فى « الرياض » قمة خليجية للدفاع عن العروبة

مع توالى اجتماعات القمة الخليجية، التى تبلغ اليوم تسع عشرة قمة، ومع حرص جميع قادة الدول الست السعودية والإمارات المتحدة والبحرين وسلطنة عمان وقطر والكويت على حضورها، تكرَّست فى الذهن العربى والدولى فكرة المواطنة الخليجية ووحدة الهدف، وضرورة التعاون بين هذه الدول، ونجح مجلس التعاون الخليجى فيما فشل الآخرون فى تحقيقه، وهو ضرورة التجمع والتخطيط المشترك للمستقبل والحد من التشرذم، وَوَضْع خطط الانتقال من حال إلى أخرى بالتدرج وبالموضوعية.
وإذا كان مجلس التعاون الخليجى وملوكه وأمراؤه ـ الذين يجتمعون اليوم فى ضيافة خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز، فى العاصمة السعودية الرياض ـ سوف يتذكرون جميعا على مائدة الاجتماعات آمال وطموحات الشعب الخليجى فى تحقيق نقلة تاريخية لشعوبهم بإقامة السوق الخليجية المشتركة، فلاشك أن الخبراء سوف يذكِّرونهم، بأن هناك برنامجا مُدْرَجاً منذ عام ٣٨٩١، بإقامة منطقة حرة للتجارة، عَزّزت التجارة بين دول المجلس، وساعدت على نمو التصنيع، وتنويع القاعدة الإنتاجية للدول الأعضاء، وخَلْق سوق كبيرة للمنتجات، وفتحت المجال لانتقال رءوس الأموال الخليجية والسماح بتملُّك الأسهم والعقارات، ويستعدون اليوم فى قمتهم فى نهاية القرن لإقرار الاتحاد الجمركى، الذى سيكون نواة قوية للسوق الخليجية المرتقبة، إنهم استطاعوا تحقيق ما يمكن تسميته بـ »المواطنة الاقتصادية« التى أصبحت واقعا ملموسا على الخريطة الدولية والإقليمية.
وإذا قلنا إن مجلس التعاون الخليجى قد استطاع منذ إنشائه »عام ١٨٩١« أن يخلق كيانا عربيا خليجيا على الخريطة السياسية والاقتصادية إقليميا ودوليا، وأصبح فعالا فى تحقيق وتوفير الأمن لأعضائه، فهذا بالتحديد ليست فيه مبالغة أو بعد عن الحقيقة، فقد يكون ما تحقق ليس مواكبا لطمحات شعوبهم وتطلعاتهم فى إنجاز التعاون والدمج بسرعة، لكن هناك خططا اقتصادية قوية ومُتدرِّجة ومُتعقلة وعلى الصعيد السياسى فإن وقفة دول مجلس التعاون مع الكويت عندما تعرضت للعدوان العراقى فى بداية التسعينيات، سوف تشكل دائما علامة فارقة وقوية على حاجة الشعوب الخليجية للاتحاد والتعاون الإقليمى، لمواجهة العدوان، وإحداث توازن إقليمى دقيق يحمى جميع مصالح دول وإمارات الخليج العربى، وسوف يظل فى ذاكرة مجلس التعاون الخليجى حادثان فى غاية الأهمية الأول أن إنشاءه جاء متزامنا مع الحرب العراقية ـ الإيرانية، وبداية ظهور شبح تصدير التوازن، سواء كانت دينية أم تدخلا لقوى إقليمية فى شئون دولهم الصغيرة، والثانى أن الحرب الثانية فى الخليج كانت امتحانا قاسيا لمجلسهم وزعامتهم وقدرتهم على مواجهة العدوان والتعاون للحفاظ على دولهم، وعلى النظام الخليجى، وكذلك على النظام العربى ككل، الذى تعرض للاختلال بهذا العدوان غير المعقول والمباغت، الذى أَضَرّ أبشع الضرر بالمستقبل العربى ككل.
وإذا كان الخليجيون ينتظرون من من قمتهم فى نهاية هذا القرن، ويتطلعون خلالها إلى حرية أكثر فى انتقال الأشخاص ورءوس الأموال والشركات والسلع والخدمات، ويريدون تعاونا سياسيا أكثر فعالية لضمان مكانة أفضل لشعوبهم فى ظل العولمة والتجارة المفتوحة، وسعى القوى الكبرى لتأكيد هيمنتها على الخليج، وابتلاع ثروته بالمواجهة أو عن طريق التعاون والتنسيق بين الحكومات والشعوب، فإن العالم العربى ينتظر من حكماء الخليج خطوة تصحيح للواقع العربى ككل، وأن يضربوا المثل على أنه فى التعاون قوة ومكانة أعلى لهم، وعليهم أن يعيدوا ترتيب البيت الخليجى لكى يتخلصوا من المشاكل الداخلية، خاصة الحدودية، ويفتحوا الباب واسعا للاتحاد الذى سيساعدهم على مواجهة التحديات والظروف الصعبة التى قد تواجه المنطقة من أزمات داخلية، وتدخل خارجى فى شئونها.
كما أن المنطقة العربية فى حاجة إلى الصوت الخليجى القوى المتحد، لكى تعلن عن رغبة قوية وَمُحّة للشعب العربى ككل، والخليجى خاصة، لتخليص العراق من العزلة، بدلا من تركه فريسة يبتلعها النظام العالمى الجديد و»صدام حسين« وحدهما، بدون ظهر عربى يحميه ويخلصه من العدوان، ومن موت أطفاله، واحتضار الوطن، فالشعب لا يجب أن يدفع ثمن جريمة لم يقترفها، بينما النظام العراقى يستأسد فى ظل الحصار المفروض على شعبه يوميا.
إن كلمة قمة الخليج اليوم فى مستقبل ومصير شعب العراق، ستكون فاصلة، والعرب يريدون اليوم أن يسمعوا صوت الحكمة والعروبة قويا، لتخليص العراق الحبيب من آلامه، حتى نردع العدوان، سواء كان قادما من الخارج أم من الداخل.
كما أن قضية القدس ومستقبل المفاوضات والحل النهائى لن تكون بعيدة عن اهتمامات قمة الخليج، فيجب أن تسمع إسرائيل بقوة من حكام وقادة الخليج فى قمتهم، أنه لن يكون هناك تعاون إقليمى واقتصادى بدون حل نهائى عادل يرضى الشعب الفلسطينى، ويحقق له دولته، ويعيد القدس إلى السيادة العربية.
وعرب الخليج قادرون على أن يستردوا القدس إذا أعلنوها صريحة وَمُدَوِّية لأمريكا وإسرائيل إن القدس هى الحد الأدنى للسلام المرتقب.
إن قمة نهاية القرن لدول الخليج هى البديل العربى الوحيد المتاح الآن للقمم العربية الغائبة التى خُطِّط لغيابها، ولا نعرف من هذا الذى خطط؟ لكنه بلا شك لا يريد للعرب ولهويتهم ولحقوقهم أى خير أو مكانة فى العالم الجديد.
وعلى قمة الخليج أن تؤكد على عروبتها، ورغبتها الأكيدة فى الدفاع عن المصالح العربية، وأن تسعى جاهدة إلى استرداد القمة العربية، لفتح الطريق للتعاون العربى الشامل الذى فيه الضمانة الوحيدة لمستقبل العرب، ووجودهم وكينونتهم فى هذا العالم الصعب، الذى يتغير بشكل متلاحق ومتسارع.
على هؤلاء القادة أن يثبتوا أن الخليج لم ينسلخ عن عروبته أو يتخلَّ عن التزاماته، وأن ثراءه وتضافُر جهود قادته، هو لصالح كل العرب وشعوبهم، ودفاعا عن مصالحهم ومستقبلهم.