العالم، وقلت ذلك لزميلى أشرف محمود قبل سفره إلى الجزائر، كما أن الفريق المصرى لا يستحق فعلاً الفوز أو أن يلعب كأس العالم، والدليل مبارياته المتأرجحة، مختلفة المستوى، والتى كانت يجب أن تخرجه من نهائيات كأس العالم قبل المباراة الأخيرة، لولا هزيمة المغرب المفاجئة من السنغال، فالفريق المغربى أحق من الفريق المصرى بالوصول إلى نهائيات كأس العالم، وهو فريق يضم لاعبين أكفاء، وكنت أشجعه فى أثناء مباراته مع السنغال، بالرغم من انتمائى للفريق المصرى ورغبتى فى أن يصعد إلى النهائيات، لكن الفوز لا يكون إلا بمجهود الفريق ولاعبيه، فالفوز له أصول وقواعد، وإذا حققناه ولم نحترمها فليس له داع، والأفضل أن نخرج من التصفيات ولا نسعى للفوز على حساب الآخرين، حتى يكون للفوز معنى وقيمة حقيقية.
ولذلك خذلنى المذيع المصرى الذى كان ينقل وصف مباراة المغرب والسنغال، فقد وجدته مشجعاً وليس مذيعاً يحترم مهنته، ويقدر مستمعيه بموضوعية وحياد، فالمعلق مثل الصحفى يجب أن يبرأ من الأهواء وتهمة التحيز، وحتى ولو كان فعلاً متحيزاً.. أو يخاطب مشجعين متحمسين.
إن مهمة المعلق أن يقدم معلومات عن الفريقين، وعن المباراة وليست الصراخ والتشجيع، لأن من يسمعه يريد أن يستمتع بالمباراة والمعلق بحماسته وطريقته غير المهنية يفسد المباراة على المتابعين ولو كنت مسئولاً فى التليفزيون لمنعت هؤلاء المعلقين المشجعين من التعليق وأجلستهم فى مكان المتفرجين فهذا أفضل لهم ولنا وللكرة، حتى نأتى بمعلقين قادرين على نقل المباراة بحياد، كما نريد من الصحفيين والنقاد الرياضيين وصف الجماليات والتقنيات الفنية للكرة، وليس الخطب الرنانة والتشجيع الأجوف للفريق، وكأنهم متفرجون درجة ثالثة هؤلاء هم الذين صنعوا التعصب فى الملاعب، فهؤلاء هم المجرمون الحقيقيون، الذين جعلوا الكرة انتصاراً فقط، ولم يجعلوها لعبة جميلة يحصل فيها اللاعب المجيد المحترم الذى يحترم زملاءه وجمهوره ويحترم الحكام، والفريق الذى يبذل مجهوداً ويعرق فى الملعب على الفوز والتقدير.
المتعصبون، غير قادرين على التحليل، ومن يجرون وراء الإثارة وصناعة التعصب هم الذين جعلوا مباريات الكرة أزمات، بعد أن كانت لعبة جميلة، هم من نسوا قواعد الرياضة وأهدافها السامية، كل هؤلاء صنعوا أزمة مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر، وأفسدوا لقاء الأشقاء.
وبرغم عدم فهمى لتصرفات الجمهور فى عنابة، وحنقه على اللاعبين المصريين، فى حين أنهم كانوا يجب أن يكونوا حانقين على فريقهم الجزائرى، الذى نال هزائم متتابعة واحتل الموقع قبل الأخير فى قائمة التأهل للمونديال، فإننى وجدت أن عمليات الشحن المعنوى الأحمق، والشبيه بما يحدث عندنا فى مصر، قد وصلت إلى الجمهور، فجعلته يتصرف بشكل غير حضارى، ولا يدرك أن كلا الفريقين لم يحققا شيئاً، وأن الفوز كالتعادل، فالهدف لم يتحقق، ولكن من يهرب من المسئولية دائماً، ويضع العربة أمام الحصان هم المتعصبون والمتطرفون، ولذلك جاء تشخيص الأزمة، كالأزمة نفسها ناقصا ومعيبا.
أخطأ جمهور الجزائر، ولكننا جميعاً أخطأنا من قبل، عندما أراد بعضنا الحصول على فوز لا يستحقه، ونسوا أن شحن الجمهور له أصول، حتى لا ينقلب السحر على الساحر، فمن يشحن للتعصب يحصل عليه، والأذى أول ما يطاله، ولا فرق بين تشجيع محلى أو دولى أو إقليمى.
الأزمة المفتعلة بين الكرة الجزائرية والمصرية لا تحتاج إلى نقاد الرياضة المتعصبين، لكنها تحتاج إلى من يفهم معنى الرياضة، وأن الرياضى الحقيقى هو من يخسر ويتقبل الهزيمة، حتى يستطيع أن يفهم معنى النصر، وأن التعصب ليس من الرياضة فى شىء ولكنه آفة اجتماعية علينا التخلص منها، وأن نقول للمتعصبين قفوا ولا تفسدوا، فهؤلاء صنعوا المتطرفين وقللوا قدرتنا على مواجهة الأزمات، وأفسدوا حياتنا، وجعلونا متأخرين فى كل المجالات.