ليبيا الوجه الجديد

لاشك أن الليبيين لم يكونوا سعداء وهم يتفاوضون مع جماعة »أبوسياف« الإرهابية، وبالرغم من النجاح الذى حققته الجمعية الخيرية التى يرأسها »سيف الإسلام القذافى« فى إطلاق سراح بعض الرهائن الأوروبيين، وبينهم فتاة لبنانية بريئة، كانت فرحة أسرتها كبيرة بل إن الإذاعات اللبنانية ـ فى غمرة الانتخابات البرلمانية ـ لم تنس الإشارة إلى إطلاق سراح »لينا معربس«.
هذه الفرحة بإطلاق الرهائن والحماسة الليبىة فى استقبالهم، لم توقفا سيل الاتهامات على ليبيا وقائدها القذافى، بل إن البعض سمى ما يحدث باسم الصفقات المشبوهة التى تتم فى الفلبين، فهى صفقة ثلاثية الاتجاه بين جماعة صغيرة من المتطرفين المسلمين، وعدد من الحكومات الغربية والمسئولين فى ليبيا، بغرض تبييض الوجه الليبى، مقابل ملايين الدولارات التى دفعت للمختطفين.
والحقيقة أن ليبيا عبر بعض دبلوماسييها الأكفاء لعبت دورا إنسانيا بارزا لحل مشكلة الرهائن الأوروبيين المختطفين فى الفلبين، ويجب علينا أن نعترف بأهمية الدور الليبى فى هذه القضية الحساسة ـ التى هى غير مسئولة عنها ـ فهى لم تصنع الإرهابيين أو جماعاتهم فى الفلبين، لكنها عبر بعض المساعدات الإنسانية للمسلمين فى الفلبين، اكتسبت مكانة لدى هذه الجماعات، واستخدمتها لصالح الرهائن وأسرهم، وهذا شىء يبعث على الاحترام والتقدير وليس النقد، والجرى وراء لغة الاتهامات التى تساق ضد ليبيا ولسنوات بأنها راعية الإرهاب، مستغلين الطموح الليبى فى لعب دور بارز.
ونحن كلنا كعرب ومسلمين نقف ضد الإرهاب والمتطرفين، وليبيا لعبت بذكاء شديد فى منطقة شمال إفريقيا والمغرب العربى كحائط صد لحماية المنطقة من زحف المتطرفين بكل أشكالهم.
وما نريد تحديده هو أن الدور الليبى الأخير سواء فى قضية الرهائن أم المساعدات الإفريقية ـ التى دفع ثمنها السفير الليبى فى إفريقيا الوسطى »بانجى«، الذى تعرض للاغتيال، لتهديد الليبيين وإجبارهم على التفكير وإعادة النظر فى إستراتيجيتهم الإفريقية التى أصبحت تهدد البعض ـ هذا الدور الجديد يبعث على استشراف المستقبل فى ليبيا، التى وضعت أمامها أجندة جديدة منذ أن خرجت جزئيا من الحصار الظالم الذى فرض عليها بعد تعليق العقوبات فى العام الماضى، عقب تسليم الأمين خليفة وعبدالباسط المقراحى الليبيين المتهمين فى تفجير طائرة »بان إم« الأمريكية فوق لوكيربى فى أسكتلندا.
والصورة فى ليبيا الآن تتغير بشكل كبير، فنحن أمام اقتصاد يتجه إلى الازدهار والنمو كما تشير كل التقارير العالمية، فقد فتحت ليبيا أخيرا أراضيها للاستكشافات البترولية وهناك خطة لرفع إنتاجها البترولى من 1.4 مليون برميل يوميا إلى مليونى برميل على مدى 5 سنوات قادمة، كما أن ليبيا تحقق دخلا يصل إلى 10 مليارات دولار، كما كشفت ليبيا عن خطة للاستثمار فى البنية الأساسية مقدارها 35 مليار دولار وهناك عروض كبيرة للتمويل من شركات أجنبية فى حدود نسبة قدرها %40.
والشركات العالمية تشير إلى أن ليبيا بلد واعد، وتعد من أفضل البلدان للاكتشافات الجديدة، وقد أشارت مؤسسة روبرتسون البريطانية إلى أن اكتشاف حقل الفيل فى عام 1997 يعد أكبر اكتشاف بترولى منذ 15 عاما، فقد فتح الباب أمام المستثمرين الآخرين، كما أدى إلى فتح الباب أمام مشروع تنمية البترول والغاز الذى يقدر بحوالى 5.6 مليار دولار، وقامت بتنفيذه شركة إيطالية، فليبيا على أبواب ازدهار اقتصادى، وتغيير كبير بعد أن تخلصت من الحصار الظالم الذى ظلم شعبها 10 سنوات كاملة.
ونرى العقيد القذافى فى خطاباته الأخيرة يركز على عملية التعبئة الداخلية، والتضامن مع الشعوب، وأصبح يعطى للتعاون الإقليمى اقتصاديا اهتماما أكبر فى المرحلة الراهنة.
ليبيا تحتاج إلى الدعم والتشجيع للخروج من أزمة الحصار التى فرضت عليها، ويجب أن تتدخل كل الدول، والنظام العالمى الراهن لإعادة دراسة وتقييم السياسات الليبية الجديدة، خاصة سعيها إلى تحقيق الاستقرار فى المنطقة العربية ودورها البارز مع مصر فى المبادرة المشتركة لحل مشاكل السودان، وإعادة الوئام داخل ربوعه، هذا الدور الليبى فى السودان يستحق التشجيع والتأييد، فهى تسعى إلى استقرار ونمو هذا القطر العربى الشقيق بعيدا عن سنوات من الشقاق والحروب الأهلية.
وحلم القذافى إفريقيا، ليس شيئا خياليا، فإفريقيا هى القارة الواعدة، وعلى العرب الاهتمام بها، فهى قارتنا وامتداداتنا الإقليمية، ونحن فى حاجة ماسة إلى الإفريقيين، كما أنهم فى حاجة ماسة إلينا، وإذا لم تمتد الأيدى العربية إلى إفريقيا، فالصراع العالمى سيكون على أشده بين الأوروبيين والأمريكيين على القارة الإفريقية.
ودخول العرب بطموح القذافى إلى هذه القارة الواعدة سياسيا واقتصاديا، يكشف عن حس مرهف للقيادة الليبية تجاه المستقبل، ويجب ألا يُستهان بهذه النظرة الإستراتيجية الدقيقة التى تراعى الأبعاد المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط وللشعوب العربية.
ويكفى للإشادة بهذه السياسة النظرة الإفريقية والاحترام الذى تبديه الشعوب الإفريقية حاليا للسياسة الليبية، وعلى ليبيا أن تكون واثقة من اختياراتها، وأن تدافع عنها وأن تتجه إلى المستقبل، ولا تنظر إلى الماضى، وما يتردد من تقييمات لأدوارها العربية والعالمية، فالسياسات الحالمة والراغبة فى الوحدة لا تشكل عيبا تُلام ليبيا عليه، ويكفيها أنها كانت القاسم المشترك فى كل المشروعات الوحدوية على الصعيد العربى.
وعندما ساندت ليبيا الثورات العالمية وطموح الشعوب، اتهمت بالإرهاب، وحُوصرت ليبيا لسنوات طويلة، لكن يكفيها أن صوت الثورات العالمية والمضطهدين فى أنحاء العالم قد انتصر، وأصبحت لهم حكومات ومنظمات، وتُفتح الأبواب أمامهم فى كل المحافل العالمية، ويتفاوضون مع الحكومات العالمية والمنظمات الدولية وأصبح صوتهم مسموعا.
وعندما اتجهت ليبيا للقيام بالجهود الإنسانية، شكّك البعض فى مصداقيتها، لكنها أدخلت الفرحة فى قلوب الرهائن وأسرهم، بعد إطلاقهم من الأسر، والمطلوب الآن من ليبيا أن تنظر إلى المستقبل وتعمل على تحقيق حلم الرخاء الليبى للشعب الذى عانى كثيرا جراء الحصار وظلم الآخرين.