خسرت إسرائيل وكسب حزب الله

منذ 1973 لم يحقق العرب نصرا عسكريا على إسرائيل، لكن المقاومة اللبنانية، وتحديدا حزب الله، حققت نصرا مؤزرا وحقيقيا فى فبراير 2000 عسكريا وسياسيا، واعترفت به الصحافة ووسائل الإعلام الإسرائيلية صراحة بإعلانها بأنهم خسروا المعركة ولم يعد ممكنا بالنسبة لهم أن ينتصروا وهكذا تثبت الأيام فشل الرهان الإسرائيلى على ضعف العرب وإجبارهم على سلام أو تسوية لا تحقق المصالح العربية.
الخسارة والانتصار يتحققان وفقا للأهداف، فعن طريق الضربة العسكرية للجنوب والبقاع الغربى، أرادت إسرائيل أن تسلب سوريا، ولبنان ورقة المقاومة فى أثناء المفاوضات، وأن تزرع الشقاق بين اللبنانيين ورجال المقاومة من خلال ضرب البنية التحتية، فخرجت من الضربة خاسرة تمام، وأصبح اللبنانيون مقتنعين تماما بانتصارهم على إسرائيل، وفخورين بالمقاومة التى ستجبر قوات الاحتلال على الخروج من جنوب لبنان، ولم يعد السؤال المطروح عن الانسحاب أو اللانسحاب، لكن عن موعد الانسحاب وشروطه.
لقد أرادت إسرائيل أن تسلب المقاومة شرعية وجودها وتحولها إلى ميليشيات، فوجدت أمامها مقاتلين يملكون الرؤية السياسية، وقادرين على إصابة العدو فى مقتل وكانت النتيجة القوية للانتصار أن الوضع فى جنوب لبنان خارج سيطرة إسرائيل الآن الأمر الذى أدى إلى فقدان إسرائيل لخاصية استراتيجية كانت تسيطر بها على الدول المجاورة فلم تعد تتحكم فى علاقتها مع سوريا والفلسطينيين.
حتى باراك الذى بدا بعد انتخابه رجلا قويا واثقا من نفسه، أصبح الرجل المتردد والضعيف والمحبط على كل الأصعدة داخل إسرائيل وإقليميا وعالميا، وحالة التفاؤل والرضا اللتىن سادتا الشارع الإسرائيلىقد تغيرتا، وتغير الموقف داخل إسرائيل التى تنفست الصعداء لرحيل نيتانياهو من ساحة الأحداث، واليوم بعد الأحداث الأخيرة، يشعرون بأن باراك يهدد السلام الإقليمى، كما يشعر الفلسطينيون والسوريون واللبنانيون بالاستياء ويطل على إسرائيل شبح العزلة والعنف الذى عاشته خلال الفترة منذ 1948 إلى 1977، فإن باراك يواجه خطرا حقيقيا يؤثر على سلامة دولة إسرائيل نفسها خلال الفترة المقبلة والأهم أن باراك أصبح هو نفسه شيمون بيريز ـ الرجل المضطرب ـ وكانت نتيجة الضربة الإسرائيلية للبنان، هى نفس النتيجة التى حدثت فى إبريل 1996 فى مذبحة قانا الشهيرة التى أصابت المدنيين والأطفال العزل، فإسرائيل التى فشلت فى أن تصيب المقاومة فى المرتين، واجهت مقاومة باسلة لم توجِّه ضرباتها إلى المدنيين العزل فى إسرائيل، لكنها أصابت العسكريين وضربت أكبر رأس فعلية لقوات لحد العملية عقل هاشم.
وكان لهذا الحادث أثزه السىء على معنويات القادة العسكريين فى إسرائيل، الذين لا يستطيعون تعويض مثل هذا العميل بسهولة خاصة أن العسكرية الإسرائيلية نفسها هى التى فشلت فى إصابة أحد قادة حزب الله، فأثبتت المقاومة قدرتها على إصابة الأهداف، وعجزت إسرائيل، فلجأت إلى أهداف مدنية، وضعتها أمام العرب والعالم فى موقف محرج، ومعاد للسلام، وأضعفت معنويات الإسرائيليين.
وكسبت المقاومة اللبنانية أمام الشارع الإسرائيلى، عندما رفضت استخدام سلاح الكاتيوشا على المدنيين الإسرائيليين فى المناطق الشمالية »300 ألف إسرائيل« توقعوا رد فعل الضربة العسكرية للبنية التحتية اللبنانية، فاضطروا للاحتماء فى المخابىء لمدة ثلاثة أيام، فحققت المقاومة انتصارا سياسيا كبيرا لا يستهان بنتائجه على طاولات المفاوضات لبنانيا وسوريا، باعتبارها مقاومة شعبية مسئولة، تعدت مصالحها، لقتال العدوان، ولم تلجأ إلى ضرب المدنيين العزل، كما لجأ جيش عسكرى مدجج بكل الأسلحة.
وهكذا تنكشف إسرائيل تماما فهى التى خرقت اتفاق إبريل 96، وضربت محطات الكهرباء وشبكات الطرق، وأحدثت خسائر اقتصادية للشعب اللبنانى قيمتها 100 مليون دولار، بينما تحصنت المقاومة بضرب جنود الاحتلال والعملاء فقط وكان من حقها الرد، وهىتملك القدرة لكن المقاومة أرادت أن تعطى رسالة واضحة لإسرائيل تكشف فيها مكانتها العسكرية والسياسية.
ونتطلع جميعا أن يكون درس المعركة الأخيرة قد استوعبته إسرائيل والولايات المتحدة وهو أن القوة لن تشل المقاومة، وأن الابتزاز لن ينزع أدوات المفاوض السورى واللبنانى، كما أن إسرائيل لا تستطيع أن تجعل لبنان رهينة والمدنيين العزل دروعا بشرية لممارسة الإرهاب والابتزاز على المفاوض العربى، قبل أن يجلس على طاولة المفاوضات.
كما أن قدرة إسرائيل على تمديد التفاوض بالمدافع عاجزة وفاشلة وترتد إلى صدرها، كما أن اللع على أجنحة التفاوض سورياً ولبنانياً وفلسطينيا، أصبح هى الأخرى لعبة فاشلة وأسلوبا للعاجزين، كما أن الزمن لم يعد فى صالح إسرائيل.
فصمود المقاومة اللبنانية، وانتصاراتها المتتالية هما خير ضمان يثبت أن خيار الكفاح المسلح لم يسقط عربيا، والمرحلة القادمة لن تكون انتفاضة فلسطينية فقط، لكن الباب الواسع لرفض العدوان سيكون كبيرا، والوعى بالمتغيرات وبالدروس المستفادة، يجب أن يحرك الولايات المتحدة المستفيد الأكبر من سلام المنطقة، وأصبح لا يكفى الآن أن يواصل الساسة الأمريكيون ضغوطهم على العرب فقط، فهم فى حاجة ماسة إلى ممارسة ضغط حقيقى على إسرائيل للوفاء بالتزاماتها وتعهداتها، لنسحب من كل الجبهات فى وقت واحد، وبأسرع وقت ممكن، قبل الطوفان، والفوضى واليأس الذى من الممكن أن يدب فى المنطقة ولا يمكن الوقوف ضد تداعياته إقليميا وعالميا على كل الأصعدة.